بعد مضي عام على إمساكه بشؤون الحكم، ربما تكون الهالة التي أحاطت برئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي آخذة في الانحسار في وقت يتابع فيه الرأي العام أداءه بمزيد من التمحيص، بينما هو يضيق ذرعا بالمشاكل الاجتماعية نفسها التي أطلقت شرارة الانتفاضة الشعبية عام 2011.
مما لا شك فيه أن السيسي ما زال يسيطر بحزم على مقاليد الأمور في وقت تشن فيه أجهزة الأمن حملة على المعارضة، وتقف بجانبه دول غربية وخليجية تضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد
المصري سنويا دعما لحليف استراتيجي.
ولكن، مع تزايد الإحباط في الشارع، فقد بات الرجل الذي لم يكن ليخطئ في أعين كثير من المصريين يتوخى قدرا أكبر من الحذر في نهج الحكم، وهو ما يظهر من خلال إعادة تقويم بعض السياسات.
يشكو صاحب عربة خشبية يبيع عليها أطعمة في سوق مزدحمة بمدينة الإسكندرية، قائلا: "مش عارف أشتغل. مش عارف أأكل عيالي. أنا تعبت من البلد دي كلها".
يقول البائع الذي يبلغ من العمر 35 عاما، إن حكام مصر بعيدون عن الواقع، ولا يدركون ثقل متطلبات الحياة اليومية ولا يمشون في الأسواق ليلمسوا الحقائق بأنفسهم.
كان السيسي قد انقلب حين كان قائدا للجيش عام 2013، على الرئيس محمد
مرسي بعد تدبير الجيش لاحتجاجات حاشدة على حكمه.
والسؤال الكبير الذي لا يزال ينتظر إجابة هو: هل سيفي السيسي بوعوده بتوفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة لكل المصريين؟
نظريا، نجح السيسي على الصعيد الاقتصادي بالفعل، فيما
فشل فيه زعماء مصريون سابقون. فقد نال إشادة المستثمرين الأجانب على سبيل المثال لتطبيق إصلاحات مثل خفض الدعم على الوقود والسلع الغذائية ومعالجة البيروقراطية.
وأقدم السيسي بخفض الدعم على التعامل مع قضايا تجنبها مبارك خشية إغضاب الشعب الذي ظل يعتمد لسنوات طوال على دعم أسعار الوقود والغذاء. كما أنه تقرر زيادة بعض الضرائب.
ولم تثر تلك الخطوات احتجاجات حاشدة كتلك التي أسقطت رئيسين مصريين في ثلاث سنوات. لكن علامات الاستياء تتزايد.
إضافة إلى ذلك، يقول بعض المحللين، إن برنامج الحكومة الاقتصادي ربما لا يوفر مزيدا من العدالة الاجتماعية لشعب يقترب عدد سكانه من 90 مليون نسمة، كثيرون منهم يعيشون في فقر.
فأسعار السلع الغذائية عالية بالنسبة لكثيرين، كما أن البطالة مرتفعة. والرعاية الصحية صعبة المنال في بلد فيه معدل كبير من الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي. كما أن السياحة التي تمثل أحد المصادر الرئيسة للعملة الأجنبية تئن.
وبدأ المصريون الذين تهافتوا على البنوك قبل نحو عام لسحب مدخراتهم وإيداعها في حساب خصص لشق قناة السويس الجديدة -أحد مشروعات السيسي الكبرى- يتساءلون عما إذا كانوا سيرون مردود ذلك.
لا حلول
تبدو بعض الأرقام البارزة في عناوين الصحف واعدة. فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بمعدل خمسة في المئة في السنة المالية 2015/ 2016، وهو نفس المعدل تقريبا للسنة المالية 2009/ 2010 عندما كان مبارك في الحكم. وهناك انخفاض طفيف في معدل البطالة الذي لا يزال عند 12.8 في المئة. كما أن نظرة وكالات التصنيف الائتماني لمصر باتت إيجابية بصورة عامة.
وتبرم شركات أجنبية عقودا مع مصر. وفي آذار/ مارس أضفت شركة "بي بي" اللمسات الأخيرة على اتفاق مع مصر في مجال الطاقة قيمته 12 مليار دولار، ووقعت شركة سيمنس الألمانية اتفاقا مع مصر في قطاع الطاقة أيضا قيمته تسعة مليارات دولار أثناء زيارة السيسي لألمانيا في الآونة الأخيرة.
