إذا أردنا تقييم ما جرى في المصالحة الفلسطينية حتى الآن، فيمكن القول إنها لا تزال تراوح مكانها، وأن الآمال المعلقة على نجاحها لا تستند في الواقع إلى معطيات حقيقية، لا سيما أنها تضمنت استلام السلطة الفلسطينية المعابر دون اقتران ذلك بأي تقدم فيما يتعلق باستيعاب الموظفين ورفع العقوبات التي فرضها الرئيس الفلسطيني على قطاع غزة؛ متذرعا بتشكيل حماس للجنة إدارية لتسيير أمور القطاع في ضوء استنكار حكومة عباس عن استلام قطاع غزة من حماس.
كانت بدايات التطبيق محبطة ومخيبة لآمال الكثيرين، في ضوء إصرار الحكومة على خروج آخر موظف من موظفي حماس من المعابر قبل تسلمها
لقد سعت حماس للمصالحة بكل قوتها، إلى حد أن قيادة حماس في غزة أطلقت مصطلحات غريبة عن قاموسها في التعامل مع الجماهير وحتى كوادرها
سعت حماس إلى الهروب للأمام، لإحباط مخططات السلطة المدعومة من الرباعية العربية (السعودية والإمارات ومصر والأردن) لتثوير الجماهير الغزية على الحركة
ورأت قيادة حماس أن المصالحة يفترض بها أن تشكل درع حماية للمقاومة الفلسطينية ومكاسبها، في ضوء اتفاق مستقبلي على الحقوق الوطنية، وعلى رأسها حق مقاومة الاحتلال وتجريم التنسيق الأمني مع الاحتلال الغاشم.
وخاضت فتح وحماس حوارات صعبة في القاهرة؛ دون التمكن من إنجاز برنامج وطني فلسطيني، مع تأجيل الكثير من القضايا العالقة، والبدء من نقطة استلام حكومة رامي الحمد الله للمعابر الحدودية في غزة مع البدء في فك الحصار على غزة من قبل عباس ومصر، والذي أوصل القطاع لمعدلات غير مسبوقة من البطالة.
جاءت فتح إلى الحوار معتقدة أن حماس أصبحت مطواعة أكثر للواقع، فنجحت (فتح) في تجنب القضايا الحساسة، ورفضت التوافق على برنامج وطني فلسطيني جامع، الأمر الذي جعلها لا تباشر بالمتطلبات التي تخصها في المصالحة.
جاءت فتح إلى الحوار معتقدة أن حماس أصبحت مطواعة أكثر للواقع، فنجحت (فتح) في تجنب القضايا الحساسة، ورفضت التوافق على برنامج وطني فلسطيني جامع
مفاوضات التسوية.. والتطبيع
أما الدور المصري، فمن الواضح أنه منحاز للسلطة وفتح، حتى وإن امتدح موقف حماس في مفاوضات المصالحة، إلا أن الأخطر في هذا الموقف هو محاولته تجيير المصالحة لصالح توجهات إقليمية وعربية لاستئناف عملية المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وفق تصور حكومة نتنياهو المتحالفة مع اليمين المتشدد ببدء تطبيع العرب لعلاقاتهم مع إسرائيل، بصرف النظر عن تحقيق التسوية في إطارها الفلسطيني، بما يشكل في النهاية إضعافا للموقف الفلسطيني وتجاوزا لكل المحرمات السابقة للعرب.
ولا شك أن حماس تدرك جيدا هذا المخطط، ولكنها تسعى لحماية برنامجها في المقاومة، والذي لا تتنازل عنه باعتباره ملبيا لتطلعات الفلسطينيين، وحاميا لحقوقهم وثوابتهم.
ومن هذه النقطة، نستطيع أن نتكهن بعدم نجاح المصالحة، وأن مصيرها سيكون كمصير الاتفاقات السابقة.
ففتح تريد أن تتحقق لها السيطرة الكاملة في غزة كما في الضفة، لذلك فهي تردد دائما أنه لا سلاح إلا سلاح السلطة الشرعية، وأنها لن تسمح بتحول حالة حماس في القطاع إلى حالة شبيهة لحزب الله في لبنان!!
فتح تريد أن تتحقق لها السيطرة الكاملة في غزة كما في الضفة، لذلك فهي تردد دائما أنه لا سلاح إلا سلاح السلطة الشرعية
وترى حماس أن المقاومة هي شرفها، وسلاحها غير قابل للتفاوض أو أن تمس به السلطة، وأنها وإن أسرعت (أو تسرعت) بالمصالحة، فستبقي يدها على الزناد في فلسطين وستتصدى لأي محاولات لنزع هذا السلاح.
وسمعنا الكثير من التصريحات لمسؤولي حماس تؤكد على هذه النقطة؛ لأن المقاومة هي التي قدمت حماس لقيادة الشعب الفلسطيني.
مصير المصالحة
وفي ضوء ما تم حتى الآن، فلا زالت هناك عقبات كبيرة أمام المصالحة حتى يمكن أن نقول عنها إنها ناجزة.
أولى هذه العقبات، عدم جدية السلطة في التعامل معها. فعباس ضُغط عليه من السيسي لأسباب تحدثنا عنها، وضمن مخطط معلوم قد يفضي أيضا إلى تغيير قيادة السلطة وإدخال محمد دحلان على خطها، أو إلزام عباس بمصالحته، ليعمل بالتالي بديلا عنه في حالة وفاته، وربما قبل ذلك؛ باعتباره مطواعا أكثر للمطالب الإسرائيلية.
وترى السلطة أن حماس لا يمكن أن تستجيب لمطالب الرباعية الدولية (أمريكا - روسيا - الاتحاد الأوروبي - الأمم المتحدة)، والتي تتلخص بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، ونبذ العنف والإرهاب.
كما لا يريد عباس أن تنافسه في الانتخابات حركة قوية ومنظمة ومتمكنة، ولا أن تشاركه في المجلس الوطني بتمثيل قوي، وهذا الموقف الأخير يشترك فيه مع مصر والرباعية العربية.
وقد ظهرت المشاكل في الخطوة الأولى لاستلام المعابر. ففضلا عن إهانة موظفي حماس خلال الاستلام والتسليم، فإن قيادات السلطة بدأت تتحدث عن اتفاقية المعابر المهينة والمذلة، والتي وقعها محمد دحلان مع الإسرائيليين عام 1985، والتي تنص على مرابطة قوة من الاتحاد الأوروبي في معبر رفح، والتنسيق مع إسرائيل في دخول وخروج الناس من المعبر، وإعطاء إسرائيل حق الاعتراض على الدخول والخروج، فضلا عن نصب كاميرات مراقبة يرى الإسرائيليون من خلالها كل ما يجري فيه..
العقبات والمشاكل الكبيرة، ستظهر في الخطوات المقبلة، وأهمها نزع سلاح حماس، وإدماج موظفي حماس في المؤسسات، وتشكيل حكومة الوحدة وإجراء الانتخابات
"إسرائيل الكبرى".. ما بين وعد بلفور ووعد ترامب
حماس والأردن.. القطيعة المتواصلة إلى متى؟
فتحي الشقاقي اسم لا يغيب وشهيدٌ لا يموت