سياسة عربية

فضائح "شراء الترشيح" بانتخابات الجزائر تهز الحزب الحاكم

عزوف عن المشاركة في الانتخابات بسبب التشكيك بجدواها - تعبيرية
عزوف عن المشاركة في الانتخابات بسبب التشكيك بجدواها - تعبيرية
طغى ملف الفساد على مشهد الانتخابات النيابية المقررة في الجزائر في أيار/ مايو المقبل، في وقت طفت فيه إلى السطح عدة قضايا رشوة في عملية ترتيب المرشحين باللوائح الانتخابية لبعض الأحزاب، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في البلاد.

وأعلنت الدوائر الأمنية أنها باشرت تحقيقاتها بخصوص قضايا الفساد في الملف الانتخابي. لكن اللافت أن عددا من القضايا المحالة على القضاء، تتعلق بتلقي قيادات حزبية رشاوى من مرشحين بغرض وضع أسمائهم بصدارة اللوائح، ما يعني تعزيز فرصهم للفوز بمقاعد في البرلمان.

الحزب الحاكم في قفص الاتهام

وخصت التحقيقات التي بدأتها مصالح الأمن والقضاء؛ فضائح "شراء" صدارة القوائم بحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، والذي يقوده جمال ولد عباس.

وفتحت دائرة التحقيقات السبت بأمن محافظة العاصمة، ملف فساد تورط فيه نجل الأمين العام للحزب، والذي ألقي القبض عليه من بيته في "نادي الصنوبر" غربي العاصمة، وهي بمثابة محمية أمنية مخصصة لإقامة كبار مسؤولي الدولة.

وبحسب ما تسرب من ملف التحقيق، فإن نجل ولد عباس، تسلم مبالغ مالية طائلة من طرف مرشحين ينتمون للحزب الحاكم، مقابل أن يضمن لهم صدارة القوائم الانتخابية بعدد من المحافظات.

وقد أخلي سبيل نجل ولد عباس، بانتظار نتائج التحقيقات الأمنية والبت بالملف أمام القضاء.

ولم ينف ولد عباس الأب، ردا على أسئلة الصحفيين، الفضيحة التي تورط فيها نجله، وقال بمؤتمر صحفي، الأحد: "أتحمل مسؤوليتي، وأثق بمصالح الأمن وبعدالة بلدي في هذه القضية"، دون أن يقدم أي توضيحات بشأن القضية.

غير أن رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، جيلالي حجاج، لا يستبعد أن "يطوى الملف". ويقول لـ"عربي21": "عندما يصرح ولد عباس بأنه مستعد لتحمل مسؤولياته، وأن لديه ثقة في العدالة، فهذا يعكس ثقته بأنه لن تكون هناك ملاحقة قضائية جدية"، وفق تقديره.

ورأى حجاج أن "القضية الجديدة تبين أن تعهدات أمين عام الحزب الحاكم بمكافحة المال السياسي وقطع الطريق أمام أصحاب المال؛ غير جادة، وتفضح زيف الخطاب السياسي، فهناك فرق واسع بين الخطاب والواقع الفعلي"، كما قال.

وأضاف: "نحن في الجمعية لم نفاجأ بالقضية، فالتزوير والمال السياسي القذر مرتبطان بالعملية الانتخابية في بلادنا منذ إقرار التعددية السياسية مطلع التسعينات"، على حد قوله.

قضية أخرى..

وفي قضية أخرى، اتهم البرلماني نور الدين كيحل، النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني بمحافظة قسنطينة، إحدى أعضاء المكتب السياسي للحزب؛ بطلب رشوة بمليوني دينار جزائري، (حوالي 25 ألف دولار)، لقاء وضع اسمه على رأس لائحة الحزب في المحافظة الواقعة بشرق الجزائر.

وقال كيحل لـ"عربي21"، الاثنين: "أودعت شكوى لدى مجلس قضاء العاصمة، بعد أن طلبت مني عضو بالمكتب السياسي بالحزب الذي أنتمي إليه، مبلغا ماليا كبيرا مقابل أن أتصدر لائحة قسنطينة، ورفضت ذلك طبعا".

