صحافة دولية

رثاء حلب: مدينة يضرب تاريخها في عمق الزمان

حسن: مأساة حلب عميقة جدا وسيتم الشعور بتداعياتها في السنوات المقبلة- أرشيفية
حسن: مأساة حلب عميقة جدا وسيتم الشعور بتداعياتها في السنوات المقبلة- أرشيفية
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للزميل المقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن حسن حسن، يقول فيه إن آخر مرة زار فيها حلب، التي تعد أكثر مدينة تعدادا للسكان في سوريا، ومركزها التجاري، والتي أصبحت مدينة جريحة ومحطمة، كانت قبل الثورة في سوريا بأربعة أشهر، في آذار/ مارس 2011. 

ويقول الكاتب: "كانت آخر مرة أزور فيها سوريا زيارة طويلة، وكانت حلب محطة في تلك الزيارة، التي بدت لي فيما بعد وكأنها زيارة وداع لمدن أصابها الدمار في الصراع السوري، سافرت بالسيارة من دمشق، وتوقفت في معلولة، البلدة المسيحية القديمة، حيث لا يزال السكان يتحدثون اللغة الآرامية، لغة عيسى (عليه السلام)، ومن هناك سافرنا بالسيارة إلى الجانودية بين تركيا وجسر الشغور، وفي الطريق توقفنا في حمص وحماة.. وحلب".

ويضيف حسن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21": "سكان هذه المناطق اليوم يتحدثون عن قصص لا نهاية لها حول الصراع، وكما كانت حلب مدينة مزدهرة تقف الآن شاهدة على بربرية النظام السوري التي ليس لها مثيل".

ويتابع الكاتب قائلا: "على مدى السنوات الماضية أصبح كثير من الناس يعرفون عن المدينة؛ بسبب العنف البشع، لكنها مدينة جذورها ضاربة في التاريخ، ذكرها شكسبير في ماكبيث وأوثيلو، بصفتها مكانا بعيدا وغريبا، حيث قتل أوثيلو تركيا انتقاما لشخص من البندقية كان قد قتل، وأقسم البحار في ماكبيث أن يغرق سفينته، بحسب واحدة من الساحرات الثلاث، إنها إحدى المدن المحبوبة في المنطقة، وتاريخها يذكر بقصص عميقة حول النصر والهزيمة والنجاح والمعاناة، وحمل تجار حلب اسمها إلى أنحاء العالم، لدرجة أنه يقال إن العديد في أفريقيا يعرفون اسم حلب أكثر مما يعرفون اسم سوريا".

ويواصل حسن قائلا: "على غير شاكلة المدن السورية الأخرى، فإن حلب هي الوحيدة التي تمتاز بالقدود المسماة باسمها، وهي موسيقى تقليدية تعود أصولها إلى الأندلس، وتلقب بالشهباء؛ بسبب بياض الرخام الذي اشتهرت، كما للموصل لقب على القافية ذاتها، حيث تلقب بالحدباء على شكل مسجدها الكبير أو شكلها، وكانت حلب تاريخيا صانعة الملوك في المنطقة، فمن كان يسيطر عليها كان يقوم بحملات للسيطرة على المدن الأخرى مثل دمشق، وبالرغم من أهميتها، إلا أن حافظ الأسد لم يزرها في حياته، رغم فترة حكمه الممتدة 30 عاما".

ويقول الكاتب: "أتذكر جيدا عندما سافرنا إلى حلب أننا ذهبنا إلى شرقها، الذي تقع فيه الآثار القديمة، مثل القلعة المطلة على المدينة، والمسجد الكبير، وهذا هو الجزء الذي دخله الثوار في حزيران/ يونيو عام 2012، حيث بقوا حتى قبل أسبوع، ومنذ وعيت كانت حلب وجهة التجار الرئيسة والمتسوقين من شرق سوريا، حيث تقع بلدي، وكان الناس من منطقتي يسافرون إلى منطقة حلب الصناعية لتصنيع عربات الركشة قبل أن تختفي العربات ذات الثلاث عجلات تقريبا، بالإضافة إلى أن البضائع التي تباع في بلدتي البوكمال تأتي في معظمها من حلب، ويأتي التجار الحلبيون إلى مناطقنا ليستثمروا في بساتين الرمان وفي الماشية".

