صحافة دولية

فورين بوليسي: لماذا سيندم ترامب على دعمه لابن سلمان؟

فورين بوليسي: يجب على ترامب إعادة الأوضاع بالسعودية إلى ما كانت عليه- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكل من الباحث آرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولسكي، يقولان فيه إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضع الشرق الأوسط على مسار اصطدام، مشيرين إلى أن البيت الأبيض سيتحمل المسؤولية عن ذلك.

 

ويقول الكاتبان: "الآن، بعد أن سرّع الفتى الأعجوبة من صعوده إلى العرش، من خلال عدد من عمليات التطهير على نطاق واسع نهاية الأسبوع الماضي، ومن خلال سياسات خارجية متهورة، أصبحنا نحن إلى الأيام الجميلة الماضية، عندما كان السعوديون يخافون من ظلهم".

 

ويضيف الباحثان: "كنا خلال عملنا لعقود في الخارجية الأمريكية نتمنى أن يتولى القادة السعوديون حل مشكلاتهم المحلية وأمنهم الإقليمي بأنفسهم، وأن يقللوا من اعتمادهم على أمريكا، وكنا ننزعج من قلة فعلهم وحذرهم الشديد، لدرجة أن وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، الذي تودد للسعوديين خلال حرب الخليج انفجر يائسا منهم ذات مرة، بعد عدم تنفيذهم ما وعدوا به من نشر بيان حول عملية السلام العربية الإسرائيلية، وقال إن هؤلاء الناس لو أوكلوا بجنازة مؤلفة من سيارتين لفشلوا".

 

وتستدرك المجلة قائلة: "يبدو أخيرا أن السعوديين أصبحوا كل شيء كنا نريدهم أن يكونوا -ومما رأيناه إلى الآن يبدو أننا حصلنا على أكثر مما أردناه- ففي ظل محمد بن سلمان تحولت السعودية قوة مستقلة تضرب في الخارج ومحليا، وتجر واشنطن معها، وما يلي سيشرح سبب ندمنا على ما حصلنا عليه، ولماذا يجب على إدارة ترامب إعادة الأوضاع في السعودية إلى ما كانت عليه". 

 

ويشير الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في سلسلة من الفشل في السياسة الخارجية (في اليمن وقطر والآن قد تلحقهما لبنان) يمكن القول بأن أهم نجاح حققه محمد بن سلمان في الخارج هو تقريب كل من الرئيس ترامب وصهره جارد كوشنر، ولطالما افتتن الأمريكيون بالملوك والمملكات، لكن الملك سلمان وابنه استطاعا بسرعة قياسية أن يقنعا إدارة ترامب بأنهما يمتلكان مفاتيح الحرب والسلام وتغيير وجه المنطقة".  

 

ويقول الكاتبان: "لم تكن هناك حاجة لكثير من الإقناع، فبالتأكيد لدى المملكة ما يميزها عن غيرها من الحلفاء المحتملين، ما يعطيها نقاطا لدى البيت الأبيض: الاستقرار، والقوة الظاهرة والاستبداد، وأطنان من المال، ورغبة في التملق والإرضاء، لكن والأهم من ذلك فإن هذا الحب الأخوي الجديد يعكس توافقا في الضرورات الاستراتيجية: أولها حرص ترامب على النأي بنفسه عن توجهات سلفه بالتقارب مع إيران، وسعيه لإصلاح التوتر في العلاقات مع السعودية وإسرائيل من سنوات أوباما، وكان السعوديون مصممين على استغلال حساسية ترامب المفرطة تجاه أي شيء كان يفعله أوباما؛ لدفع واشنطن إلى موقف أكثر عدائية تجاه إيران".

 

وتلفت المجلة إلى أن "أول رحلة خارجية لترامب كانت إلى السعودية، وهذا أمر غير مسبوق، حيث كانت رحلات الرؤساء الأربعة الذين سبقوه مباشرة، إما إلى كندا أو إلى المكسيك، فالشرق الأوسط عادة مكان تذهب إليه الخطط والأحلام الأمريكية في محاولة لإصلاحه، لكنها تموت هناك، إلا أن السعوديين حولوا زيارة ترامب لمملكتهم إلى مهرجان للحب الحقيقي وسلسلة من المبالغات: لقد حقق ترامب عدة صفقات هائلة، وأعرب عن افتخاره بالعلاقة الجديدة والأهداف (المشابهة) التي يشترك فيها البلدان، ونجح السعوديون في فتنة الرئيس وتجريده من سلاحه هو وواشنطن الرسمية ببلورتهم السحرية، فتم منحهم حرية في التحرك في المنطقة كيف يشاؤون، دون اشتراط أي شيء مقابل ذلك".

