ماذا لو قررت جماعة الإخوان المسلمين حل نفسها؟!.. هذا سؤال طرح نفسه بقوة مؤخرا بعد أن لوح اثنان من قيادة جماعة الإخوان المسلمين، بحل التنظيم في
مصر، وهي الفكرة التي طرحها بعد ذلك مذيع قناة الجزيرة "محمود مراد"، على نائب سابق بالجماعة، فارتبك في بادئ الأمر، معلنا أنه يتحدث بصفته البرلمانية، قبل أن "يبلع ريقه"، ويرى أن الفكرة على درجة من الوجاهة، تستحق معها التفكير فيها بجدية!.
الفكرة طُرحت بدافع اليأس، بعد أن دخل الانقلاب العسكري مرحلة التصفية الجسدية، وقيامه بقتل تسعة من القيادات الوسيطة بالجماعة بدم بارد، في مدينة السادس من أكتوبر بعد اعتقالهم، وهو أسلوب كشف عن عجز السلمية، وهو خيار الجماعة الاستراتيجي، على مواجهة هذا الإجرام، ولأنه ليس في نية القوم الرد بما هو أسوأ، فقد بلغ الإحباط ببعض القيادات حد التفكير في حل الجماعة، قبل أن يستعيد الدكتور جمال عبد الستار لياقته، ويعلن أن ما قاله صدر منه من باب التهديد لعبد الفتاح
السيسي.. لأن حل الجماعة سيجعل شبابها في حِل من الالتزام بالسلمية، وعندها سيجد قائد الانقلاب نفسه في مواجهة مع من يسايرونه في أسلوبه، ويكون ردهم عنفا بعنف، وقتلا بقتل!.
الجماعة ليس لديها استعداد للعدول عن قرار السلمية، لأنها من ناحية تخشى على التنظيم، لأن وصمها بالإرهاب من شأنه أن يجعل الخطر يمتد للتنظيم في الخارج، لاسيما في البلدان الغربية، فلا يقتصر على التنظيم داخل مصر، إنما سيمتد إلى هذه البلاد، التي ترفض وصم الإخوان بالإرهاب إلى الآن رغم الضغوط العربية. ولا أظن أن التنظيم داخل مصر يمكن أن يتعرض لخطر أكبر إن اعتمد العنف وسيلة للتعامل مع الانقلاب، لأنه دفع الثمن كما لو كان يواجه الانقلاب بالسلاح، مع أنه متمسك بالسلمية!.
فضلا عن أن قيادات الجماعة لديها حساسية حقيقية، من فكرة استباحة الدماء حد الفزع، وكان المثال الحي على ذلك الرئيس محمد مرسي، الذي ارتج عليه، عندما بلغه أن هناك قتلى سقطوا في حصار قصر الاتحادية، وفكر جادا في الاستقالة، فماله هو وأمر تراق بسببه الدماء؟ وإن كان هو الضحية وليس الجاني، قبل أن يجرى إقناعه بأن الاستقالة ليست هي الحل!.
سواء كان حل الجماعة، تهديدا أو غير ذلك فقد رأى فيها البعض حلا للأزمة التي تشهدها مصر الآن، فهل تمثل حلا فعلا؟
أتذكر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عهد مبارك، وقد بدت السلطة عازمة على تزوير إرادة الشعب، وليست مستعدة لتكرار تجربة فوز الإخوان بـ (88) مقعدا كما حدث في البرلمان السابق، أني كتبت أطلب من الجماعة إعلان الانسحاب من هذه الانتخابات، فقد عقد النظام العزم على التزوير بغض النظر عن المنافس، وقد ألغي الإشراف القضائي المنقوص وعاد إلى إشراف الموظفين!
التزوير ضد الإخوان سيتم غض الطرف عنه دوليا، وقد استفاد المخلوع كثيرا من الترويج لفكرة أن البديل لحكمه ليس القوى المدنية ولكن الإخوان الذين سيعرضون المصالح الأمريكية للخطر، وسيهددون أمن إسرائيل. وعندما ينسحب الإخوان ويكون الاستبداد في مواجهة المرشحين من الأحزاب المدنية، فعندها نكون قد وضعنا "العقدة عند المنشار"، ثم يكون الإخوان بانسحابهم قد وضعوا القوى الأخرى أمام مسؤولياتها، وبعضها كان يقوم بدور الخدم في بلاد النظام بحجة أنه حامي الحمى في مواجهة "جماعات التأسلم السياسي"، وقد أكل اليسار المصري في مجمله "عيشا على حس وقوف نظام مبارك ضد الإسلاميين"!.
كان التطور الجديد، أن جمال مبارك، غير أبيه، فلم يكن الفتى بحاجة إلى المزيد من الخدم، وبعض الذين لم يجدوا موقعا لهم في لجنة السياسات التحقوا بالمعارضة، وهم الذين وجدناهم يؤيدون الانقلاب العسكري، ويخونون ثورة يناير، لأنهم وجدوا فيه فرصة للترقي الاجتماعي ولأن يكونوا خدما في البلاط. وأحد الفنانين الكبار لا يمل من الإعلان بفخر واعتزاز، وللتأكيد على قيمة أسرته الاجتماعية ورفعة مقامها، بأن جدته كانت وصيفة لدى الملكة نازلي، وفي كل مرة يقول فيها هذا تنظر إليه المذيعة بانبهار، لأنها تجلس في حضرة "ابن الحسب والنسب"!.