ويشير حسن إلى أن "تاريخ تجارة حلب والعلاقات السكانية فيها يعودان إلى ما قبل سوريا الحديثة، فقبل الاستقلال كانت حلب مندمجة مع المناطق النائية حول في شمال سوريا وشرقها وجنوب تركيا وشمال العراق، وخلال الحكم العثماني كانت حلب مركزا تجاريا أكثر أهمية من دمشق، وكانت الشركة البريطانية المسؤولة عن التجارة مع العثمانيين والبريطانيين، التي تعرف بشركة بلاد الشام لندن، كان مقرها في حلب حتى القرن الثامن عشر". 

ويقول الكاتب: :بالنسبة لي، فإن الإحساس هو أن حلب (مدينة شقيقة)- كما يسميها الناس في الموصل، ففي المدينة القديمة، بالقرب من القلعة، ذهبنا إلى مطعم محلي له شعبية، وعلى بعد عمارة سكنية واحدة كانت المدينة تبدو مختلفة تماما، حيث كانت على قيد الحياة ومعاصرة ومزدهرة، وبعد أربع سنوات من إعلان المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة حلب واحدة من عواصم الثقافة الإسلامية الثلاث، مع أصفهان وتمبكتو، كانت المدينة مفعمة بالحياة بفضل تدفق السياح والاستثمارات، وبدت حلب أكثر نظافة، وبدأت تنشأ فنادق جديدة وراقية في أنحاء المدينة كلها، وليس بعيدا عن القلعة كان هناك قصر قديم تم تحويله إلى فندق خمس نجوم، وزرنا في تلك الليلة ناديا ليليا يشبه النوادي في الدول الغربية، وهذا يعني أن المدينة بدأت تتغير من كونها مدينة تقليدية محافظة".

ويستدرك حسن قائلا: "بالرغم من التغيرات الواضحة، فإن هناك نمطا ظهر من زياراتي لحلب ودمشق والمناطق النائية، فبعد مغادرتي لهذه المدن بدأ هذا الانطباع عن الحداثة والازدهار يتغير إلى قصة حزينة، فقد كان القرق بين ما أسميه الجيوب الغنية من البلد وبقية البلد كبيرا جدا، وكانت هناك قصص كثيرة عن شباب يقترضون من أصدقائهم ليقضوا بعض الساعات في مقاهي فنادق راقية، وبالنظر إلى الوراء الآن، فإنه يمكن أن أرى كيف يمكن لزائر من الغرب أن يخرج بانطباع بلد مليء بالحيوية يقوده زعيم من القرن الحادي والعشرين، العيش في فقاعة كان أمرا سهلا".

ويلفت الكاتب إلى أن "تاريخ حلب مهم لمصير المنطقة التي تمتد من إيران وعبر الشام إلى مصر جنوبا، وكان نور الدين زنكي في الثلاثين من عمره عندما قتل أبوه عام 1146 بالقرب من قلعة جعبر خارج الرقة، فيما هي الآن سوريا، وقام زنكي ثاني أكبر الأبناء والوحيد المرافق لأبيه بتسلم قيادة جيش أبيه، وسار إلى الغرب من نهر الفرات إلى حلب، وفتحها خلال أشهر". 

ويفيد حسن بأنه "مع الوقت الذي مات فيه زنكي بعد 28 عاما في دمشق، فإنه كان يحكم منطقة تمتد من الموصل  وحلب إلى مصر، حاكم شجاع وتقي، ينسب إليه الفضل في إعادة تنظيم الجيوش الإسلامية في مصر والشام، ومهد الطريق أمام القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي لهزيمة الصليبيين في معركة حطين بعد 13 سنة من وفاته". 

ويجد الكاتب أنه "إذا كان فتح زنكي جزءا من تاريخ المنطقة القديم، فإن ذلك الإرث له تداعيات مهمة في أهم الأحداث التي تجري في المنطقة اليوم؛ المعركة التي وصلت إلى ذروتها الدموية الأسبوع الماضي في حلب، والمعركة الطاحنة في الموصل في الجارة العراق".

