صحافة دولية

فورين أفيرز: ما هي أوراق ترامب للتعامل مع إيران؟

فورين أفيرز: عدم اتخاذ مواقف متطرفة هو الطريقة الأفضل للتعامل مع إيران- أرشيفية
فورين أفيرز: عدم اتخاذ مواقف متطرفة هو الطريقة الأفضل للتعامل مع إيران- أرشيفية
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لكل من روس هاريسون وأليكس فاتانكا، يقولان فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال خلال مؤتمر صحافي في 16 شباط/ فبراير، إن مستقبل الاتفاق النووي الموقع في 2015 ليس مضمونا، مشيرين إلى أن تصريحاته جاءت بعد أيام من توجيه تحذير رسمي لإيران على لسان مستشار الأمن القومي مايكل فلين، بالإضافة إلى العقوبات الجديدة التي قد تفرضها الإدارة الأمريكية على إيران، فلا يعرف ماذا يعني هذا التحذير.

ويقول الكاتبان إن "هذه التحذيرات أخافت الإيرانيين بالطبع، لكنهم لم يسارعوا إلى الملاجئ بعد، فطهران تعتقد أن ترامب يهدد أكثر مما يفعل، وقد تكون محقة بذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كيف طوّر ترامب مهاراته التفاوضية التي يدعيها، فاتخاذ مواقف متطرفة في المفاوضات التجارية قد يكون تكتيكا مفيدا، لا سيما في تجارة العقارات، خاصة أن المفاوضات مترابطة، فالأخذ والرد يسمحان للشخص بأن يتنازل شيئا فشيئا عن موقفه المتطرف دون شعور بالحرج". 

وتستدرك المجلة بأن "نقل هذا الأسلوب إلى تعقيدات السياسة الخارجية له حدود؛ وذلك لأنه ليست هناك دائما مفاوضات رسمية يمكن من خلالها التنازل عن المواقف المتطرفة دون الوقوع في الحرج، حيث سيعد التنازل هنا دليل ضعف، وقد عانى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من هذا بشكل مباشر في سوريا، عندما فشل في فرض خطه الأحمر على الأسلحة الكيماوية برد فعل عسكري، وكما فعل ترامب مع الصين، وتراجعه التام عن سياسة الصين الواحدة، وإضافة إلى ذلك، فإن النجاح في مجال السياسة الخارجية يقاس بمدى خدمة المصالح الاستراتيجية على المدى الطويل أكثر منه على مكسب قصير المدى هنا أو هناك". 

ويرى الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "إذا اتخذت إدارة ترامب موقفا متطرفا من إيران، فإن ذلك في الغالب سيكون له مردود عكسي، فإيران تعلم أنها لا تفتقر إلى التأثير على أمريكا في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك، وقد تدرك أن مساجلات ترامب حول إلغاء الاتفاق النووي والتعامل بقسوة مع إيران لا تعدو عن كونها تبجحا يقصد منه إجبار الجمهورية الإسلامية على الرضوخ".

وتجد المجلة أن "هذا الحساب الخطير قد يؤدي إلى المزيد من المغامرات الإيرانية ولا يقلل منها، فإيران ترى أنه يجب على سياسة ترامب الخارجية مواجهة التناقضات بين الموقف الصدامي مع إيران ووعده بهزيمة تنظيم الدولة (لجعل أمريكا آمنة مرة أخرى)، ومع أن صناع السياسة في طهران يعرفون أن إيران لا تستطيع الوقوف أمام أمريكا في حرب تقليدية، إلا أنهم يدركون أيضا أن الأمريكيين غير راغبين في مواجهة جديدة، بالإضافة إلى أن ترامب قد يفضل أساليب أقل صدامية، خاصة عندما يكتشف أن مدى أهمية إيران في الحرب على تنظيم الدولة".

ويشير الكاتبان إلى أن "ترامب قد يعتقد أن التقارب مع روسيا، وتحسين العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد يكونان الوصفة السرية للقضاء على تنظيم الدولة، لكنه سيكتشف قريبا أن الوجود الروسي في سوريا، حيث يجب اجتثاث تنظيم الدولة من الرقة، هو وجود جوي مبدئيا، وتعتمد روسيا على حلفائها الإيرانيين ومليشياتها الشيعية على الأرض، بالإضافة إلى أن إيران لاعب أساسي في العراق، حيث الجهود لاقتلاع تنظيم الدولة تحتاج إلى تعاون من إيران". 