لقد خاض الإخوان الانتخابات، على قاعدة أن خوضهم لها سيكشف النظام المزور، مع أن كشفه لم يكن هو الموضوع، لأنه كان سيزورها في جميع الحالات، ولأن تزويره ضد الإخوان ليس ملاما أمريكيا. وفي الواقع أنهم كان يعتقدون أن النظام ليس مجنونا إلى حد حرمانهم بالكامل بعد مرحلة الـ (88) نائبا، لكنه ثبت أنه مجنون، فقد مارس التزوير ضد كل مرشحي المعارضة، وكان اليأس وفقدان الأمل بما جرى من أسباب قيام ثورة يناير!.
لا أستطيع الجزم بأن الجماعة لو حلت نفسها، فإن آلة الاستئصال يمكن أن تتوقف، أو أن القبضة الأمنية ستكون أقل بأسا، فالسيسي الذي جعل من مبرر استمراره في الحكم أنه يحارب الإخوان، لن يعترف بقرار الحل، لأن غياب الإخوان من المشهد سيفقده مبرر استمراره في الحكم وما تبقى له من شعبية، ومن التفاف أصحاب المصالح، الذين عبر عنهم الدكتور أبو الغار بقوله: "إذا سقط السيسي فسوف يذبحنا الإخوان"، فلن يعد السيسي حينئذ هو ما يمثل "الأمان العاطفي" لهؤلاء!.
الأمر الآخر، أن القوى السياسية الفاشلة، وأحزاب الأقلية، ويسار الكفاح الفاشل، وجدت في عداء الانقلاب للإخوان مصدرا للارتزاق السياسي، مع افتقادها للتأييد الشعبي، وعندها سيعود الحزب الوطني ومن يلعب على قواعده للسيطرة على المشهد السياسي بدون حاجة لخدم هذه المرة!.
وعليه، فإن السيسي وهذه القوى سيقاتلون من أجل استمرار الإخوان في "الملاعب"، فإذا غابوا جرى استحضارهم كما يتم "تحضير العفريت"، وقد يوجد من بين شباب الجماعة من يتمردون على قرار الحل، فيتم التعامل معهم حينئذ باعتبارهم "العفريت" والقول بأن الحل هو مناورة، وأن الجماعة قائمة، وأن هناك توزيع أدوار!.
على صعيد الثورة، فقد يحدث ارتباك في البداية، لأننا وإن كنا نسلم بأنه ليس كل من يخرج للشوارع من الإخوان، فإننا لا نستطيع أن نغفل أن الأقلية المنظمة هي التي يكون خروجها دعوة لخروج الأغلبية غير المنتمية للتنظيم، على نحو جعل الجماعة هي المتحكمة في حركة الشارع، وهو ما دفع أحزابا وأشخاصا في حجم مجدي أحمد حسين للانسحاب من تحالف دعم الشرعية، لأن القرار إخواني بالأساس، فإذا دعا الآخرون للنفير العام، كان رد ممثلي الإخوان أن "الناس تعبت"، وفي مرات كثيرة تبين أن هذا ليس صحيحا. وقد رأينا كيف أزعجت الحشود التي خرجت في يناير الماضي بمناسبة ذكرى الثورة، الولايات المتحدة الأمريكية على نحو كاد أن يجعل من "المطرية" قلب الثورة النابض، وفي مواجهة اعتقال النساء كانت التحذيرات على مستوى القطر المصري بمهلة، حدث قبل انتهائها الإفراج عن المحتجزات، قبل أن تصدر الدعوة بالعودة إلى البيوت في "انتظار الفرج"!.
بعد مرحلة الارتباك، من المؤكد أن الثوار سيتصرفون في غيبة من "الكفيل" و"ولي الأمر الإخواني"، وبدون توجيهات من القيادة، وقد يجد شباب الجماعة أنه بعد الحل صاروا في حل من "توجيهات القيادة" بالتمسك بالسلمية، على نحو يمكن أن يدخل البلاد في دوامة العنف، ليحدث ما يتم الترهيب منه وهو أن تتحول مصر إلى سوريا، والعاصم الحقيقي من ذلك هم الإخوان، وليس عبد الفتاح السيسي، الذي فعل كل ما فعله بشار الأسد، لكن الإخوان لم يسايروه في هذا الطريق، فصرنا بسبب ذلك أمام الأسد من غير سوريا!.
غيبة الإخوان عن المشهد، ستضع القوى الثورية أمام المرآة، وهي الخائفة من بطش السيسي والمبررة لصمتها بأنها لن تناضل مرة أخرى مع الإخوان، فضلا عن أن هذا سيجعل التنظيمات الدينية المتشددة تجد مجالا للحركة، وستجد فرصة لكسب المزيد من الأعضاء، وعندما تشتبك مع السيسي، لن يكون هناك دور للسيد البدوي شحاتة.
المشكلة، أن هناك من يظنون أن البديل للإخوان هو حزب "الوفد" مثلا أو أحزاب نجيب ساويرس، ولا يعلمون أن البديل للدكتور محمد بديع هو الخليفة أبو بكر البغدادي، وأن المرحلة التي كان البديل فيها للإسلاميين هو الأحزاب المدنية قد سقطت بالانقلاب العسكري!
حسنا.. فالقوم ليسوا جادين في حل التنظيم، هم فقط يفكرون بصوت مسموع!
[email protected]