ويقول الكاتب: "حلب، التي رأيتها قبل ست سنوات، كانت مختلفة جدا عن حلب زنكي، لكن الصورة تعود أيضا إلى ماض بعيد بسبب الدمار الذي أحدثته وحشية النظام، وأمطرت البراميل المتفجرة، وهو السلاح الذي أتقن استخدامه النظام وحلفاؤه، المدنيين يوميا خلال ما يقارب الخمس سنوات، وتم تصميم حملة (استسلم أو مت) العشوائية، لتجبر السكان على الخروح، فوجود حاضنة للثوار في حلب يشكل تهديدا مباشرا لحكم الأسد، وبالرغم من آمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار على مدى السنوات الماضية، إلا أن تصميم النظام على تحويل المدينة إلى جحيم كان أقوى". 

ويرى حسن أن "هجوم النظام على المدينة ليس أقل وحشية من تدمير تنظيم الدولة للآثار، فبالإضافة إلى القتل الجماعي للمدنيين، فإن القصف المستمر المدينة الأثرية حولها إلى (قفار رهيب)، كما وصفتها كلاريسا وارد من (سي أن أن)، والفرق بين أفعال الأسد وأفعال تنظيم الدولة هو فقط في طريقة العرض: ففي الوقت الذي يعلن فيه تنظيم الدولة عن وحشيته ليراها العالم ويصدم بها، ينكر الأسد جرائمه".

ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للناس من الخارج، فإن الصراع يختلف في كلا البلدين، ففي الموصل هناك حملة مخططة، وصلت الآن إلى شهرها الثالث، وتهدف إلى إنهاء حكم تنظيم الدولة، الذي احتل المدينة من القوات العراقية عام 2014، أما في حلب، فإن الحملة، التي يشنها النظام بقيادة بشار الأسد، عمرها أربع سنوات، ووصلت ذروتها الاسبوع الماضي بطرد الثوار من معاقلهم الأخيرة في النصف الشرقي من المدينة، موجهة صفعة للثورة الشعبية ضد الديكتاتورية السورية، التي انفجرت في أنحاء البلاد عام 2011". 

وينوه حسن إلى أنه "بالنسبة للناس في العراق وسوريا والمنطقة، فإن الحرب الطاحنة في المدينتين في الوقت ذاته، تذكر بتاريخ مشترك، فأهل المنطقة يقارنون بين ما يحصل الآن وما حصل في ماضيهم البعيد، ويمكنهم وضع أوجه شبه بين الصراعين ليست واضحة بالنسبة لمن هم من خارج المنطقة، فالمليشيات الشيعية مشاركة في المعركتين، في الوقت الذي تبدو فيه إيران هي المستفيد الوحيد منهما، وكلا الصراعين اكتسب اهتمام القوى العظمى، وتساعد أمريكا القوات المهاجمة للموصل في الوقت الذي تساعد فيه روسيا القوات المهاجمة لحلب".

ويجد الكاتب إلى أن "ما يجعل الأمور أسوأ هو أن المليشيات في المدينتين تتعمد التأكيد بأن الصراع في الحالتين جزء من حريق عام في المنطقة، ستشعر بنتيجته مدن ودول المنطقة كلها لآلاف الأميال، وعندما اعتلى أبو بكر البغدادي المنبر في المسجد الكبير في الموصل لإعلان الخلافة، لم يكن اختياره عفويا، فالمسجد يعرف أيضا بالمسجد النوري، ويذكر بصلة بين المدينتين، وكان صلاح الدين قد خطب من المنبر ذاته".

وبحسب حسن، فإن " أكرم الكعبي، قائد المليشيا الشيعية الرئيسة، التي تحارب إلى جانب النظام السوري، قال في زيارة له في أيلول/ سبتمبر، إن حلب مدينة شيعية أصلا قبل أن يفتحها نور الدين زنكي، عندما كان يحكمها الحمدانيون".

ويورد الكاتب أن "المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، قالوا إن المليشيات الشيعية ستتحرك نحو حلب بعد نهاية معركة الموصل، وفي آب/ أغسطس ألقى الجهادي السعودي والمقرب من تنظيم القاعدة عبد الله المحيسني، خطبة نارية من الجامع الكبير في حلب، ودعا فيها الفصائل المسلحة إلى الوحدة، وفك الحصار الذي قادته الجماعات الشيعية الموالية للأسد على المدينة، وفي الأسبوع الماضي قام الناشط الإعلامي في حزب الله حسين مرتضى، بالسخرية من المقاتلين، ومن البقعة ذاتها التي يقع فيها المسجد المدمر الآن".