ورفض كيحل تقديم المزيد من المعلومات حول القضية لأنها تخضع للتحقيق القضائي، مضيفا: "لم يحن الوقت للخروج إلى الإعلام بعد؛ لأن القضية محل تحقيق قضائي، وفي حال عدم إنصافي سوف أدرس خيارات الإحتجاج، التي من بينها الإضراب عن الطعام".

من جانبها، نفت عضو المكتب السياسي، سليمة عثماني، الاتهام الموجه إليها من طرف زميلها بالحزب. وقالت في تصريح لصحيفة "الحياة"، الجزائرية، الاثنين: "أنفي نفيا قاطعا ما نسب إليّ".

ولم يتم بعد استدعاء النائب صاحب الشكوى للقضاء. ويتوجب وفق الدستور الجزائري رفع الحصانة عن النواب قبل ملاحقتهم من طرف القضاء، ولكن في حالة النائبة المتهمة بطلب رشوة، فإن الحصانة سترفع عنها آليا بعد انتهاء الفترة النيابية بعد شهرين، بحكم أن الشاكي والمتهمة غير موجودين في قوائم المرشحين لانتخابات 4 أيار/ مايو.

مصداقية البرلمان

وأثير جدل واسع إزاء فضائح "الفساد الانتخابي" بالجزائر، وتأثيره على مصداقية البرلمان المقبل، في وقت تزداد فيه حدة العزوف الشعبي عن الانتخابات، بسبب الاعتقاد السائد بين المواطنين بأن "الانتخابات لا تغير شيئا في واقع الجزائريين"، بحسب رئيس حزب "جيل جديد" المعارض، جيلالي سفيان.

وقال سفيان لـ"عربي21": "هذه الانتخابات مجرد مسرحية، والسلطة لم تقدم للشعب ما يشفع لها لديه، بالتوجه إلى صناديق الانتخاب، وما زلنا نطالب بالتغيير الديمقراطي، ولهذه الأسباب قررنا مقاطعة الانتخابات النيابية".

ورغم أن قضايا الفساد منتشرة بأحزاب جزائرية أخرى، لكنها لم تلق اهتماما إعلاميا، على غرار اتهام قيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أحزاب السلطة في الجزائر، بتلقي رشوة من مرشح للانتخابات، لقاء إدراج اسمه في صدارة اللائحة الانتخابية. لكن القضية لم تحل إلى القضاء، حيث فضل الشاكي تسوية القضية داخل حزبه.

من يتحمل المسؤولية؟

ويعتقد حجاج أن "تهم الفساد المالي التي طالت حزب الموالاة الرئاسي، ليست إلا حالة من جو انتخابي ملوث"، متوقعا "ظهور مزيد من القضايا لاحقا".

وانتقد رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد في الجزائر؛ موقف الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات التي عين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، على رأسها الإسلامي عبد الوهاب دربال، موضحا أن "تصريحات صدرت عن مسؤولين فيها تقول إن الهيئة ترفض التدخل في الشأن الداخلي للأحزاب السياسية، وهذا يعد تهربا من المسؤولية"، على حد وصفه.

بيد أن دربال يرى، في تصريح لـ"عربي21"، أن القانون لا يعطي لهيئته صلاحية التدخل في القضايا المتعلقة بالفساد داخل الأحزاب السياسية.

وقال: "الهيئة ليست لجنة تأديبية في داخل الأحزاب، لكل حزب هيئة تأديبية خاصة به، فإذا كانت المسألة متعلقة بين الحزب ومناضليه، فهذا شأن داخلي للأحزاب، لكن إذا تعدت هذه المسألة النظام العام أصبحت جريمة".

وأكد دربال أنه "إذا وصلنا أي إثبات على أن هناك رشاوى في شراء الذمم، نحن سنبلغها للنائب العام، وأنا أعتقد أن النائب العام، وهذه هي وظيفته، سيوجه بتحريك الدعوى العمومية مباشرة"، وفق قوله.
التعليقات (0)