نشرت صحيفة "فورين أفيرز" الأمريكية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على حقيقة وجود
الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل بارز، علما بأنهم لا يمثلون خطرا على أمنها.
وبالتالي، فمن الضروري تجنب تصنيفهم على ضمن المنظمات الإرهابية، لما في هذه الخطوة من مخاطر وانعكاسات سلبية على الوضع الأمني في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن السيناتور الجمهوري تيد كروز اقترح، في
10 كانون الثاني/ يناير الماضي، مشروع قانون جديد، تحت مسمى "تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية"، دعا من خلاله كروز وزير الخارجية الأمريكي إلى إجراء تحقيق، وتقديم تقرير للكونغرس حول الأسباب التي قد تحول دون إدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس في الوقت الحالي إمكانية إصدار عدد من العقوبات والقرارات التنفيذية ضد الأنشطة والجمعيات التي تنشط في الولايات المتحدة، والمرتبطة بشكل من الأشكال بجماعة الإخوان المسلمين.
واعتبرت الصحيفة أن هذه النوايا من منظور مصالح السياسة الخارجية الأمريكية تفتقر إلى الحكمة، فضلا عن أن تأثيرها على الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة سيكون كارثيا. في الواقع، تعكس هذه الخطوات فشل النخب الثقافية والسياسية الأمريكية عن إدراك حقيقة هذه العلاقة المزعومة بين الإخوان المسلمين والإرهاب، وفهم مدى تأثير هذه الجماعة في حياة الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة أن جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في
مصر عام 1928، كرد فعل على الهيمنة الاستعمارية على العالم الإسلامي، اعتمدت في بعض الفترات من تاريخها على الاغتيالات السياسية والهجمات المسلحة. في المقابل، لا يعني ذلك بالضرورة أن الإخوان المسلمين في الوقت الراهن يمثلون منظمة إرهابية.
وأضافت الصحيفة أن جماعة الإخوان المسلمين التي تجذرت في العالم العربي جيلا بعد جيل، نراها اليوم حركة اجتماعية وثقافية أكثر من كونها تيارا سياسيا. وعلى الرغم من ذلك، شدد النظام العسكري الحاكم في مصر منذ انقلاب سنة 2013 ضد حكومة الرئيس محمد مرسي، بالإضافة إلى بعض الأنظمة الأخرى المتحالفة معه في المنطقة، على ضرورة تصنيف الجماعة في خانة المنظمات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، تسعى هذه الأطراف إلى إقناع واشنطن باتخاذ الموقف ذاته.
وأكدت الصحيفة أن الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة لم يتورطوا في أي وقت من الأوقات في أي عملية إرهابية. ومن هذا المنطلق يمكن الجزم بأن الإخوان المسلمين الأمريكيين يمثلون تيارا سلميا ينبذ العنف تماما. وعلى الرغم من أنه لا وجود لمنظمة تحمل هذا الاسم بشكل رسمي، إلا أن أبناء جماعة الإخوان المسلمين قدموا إلى الأراضي الأمريكية منذ الخمسينات والستينات، وذلك لمتابعة تعليمهم في الجامعات الأمريكية. وفي الأثناء، ومن خلال حضورهم وبقوة في صلب المجتمع المدني، لعبوا دورا بارزا في تشكيل مشهد الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن هذه المنظمات التي أنشأتها جماعة الإخوان المسلمين تضطلع اليوم بدور قيادي في صفوف جيل الشبان المسلمين الذين ولدوا في الولايات المتحدة، وذلك في إطار نضالهم للحصول على حقوقهم المدنية وحريتهم الدينية باعتبارهم مواطنين أمريكيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن أكبر المنتقدين للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، على غرار فرانك غافني، مساعد وزير الدفاع في إدارة رونالد ريغان، والرئيس الحالي لمركز الدراسات الأمنية، يتهمون الإخوان المسلمين بالسعي لخلق نوع من "الجهاد الحضاري"؛ وذلك بهدف إنشاء مؤسسات إسلامية كالمساجد والمدارس والمراكز الاجتماعية؛ للتغلغل في المجتمع الأمريكي، والقضاء على الحضارة الغربية من الداخل، والتسبب بانهيارها.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الادعاءات تتغاضى عن الكثير من الحقائق والمنطق؛ إذ إن الشباب الذين ينتمون للجماعة وركزوا أسسها في الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانوا طلبة في سنوات الستينات، أغلبهم عادوا إلى بلدانهم بعد الدراسة. فضلا عن ذلك، تأقلم معظم من بقي مع نمط الحياة الأمريكية، وتغيرت أفكارهم كثيرا.
وأوردت الصحيفة أن الاعتقاد بأن مجتمعا كبيرا ومتنوعا مثل المجتمع الأمريكي، بكل ما يمتاز به من انفتاح وقيم وفرص للحياة، قابل للخضوع للتأثير الإسلامي هو سذاجة محض. علاوة على ذلك، تواترت العديد من الشائعات من قبل العديد من الجهات، التي تمارس سياسة التخويف من الإخوان المسلمين، بأن ثلاثة ملايين مسلم (حوالي 1 بالمئة من إجمالي السكان) سوف يتمكنون من فرض حكم الشريعة الإسلامية أو ربما إقامة الخلافة. في الحقيقة، يعد هذا السيناريو ضربا من الخيال ومبالغا فيه.
وتجدر الإشارة إلى أن آخر إحصاء أجراه مركز بيو للأبحاث أظهر أن 40 بالمئة من النساء المسلمات في الولايات المتحدة لا يرتدين الحجاب، وأكثر من 50 بالمئة منهم لا يحضرون صلاة الجمعة في المسجد.
وأضافت الصحيفة أن هجمات المحافظين والشعبويين ضد الإخوان المسلمين تتناسى حقيقة مهمة، وهي الانضباط الكبير الذي يتسم به المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وميلهم للعمل في كنف السرية، فضلا عن ثقافة الكتمان التي يتميزون بها. وتعدّ كل هذه السمات نتاجا لعقود من الاضطهاد الذي تعرضوا له على أيدي الأنظمة الدكتاتورية، وهو أمر رافقهم من موطنهم الأصلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وأقرت الصحيفة بأنه وفي ظل فشل
الربيع العربي في مصر والإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي، وصدور قرار من النظام العسكري بحظر جماعة الإخوان المسلمين، تعزز ميل الإخوان للعمل السري أكثر من أي وقت مضى.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن تعامل الشعبويين الأمريكيين مع ما يعتبرونه "خطر الإخوان المسلمين" يعكس اهتزاز ثقتهم بمؤسسات ونخب بلادهم، وضعف إيمانهم بصلابة القيم ونمط العيش الأمريكي. خلافا لذلك، لا يمكن تبديد هذه الخشية المتزايدة في صفوف الأمريكيين من انهيار بلادهم ووقوعها تحت سيطرة الإسلاميين، إلا من خلال طرح النخب الحاكمة لهذا الموضوع بجدية، والتعامل معه بنزاهة.