ويقول حسن: "لا يتم ذكر هذه الاستفزازات في الإعلام الغربي، فخسارة الجزء الشرقي من مدينة حلب تم تأطيرها من خلال الحرب السورية، فإلى جانب الكارثة الإنسانية عادة ما تتركز الأسئلة حول ما تعنيه خسارة المعارضة ضد الأسد معقلا قويا لها، إلا أن أسئلة كهذه لا تمسك بعمق الجرح السيكولوجي الذي تسبب به مصير المدينة في المنطقة، فمأساة حلب عميقة جدا، وسيتم الشعور بتداعياتها في السنوات المقبلة".

ويشير الكاتب إلى أن "الحقيقة المحيرة للكثير من الناس حول العالم هي أن الأسد لا يزال ينظر إليه على أنه بديل أكثر تحضرا من فوضى الجهاديين، وبصفته شريكا محتملا، فالعبارة المتداولة التي تبرر العنف الذي لا يمكن لأحد تخيله، الذي عانى منه ملايين السوريين، وباسم الحفاظ على الدولة والاستقرار هي: (نعم، هو رجل سيئ ولكن...)".

ويعلق حسن قائلا: "إنها قضية أخلاقية وصفها الراحل كريستوفر هيتشتنز بشكل جيد، وفي اقتباس منه يصف هذا الموقف تجاه الإطاحة بنظام صدام ينطبق بشكل مخيف على سوريا: (كل من يقول إن صدام كان (جيدا) وشخصا سيئا فإنهم لا يعرفون عما يتحدثون، وتسمع هذا يقال كثيرا، فإنهم لا يعرفون ماهية الفاشية، ولا يعرفون كيفية إجبار عائلة تحت تهديد السلاح لتهتف باسم تعذيب أقاربهم وإعدامهم في الساحات العامة، ولا يعرفون كيفية مشاهدة على الأقل 180 ألفا من أبناء الشعب الكردي قتلوا بسبب الغاز السام في المنطقة الشمالية، ولا يعرفون كيفية مشاهدة العدد ذاته على الأقل من الشيعة قتلوا في جنوب العراق)".

ويقول الكاتب: "كوني سوريا، فإنه يؤلمني رؤية العراقيين الذين يعرفون كيف كانت الحياة في ظل صدام، وممن تلقوا دعما من الخارج، يحاضرون على المعارضة السورية، وينسون أن رئيس النظام السوري الحالي قضى عقدا من الزمان وهو يقوم بتسهيل تدفق الجهاديين إلى العراق لقتل أبناء شعبهم، وليس لديهم أي وقت للتفكير بآلاف المدنيين الذين قتلوا أو علقوا تحت الأنقاض من نظام يحمل كل صفات الشر الذي عانوا منه في الماضي".

ويضيف حسن: "بالنسبة لهم، فإن عناصر المعارضة السورية، هم عملاء للسعودية الوهابية والولايات المتحدة الإمبريالية وليسوا شعبا انتفض ضد نظام قمعي، وبالنسبة لهم، فإن السوريين الذين يعارضون النظام هم جهاديون وليسوا معارضة مدنية شرعية، وفي المقابل فهم يغضون الطرف عن الجهاديين الشيعة، الذين يسافرون من العراق إلى سوريا؛ ج النظام على قمع المعارضة، ولا يشعرون بالريبة حول الجهاديين الذين تدعمهم الدولة؛ لأن دولة أخرى تقوم بتوريدهم، ويرفضون إطلاق عليهم وصف الجهاديين الأجانب، رغم ما تطلقه هذه الجماعات على نفسها، وكيف تقوم بتقديم دورها في سوريا، جنودا في حرب مقدسة عظيمة، لكن ضحايا النظام وحلفاءه ليسوا جهاديين، وجدران حلب تشهد أنهم ليسوا كذلك، فلا يترك الجهاديون خلفهم شعارات جدارية تنعي الحرية التي فقدوها، ومدينتهم التي أجبروا على تركها، وعبرت رشا العكيدي بطريقة جميلة على (تويتر)  قائلة: (لو كان سكان حلب متطرفين فلم يكونوا ليتركوا وراءهم عبارات شعرية وكلمات من أغاني فيروز على جدران مدينتهم عندما ودعوها)".

