من الصعب تصديق أن هناك ملامح ثورة في العراق على الفساد، والمحسوبيات، والمحاصصة الطائفية، ومن الصعب أيضا الاعتقاد بأن ما يحدث هو حركة تصحيحية، وحتى لو هتف محتلو البرلمان، والمنطقة الخضراء، في بغداد ضد إيران.
ما يحدث في العراق الآن هو مؤشر على احتمالية انهيار النظام السياسي ككل، فما نراه هو بوادر فوضى ناتجة عن تجذر عدم الثقة بين المكونات الاجتماعية والسياسية العراقية، وسببها سنين من القصور السياسي، والتنكر للحس الوطني، والتبعية لإيران، وقبلها التشرذم الطائفي، والرغبة الشرهة على السلطة، والنفوذ المالي.
عندما تسلم السيد حيدر العبادي رئاسة وزراء العراق، وتعهد بالتحرك في خطوات إصلاحية، قيل حينها إن العبادي يخطط لثورة على الفساد، وينوي إصلاح النظام السياسي، ولم يحدث شيء، مثله مثل من قبله، وتحديدا الجعفري، وبعده نوري المالكي.
واليوم يقال إن مقتدى الصدر يهدف إلى نبذ الطائفية، ومحاربة الفساد، فهل يمكن تصديق ذلك، وإن هتف البعض ضد إيران عند اقتحام المنطقة الخضراء واحتلوا البرلمان؟ بالطبع لا، ليس لأنه يقال إن الصدر قد طار لإيران، بينما يقول البعض الآخر إن هذه تقارير الهدف منها إحراجه، بل لسبب بسيط جدا، فعندما هم الصدر بدخول المنطقة الخضراء لبدء اعتصامه هناك في مارس (آذار) الماضي، قبل يده رئيس أمن المنطقة الخضراء، وفي لقطة مصورة، وهذه الخطوة بحد ذاتها تعد دليلا على تجذر الطائفية في العراق، وانعدام قيمة الدولة وهيبتها التي يدعي الصدر الدفاع عنها الآن، مطالبا بحكومة تكنوقراط. والأمر لا يقف عند هذا الحد، حيث سافر الصدر لمقابلة حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية ببيروت، وهذه أسوأ من زيارة الصدر لإيران، فزيارة طهران تعني أن الصدر يناقش.. يفاوض، أو يحاور، دولة ونظاما، ومهما اختلفنا مع إيران، لكن ما مبرر لقاء الصدر بالإرهابي حسن نصر الله، قاتل السوريين، ومعادي العروبة التي يتغنى بها الصدر؟
ولذا فمن الصعب الاحتكام للشعارات، أو تصديق ما يقال، والركون للنوايا الحسنة، فما يحدث بالعراق يعني أن النظام السياسي الحالي غير قادر على استيعاب قواعد العمل السياسي، وإدارة الدولة، وغير قادر على الخروج من المستنقع الطائفي، حيث يدار العراق وفق منطق طائفي، تبعي، وليس وطنيا، ويحدث كل ذلك وسط تشرذم لكل المكونات العراقية، ودون استثناء، فجميعهم يتفقون على شيء واحد، هو أن الوطن يمثل مسرح نفوذهم، وليس موقع مستقبلهم، ومستقبل أبنائهم، ولا حرص لديهم على استقلال العراق، ووحدة أراضيه، وضمانة استقرار قراره واستقلاله، ولذلك يطيرون إلى إيران، وحسن نصر الله!
كل ذلك يعني أن لا أفق للدولة العراقية الحالية، ووفق نظامها السياسي الحالي، ووسط كل ما يحدث في المنطقة الخضراء، وباقي مناطق العراق حيث تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات والأحزاب المتناحرة، ولذا فنحن لسنا أمام بوادر ثورة، أو حركة تصحيحية، وإنما بوادر انهيار للنظام السياسي العراقي، وهو ما يعني أننا أمام تحد جديد، وربما كارثة أشد تعقيدا.