 

ويبين الباحثان أن "الإدارات الأمريكية كانت منذ الرئيس فرانكلين روزفيلت تتبنى سياسات مؤيدة للسعودية، وكان السعوديون شركاء أمنيين مهمين وموردين للطاقة، لكن استعداد هذا الرئيس للتزلف للسعوديين ومباركة سياساتهم الداخلية والخارجية، والثقة بأن هذه السياسات تصب في المصالح الأمريكية، هو أمر يقلب الدماغ. وللعدالة، فإن المفكرين الأكثر اتزانا في إدارة ترامب يقولون إنه لم يمر على رئيس أمريكي من قبل أن واجه آل سعود في حالة استعداد لإحداث تغييرات جذرية.. وهذا وحده يجب أن يكون سببا في التعامل معهم بحذر وعن بعد.. لكن ليس في ترامبستان على ما يبدو".                                                                        


ويجد الكاتبان أنه "بدلا من النأي فإن الرئيس زاد من دعمه للحملة السعودية الدموية واللا إنسانية ضد الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى أنه وقف بجانب السعودية في حملتها الفاشلة ضد قطر، كما أنه لم يقل شيئا عن تصدير السعودية للإسلام المتطرف، بل على العكس وقف مع السعودية في حملة التطهير الأخيرة ضد الأمراء البارزين ورجال الأعمال والسياسيين والإعلاميين، وقال إن السعودية تعرف بالضبط ماذا تعمل. وكون كوشنير كان في زيارة غير معلنة للسعودية يثير الاشتباه بأنه كان على علم بالحملة مسبقا ولم يعارض، وباختصار يبدو أن الرئيس حول السعودية إلى نقطة ارتكاز للحضارة الغربية، وحصنا ضد إيران، وقوة رئيسية لما سيعلن عنه الرئيس من خطط لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وهذا كله دون التفكير في كيف يمكن للسياسات السعودية أن تدعم المصالح الأمريكية في المنطقة عامة". 

 

ويقول الباحثان إن "الرهان الكبير، على افتراض أن تنجو السعودية عبر هذا الاضطراب، فيمكن أن يحكم محمد بن سلمان السعودية على مدى 50 عاما، وواضح أن السعودية تحتاج لأن تتغير وتتوقف عن الاعتماد على النفط في اقتصادها، وهو ما يسعى إليه محمد بن سلمان من خلال خطته رؤية 2030، بالإضافة إلى انتهاج الاعتدال في الإسلام، والسماح للنساء بقيادة السيارات، وذلك كله إيجابي، لكن محمد بن سلمان قام بتحركات مظلمة ومخيفة، فكانت السعودية دائما دولة بوليسية، إلا أن السعي إلى ما يبدو أنه سلطة فردية مطلقة يقوض تقاليد التوافقية داخل العائلة المالكة، التي ضمنت الاستمرارية والاستقرار، بالإضافة إلى أنها زعزعت نظاما كان يوزع السلطة في الجيش لإبقاء نوع من الانسجام، وليس تركيزها، كما فعل محمد بن سلمان، وهو ما سينتج عنه الاستياء والمعارضة خلال انتقال الحكم أو بعد ذلك". 

 

ويلفت الكاتبان إلى أن "السعودية تخوض في الخارج حربا باردة، وتستغل إيران الأخطاء التي تقع فيها السعودية في اليمن وقطر كلها، وتفاقم من خطورة احتدام الطائفية بين السنة والشيعة، وآخر مناورة للسعودية كانت من خلال الضغط على رئيس الوزراء اللبناني ليقدم استقالته، في محاولة لفضح العلاقات بين إيران وحزب الله، الذي يهيمن على الساحة السياسية في لبنان".

 

ويخلص الكاتبان إلى القول إن "أوباما أخطأ عندما حاول إرضاء السعودية بعد الاتفاق النووي مع إيران، بسكوته على حملتهم في اليمن، لكن مع هذا الخطأ إلا أنه أبقى أمريكا على مسافة مما تفعله السعودية، ولم يأخذ جانب السعودية في خلافها مع إيران، ومهما كان الأمر مؤلما بالنسبة لترامب فإن عليه أن يتعلم من أوباما بالضغط على الملك للتخفيف من الصراع، ويعيد التوازن إلى علاقة أمريكا بالسعودية وإيران".