مقالات مختارة

هي انتفاضة وليست هبة.. شاء من شاء وأبى من أبى

عدنان أبو هليل
1300x600
1300x600
كتب عدنان أبو هليل: يختلفون معنا في تسمية الانتفاضة باسمها ويذهبون لتسميتها بالهبة وأحيانا يضيفون إليها على استحياء وربما مجاملة كلمة "الشعبية" وما ذلك إلا خوف منهم أن تصير الانتفاضة الثالثة التي طالما تعهدوا بعدم السماح بها ويخشون أن تقوض شرعيتهم، وأن أساسها عقيدة تعترم في الوجدان ورغبة تعتمل في القلوب وعزيمة تعترك في الوعي.. وذلك الذي يجعل فتى في ريعان شبابه وفي متلاطم أهوائه ومراهقاته يقدم على القتل والقتال وهو الذي لم يتدرب في معسكرات الجيش ولم يدخل معركة ولم يجرب المعتقل.. الانتفاضة الحالية ليست الأولى ولا حتى الثالثة إذا استذكرنا التاريخ الفلسطيني الحديث الحاشد بالانتفاضات والاعتصامات والموجات الثورية منذ الغزو البريطاني في مطالع القرن الماضي وما تبعه في أواسطه من إقامة الكيان الغاصب ثم توسعه..

الانتفاضة الحالية قد آتت أكلها في الحد الذي يجعلها في مصاف الانتفاضات التحررية - الفلسطينية والعالمية - وإن لم تؤت كل أكلها المتمثلة في تصحيح المسار السياسي وصولا للتحرير طالما لم تتوفر لها الآليات والأدوات والاشتراطات الضرورية. أما إن نحونا إلى التدليل على أنها انتفاضة كاملة ومميزة فلنتحدث إذن عما أنجزته.. ولقد أنجزت الكثير مما أشير لأهمه هنا.. فأقول: لقد رفعت القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام العالمي والدولي إعلاميا وسياسيا.. هذا الاعتبار يأخذ أهميته من عوامل ثلاثة ؛ الأول أن في الإقليم وفي العالم اهتمامات أخرى، والثاني أن الرغبة العالية هي تجاهل القضية الفلسطينية، والثالث: أن عنوان التفاعل الدولي مع القضية يراد له أن يتحول من المقاومة والحق والقرارات.. إلى معاقبة حماس وفقط.. فعندما تأتي هذه الانتفاضة لتقلب هذه العوامل الثلاثة لصالح تقديم القضية على ما حولها، واسترعاء الاهتمام بها، وتغير العناوين السياسية والإعلامية للقضية فإنها حينئذ انتفاضة على السياق الدولي الداعم للاحتلال.

* وقد أربكت حسابات العدو وأرهقته ماليا (أكثر من 10 مليارات من الشواقل في الشهر الأول - أكتوبر - تكاليف، وبورصة، وخسارات، وكساد..) وأرهقته عسكريا (الدفع بأكبر لواء مشاه للخليل واستدعاء الاحتياط) وأرهقته سياسيا حتى بات العدو يغير كل خططه للاستيلاء على المسجد الأقصى وحسم ملفات الوضع النهائي على طريقته.. وإذن هي انتفاضة على مرتكزات الاحتلال وتمريراته.

* وقد هزت أهم أساسين قام عليهما الكيان الصهيوني وهما ؛ ردع الجيش والهجرات الاستيطانية ؛ أما ردع الجيش وإرهابه.. فذلك عندما شاهد الفلسطينيون عدوهم وجنوده المدججين بالسلاح يفرون من شاب أو صبي أو صبية كل عدته سكين.. هنا لا بد من تذكر غزة وحماس تحديدا من حيث نسبة الفضل الأكبر في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر لها.. وأما الهجرات الاستيطانية فحيث يبدي كثيرون من الصهاينة الرغبة في الهجرة المعاكسة خوفا من نظرية (الطاعن والمطعون).. فإذا تذكرنا أن بن غوريون مؤسس الكيان قد اعتبر الهجرات والاستيطان أساس بقائه إذن فهي انتفاضة على كل مشروع الكيان وأصل وجوده. * ثم إنها حققت أهم هدف مرحلي وهو تجديد العزم الفلسطيني على التحرير وأن يتربى في الذهنية الفلسطينية تواصل الثورة بلا انقطاع طويل لتبقى جذوتها في الأجيال تتوارثها ويستعيد كل جيل أحسن ما في الجيل الذي سبقه.. ذلك تحقق من خلال رؤية الجيل الجديد (القتل والقتال والدم، وخوضه تجربة الاعتقال، وإثخانه في العدو، وتشريد من خلفه..) وكل هذا صار يتحقق اليوم نقيضا لمن أرادوها ثورة (ازرع زيتون ازرع تفاح) أو مقاومة (الرقص ودوْره في المقاومة) أو جبهة (مهرجان الألوان) أو وطنية (أكبر صحن مدمس وأطول علم..) وإذن فهي انتفاضة على حالة التهرؤ الوطني والترهل الثوري الذي انحدرت إليه القضية بعد انتفاضة ال2000!

* آخر القول: إذا كان في الانتفاضة الحالية كل هذه المعاني والمضامين الوطنية والثورية والسياسية وأخذنا بنظر الاعتبار عدد من قدمتهم من شهداء وجرحى ومعتقلين مقارنة بعدد من قتل وجرح وهاجر من الأعداء فإن من لا يزال يتجاهلها إنما يدس رأسه في الرغام أو تحت أقدام العدو.

(عن صحيفة الشرق القطرية- 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)
التعليقات (0)