ويتابع الكاتب قائلا: "كما قال هيتشتنز، فإن من صفق سرا لسيطرة الأسد على حلب، لا يعرفون عما يتحدثون، أو نسوا كيفية الحياة في ظل نظام يقتل ويعذب في زمن السلم، وفي الوقت الذي يشعر فيه بالحصار، وانتفض السوريون لأنهم كانوا يريدون بلدهم حرا، وما حدث لاحقا، بما في ذلك صعود المتطرفين والفوضى، كان نتاجا لرد النظام على مطالب الشباب والشابات".

ويؤكد حسن أن "السوريين الذين نشأوا في ظل النظام الحالي كانوا يعرفون أن الخروج إلى الشوارع والمطالبة بالحرية كانا نوعا من الجرأة، وكانوا يعرفون أن العودة للحياة في ظل الأسد يعني أن عليهم أو يتوجب على جيل آخر، البدء من جديد، ومن الوهم أيضا التفكير أن سوريا ستعود إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، فسوريا التي نعرفها لن تعود كما كانت، وفكرة سيطرة الأسد على كامل سوريا، أو غياب الجماعات المتطرفة التي كانت نتاجا للعنف، هما ضرب من الخيال".

ويقول الكاتب: "سيركز الكثيرون على ما يمكن أن يغيره، ما أطلق عليه النصر، مسار النزاع في سوريا، حيث سيطر الأسد وبشكل كامل على ثاني أكبر مدينة أقام فيها المقاتلون قاعدة لهم، بعد سيطرته على حمص قبل عامين، ويواجه المقاتلون إمكانية تحول العالم نحو الأسد المنتصر، والتخلي عنهم بصفتهم معارضة باتت تقاتل على الهامش، وسيكون هذا خطأ، فالحرب لم تنته بعد، ولو حدث شيء، فإن الطريقة التي تمت فيها استعادة حلب ستخلق مناخا لنمو المتطرفين وتفاقم بيئة التطرف، فقد كان النظام بحاجة للسيطرة على حلب لتوجيه ضربة قاصمة لأي مشروع يقوي الثورة ضد الأسد، خاصة قبل تولي الإدارة الأمريكية المقبلة السلطة، وهناك تقارير تحدثت عن إرسال روسيا قوات النخبة ذاتها التي ساهمت بضم شبه جزيرة القرم عام 2014، إلى حلب الشرقية، وقد تم تحقيق هذا".

ويرى حسن أن "هذا لا يعني أن النظام يستطيع السيطرة على سوريا كلها، فعلى خلاف هذا، فإن النظام سيضطر بعد سيطرته على حلب لتخصيص مصادر أكثر لتأمين المدنية، ومنع المتمردين الذين أجلوا عنها من اختراق المناطق الآمنة".

ويعلق الكاتب قائلا إن "الجماعات التي أسهمت بالسيطرة على حلب الشرقية تضم مليشيات شيعية أجنبية، وهي متهمة بارتكاب إعدامات فورية، بالإضافة إلى أن بروز الجماعات الشيعية كرأس حربة في القتال في مدينة غالبيتها سنية، وبمساعدة من إيران، المهيمنة بشكل متزايد وبدعم قوى عظمى، ووقوف أخرى متفرجة، هذا كله يضيف إلى طبقات التعقيد من المعاناة التي لا يمكن تخيلها، كما أن سيطرة تنظيم الدولة المفاجئة على تدمر هي تذكير بمحدوية تأمين بلد مثل سوريا، فتدمير حلب القديمة هو تهمة لعدم قدرة العالم على منع النظام من القتل والتسبب بالأذى دون خوف من العقاب".

ويخلص حسن إلى أن تدمير حلب يدمر أحلام الشبان السوريين وسط البنايات اللامعة، والحشود الصاخبة التي شاهدتها عندما زرت المدينة قبل الأشهر المصيرية في عام 2011، الذي اندلعت فيه الثورة، لكن الأحداث التي بثت على شاشات التلفاز حول العالم وفي الأسابيع الماضية سيتردد صداها في منطقة الشرق الأوسط كلها، لكن القوى السياسية التي ستظهر من ركام المساجد والفنادق والأزقة الضيقة والأسواق لا يمكن التكهن بها، وربما انتهت معركة حلب، إلا أن حرب الهيمنة في المنطقة بعيدة عن النهاية".
التعليقات (0)