يدرك
الإسرائيليون تمام الإدراك أنهم يعيشون على نفس الأرض التى أقيمت فيها (الممالك الصليبية) والتي تحيط بهم خرائب قلاعها القديمة التي تذكرهم بهذه التجربة الاستيطانية التي أخفقت وزالت.
ومما يعمق من هاجس (نفس النهاية) والكلام هنا للعلامة د/عبد الوهاب المسيرى (أن الوجدان الغربي والصهيوني يوحد من البداية بين المشروع الصليبى والمشروع الصهيوني ويقرن بينهما.. فلويد جورج رئيس الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور صرح أن الجنرال اللنبي الذي قاد القوات الإنجليزية التي احتلت
فلسطين شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصاراً).
ستظل دائما حقيقة أن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الصليبي.. العلماء الإسرائيليون لا يكفون عن دراسة المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للممالك الصليبية والعلاقة بين هـذه الممالك والوطن الأصلي المساند له. وقد وجه كثير من الباحثين الصهاينة اهتمامهم لدراسة مشكلات الاستيطان والهجرة التي واجهها الاستيطان الصليبي ومحاولة فهم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت به.
يحكي العلامة د/المسيري أنه حضر اجتماعا مغلقا في مركز الدراسات السياسة والاستراتيجية في الأهرام أوائل السبعينيات كان يحضره الجنرال الفرنسي (أندريه بوفر) الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م (والأستاذ هيكل كان مغرما باستضافة القادة العسكريين الكبار الذين خاضوا حروبا في مصر والشرق.. ومشهورة استضافته للفيلد مارشال منتجمري في الستينيات.. وسأله وقتها السؤال الشهير عن الحرب التي حصل فيها عبد الحكيم عامر وزير الحربية أنذاك على لقب فيلدمارشال (مشير).. وقال له أ. هيكل إنه فيلد مارشال سياسي!!).
يقول الدكتور المسيري أن الجنرال الفرنسي ذهب لزيارة إسحق رابين في منتصف يونية 1967 بعد انتهاء الحرب بعدة أيام وبينما كانا يحلقان فى سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتصرة في طريق عودتها إلى إسرائيل بعد أن أنجزت مهمتها قام الجنرال (بوفر) بتهنئة رابين على نصره العسكري.. ففوجئ به يقول له: ولكن ماذا سيتبقى من كل هذا؟) يقول الدكتور المسيري: في الذروة أدرك الجنرال المنتصر أن (النهاية على عتبات الأبواب)..
في ستينيات القرن الماضي كتب الروائي الإسرائيلي (أبراهام يهوشوا) رواية من أخطر ما يمكن قراءته لفهم النفسية الإسرائيلية اسمها (في مواجهة الغابة) تتناول القصة الحالة النفسية لطالب إسرائيلي عين حارسا لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي في موقع قرية عربية أزالها الصهاينة مع ما أزالوه من قرى ومدن. ورغم أن هذا الحارس ينشد الوحدة إلا أنه يقابل عربيا عجوزا أبكم من أهل القرية يقوم هو وابنته برعاية الغابة، وتنشأ علاقة (حب وكره) بين العربي والإسرائيلي، فالإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذى أصيب بعاهته أثناء عملية (الإبادة العرقية) التى قام بها الصهاينة عام 1948. ولكن وعلى الرغم من هذا يجد نفسه منجذبا إلى العجوز العربي بصورة غير عادية بل يكتشف أنه يحاول بلا وعي مساعدته في إشعال النار في الغابة. وفي النهاية عندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة يتخلص الحارس من كل مشاعره المكبوتة ويشعر براحة غريبة بعد احتراق الغابة أى بعد (نهاية إسرائيل..).
ابراهام يهوشوا مولود في القدس عام 1936م وهو من أهم واشهر الأدباء الإسرائيليين وله رواية أخرى شهيرة اسمها (بأثر رجعي) صدرت عام 2012م يبرز فيها مشاعر الخوف والحيرة التي تسكن الناس في إسرائيل في ظل عدم الاستقرار.. والتساؤل الدائم عن العدو المجهول.
يوري أفنيري الكاتب وعضو الكنيست السابق كان من المستوطنين الصهاينة الذين أدركوا منذ البداية استحالة تحقيق المشروع الصهيوني. منذ الخمسينيات وهو ينشر مجلة بعنوان (هذا العالم) تخصصت في توجيه النقد للسياسات الصهيونية.
على الدوام كان أفنيرى يحذرهم فى إسرائيل من مصير (الممالك الصليبية) التي لم يبق منها سوى بعض الخرائب. وفي كتابه الذى أشرت إليه عقد مقارنة مستفيضة بين (الممالك الصليبية) و(إسرائيل) وأكد أن النهاية واحدة..
عام 1983م بعد غزو لبنان نشر في مجلته مقالا بعنوان (ماذا ستكون النهاية؟) قال فيه: إن الممالك الصليبية احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها إسرائيل.. وإن الصليبيين كانوا قادرين على كل شيء إلا العيش في سلام لأن الحلول الوسط والتعايش السلمي كانا غريبين على التكوين الأساسي للحركة الصليبية.
وحينما كان جيل جديد يطالب بالسلام كانت مجهوداتهم تضيع سدى مع قدوم تيارات جديدة من المستوطنين من أوروبا الأمر الذي يعني أن الممالك الصليبية لم تفقد قط طابعها الاستيطاني. كما أن المؤسسة العسكرية الاقتصادية (الصليبية).. قامت بدور فعال في القضاء على محاولات السلام فاستمر التوسع الصليبي ثم بدأ الإرهاق يحل بهم حتى كانت النهاية.
أفنيري ولد في ألمانيا وهاجر إلى فلسطين عام 1933.. وأنشأ عام 1993 حركة كتلة السلام.. ومن أشهر مقالاته وأروعها فعلا مقالة بعنوان (سيف محمد) منشورة على موقع (كتلة السلام في 23/ 9/ 2006م) يرد فيها على البابا بندكت السادس عشر حين قال إن الإسلام انتشر بحد السيف.. ومن أقوى ما ورد فيها قوله (في عام 1099 غزا الصليبيون القدس وأعملوا في سكانها المسلمين واليهود قتلا وذبحا بدون تمييز وذلك باسم السيد المسيح. في ذلك الحين كان قد مضى على احتلال المسلمين لفلسطين 400 سنة وكان المسيحيون لا يزالون يشكلون غالبية السكان في البلاد. وخلال هذه الفترة الطويلة لم يبذل المسلمون أي جهد لفرض دينهم عليهم. أما بعد أن طرد الصليبيون من البلاد فقد بدأ معظم السكان يتكلمون اللغة العربية وأخذوا يعتنقون الدين الإسلامي وهم أسلاف معظم فلسطينيي اليوم....وقال أيضا فيها (لا يوجد أي دليل على الإطلاق على وجود أي محاولة لفرض الإسلام على اليهود وكما هو معروف تماماً فقد نعم يهود أسبانيا تحت حكم المسلمين بازدهار لم يتمتع به اليهود في أي مكان من العالم حتى وقتنا هذا تقريبا).
أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الأسبق كان قد سبق أفنيري بالحديث عن أروع عهود اليهود على الإطلاق، وهي الفترة التي عاشوا فيها مع المسلمين في الأندلس.
إن يكن من أمر.. كل الدارسين والباحثين من اليهود وغير اليهود يؤكدون أن نهاية إسرائيل مسألة وقت.. لا أكثر.. لكننا في شوق لمعرفة كيف ستكون تلك النهاية.