وتورد المجلة أن "إيران تعلم أنه ليست للمجتمع الدولي رغبة في إعادة التوتر معها، وقد يكون هناك إجماع في واشنطن على أن أفعال إيران في الشرق الأوسط هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل في الشرق الأوسط، لكن بعض شركاء أمريكا ليسوا متأكدين، ويبقى الاتحاد الأوروبي ضروريا لأمريكا والأمن والحرب على تنظيم الدولة، وتشعر أوروبا بأنه أثقل كاهلها بتدفق اللاجئين من الشرق الأوسط إليها، ويحاول زعماء الاتحاد الأوروبي أن يقوم فاعلون محليون بالشراكة معهم لوضع حد للتدهور في المنطقة".   

ويقول الكاتبان: "قد تكون إيران هي ذلك الشريك، وكانت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغيريني ذهبت إلى واشنطن في شباط/ فبراير، وطلبت من الولايات المتحدة تجديد دعمها للصفقة النووية مع إيران عام وربما أكثر من ذلك إن أعادت إيران النظر في أنشطتها الأخرى، مثل (تجارب الصواريخ الباليستية، ودورها في الصراعات الإقليمية، ودعمها للإرهاب.. حيث أن أوروبا تشعر بمصلحة ومسؤولية في التعامل مع إيران)، والدخول معها في حوار سياسي واقتصادي".

وتلفت المجلة إلى أن كلا من نيودلهي وسيؤول وطوكيو وبكين وموسكو كلها تحاول توثيق العلاقات مع إيران، بعد أن رفعت العقوبات عنها، ما يعطي إيران المزيد من أوراق الضغط على أمريكا.

ويتساءل الكاتبان قائلين: "في هذا السياق الدولي، ماذا على إدارة ترامب أن تفعل لئلا تحاصر نفسها بخطابها القومي المتطرف؟ الأمر الأهم هو أن تستمر في الالتزام بالاتفاقية النووية لعام 2015، لكن في الوقت ذاته يجب على فريق ترامب التفكير بأفكار أصيلة حول مواجهة التمدد الاقليمي غير النووي، وتحجيم الطموحات الإيرانية، دون التلاعب في الاتفاقية النووية".

وترى المجلة أن "هذا الأمر لن يكون سهلا، لكن يمكن لترامب أن يبدأ بقبول حقيقتين: أولا أن الشرق الأوسط تتجاذبه شبكة صراعات متداخلة، فيها عدد كبير من اللاعبين والمصالح، ولا يمكن لواشنطن أن تفصل إيران تماما عن الحركة الدائرة في الشرق الأوسط لعقابها دون تهديد للمصالح الأمريكية، وأذرع إيران منتشرة إلى حد لا ينفع معه تكتيك مفاوضات الخطوة الواحدة".

وينوه الكاتبان إلى أن "الحقيقة الثانية هي أن تجربة أمريكا على مدى 38 عاما الماضية تظهر أن إيران إن كانت قادرة على تجاوز الأفعال أحادية الجانب من واشنطن، فإنها أكثر تأثرا بالضغط الدولي الذي تقوده أمريكا، وبعد توقيع الاتفاقية النووية عام 2015 مع قوى دولية، فإن الطريق الأسلم لأمريكا هو عن طريق بناء التحالفات لمعالجة التحديات الإيرانية، وفي الوقت ذاته محاربة تنظيم الدولة".

وتقول المجلة إنه "بعد قبول هذه الحقائق، فإن على البيت الأبيض التنسيق القريب مع الاتحاد الأوروبي لتشكيل السياسات الإيرانية الإقليمية، حيث ترى إيران في الوقت الحاضر الانفراج الناشئ في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي أمرا يدعو إلى التفاؤل وتكره أن ينهار، وهذا ضغط يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستخدمه لصالحه، وفي الوقت ذاته على الأوروبيين البحث عن طريقة لإبقاء إدارة ترامب المتشككة متفاعلة مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكلما كانت المقاربة مع إيران منسقة أكثر -حتى وإن كان كل من الاتحاد الأوروبي وإدارة ترامب ينظران إليها من وجهتي نظر مختلفتين- لا تخدم فقط لتؤكد استمرارية التعاون عبر الأطلسي، لكنها ستكون لإجبار طهران على القيام بخيارات صعبة حول توجهات سياساتها في الشرق الأوسط".

وتختم "فورين أفيرز" مقالها بتوصية إدارة ترامب لحماية المصالح الأمريكية بأن "تظهر تصميما مع إيران جنبا إلى جنب إدراك أن لدى إيران أيضا بعض البطاقات القوية، وهذا يعني أن يبقي البيت الأبيض على القنوات الدبلوماسية مع إيران، وعدم التسرع في إلغاء الاتفاقية النووية، بالإضافة إلى أنه يجب على ترامب أن يسعى في الوقت ذاته لتقوية تحالفاته الدولية والإقليمية، وعدم اتخاذ مواقف متطرفة يصعب التراجع عنها هو الطريقة الأفضل للتعامل مع إيران".
التعليقات (0)