لكن التضخم لا يزال عاليا.. فقد زاد مؤشر أسعار المستهلكين في مناطق الحضر إلى 13.1 في المئة في أيار/ مايو من 8.2 في المئة قبل عام.
ويتساءل المصريون عما إذا كان سيصيبهم من حظ الأموال المتدفقة على الاقتصاد جانب.
قال عمرو عدلي الخبير غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن هناك مشكلة مهمة تتمثل في أن أغلب العاملين في البلاد يعملون في وظائف منخفضة الأجر محدودة المهارات ضعيفة الإنتاجية، وهو ما يعني "أنهم لا يسهمون في صنع النمو ولا يستمتعون بمردوده".
وأضاف: "يحدث في العادة استياء متزايد عندما ينمو الاقتصاد. يحدث هذا عندما يلاحظ الناس أنه لا توجد عدالة في التوزيع".
وتسبب خفض الدعم على أسعار الوقود في زيادتها بنسبة 78 في المئة في تموز/ يوليو الماضي. وزادت الضرائب على السجائر والخمور أيضا.
وقال عدلي: "قد يتسبب هذا -مثلما تتسبب الإصلاحات الليبرالية الجديدة الأخرى- في تعميق اتجاه الفقر أكثر مما كان في عهد مبارك".
ولم تحقق السياحة بعد ذروة الإيرادات التي سجلتها عام 2010 عندما حققت 12.5 مليار دولار. وقال خالد رامي وزير السياحة، إنه يهدف للوصول بعائدات السياحة إلى 26 مليار دولار بحلول 2020، لكن هجوما وقع في الآونة الأخيرة في معبد الكرنك بمدينة الأقصر أضر بالأجواء في قطاع كان يستوعب يوما الكثير من العمالة المصرية.
يتحسر يوسف القامولي (68 عاما) الذي يملك متجرا سياحيا على أوقات كان الأجانب يتهافتون فيها على روائع الآثار المصرية القديمة ويقول: "هي فين السياحة دلوقتي؟ أنا قفلت بازاري عشان مفيش سياح بييجوا".
ويضيف: "السنة اللي فاتت كانت السياحة أفضل من دلوقتي. الوضع كل سنة بيزداد سوءا عن السنة اللي سبقته. من ثورة 25 يناير واحنا في أزمة كبيرة... مسيبناش باب مسؤول إلا وطرقناه ولكن بدون فايدة. ومش عارفين إمتى الوضع هيتحسن".
ومع استمرار تراجع الحركة السياحية، فقد اضطر القامولي لبيع قطعة أرض ورثها عن والده حتى يستطيع تسديد الديون التي تراكمت عليه.
ويقول مؤيدو السيسي إنه ليس من المنطقي أن ينتظر الناس عصا سحرية يحل بها مشاكل اقتصاد خربته هيمنة الدولة والفساد على مدى عقود.
قال عمرو عبد الله (31 عاما) ويعمل محاسبا في بنك بالقاهرة: "أداء الحكومة مش بنسبة 100 في المية، ولكن أقدر أقول بنسبة 70 أو 80 في المية. أنا شايف إن أداء الحكومة كويس وأنا متفائل جدا".
تخفيف التوتر
يبدو أن السيسي متجها للتصالح على بعض الجبهات.
فقد أرجأت مصر إلى أجل غير مسمى تطبيق نظام توزيع البنزين المدعم بالبطاقات الذكية، بعد أن كان مقررا تطبيق النظام قبل أيام من حلول شهر رمضان.
وفي الشهر الماضي، أصدر السيسي عفوا عن 165 سجينا منهم كثيرون أدينوا بانتهاك قانون التظاهر الذي يلقى انتقادات منظمات حقوقية.
هي خطوة صغيرة لكنها لم تكن متصورة في بداية حملة على المعارضين أعقبت ظهور السيسي على التلفزيون الرسمي ليعلن الانقلاب على مرسي.
وقال أيمن الصياد، وهو كاتب عمود بارز ومستشار سابق لمرسي: "هناك محاولات لتخفيف التوتر والاحتقان. لكن السؤال الأهم هو: إلى أي مدى هذه المحاولات كافية؟".
وأضاف الصياد الذي استقال من منصبه احتجاجا على سياسات مرسي: "الخطوات في الجانب الآخر.. جانب تخفيف المعاناة المعيشية بالتأكيد لها تأثير. الخطوات التي اتخذت في الملف المعيشي: هل سيكون لها أثر على المدى الطويل؟".
ونفى المتحدث باسم الحكومة حسام قاويش، أن تكون إجراءات استثنائية اتخذت، وقال إن ما تم من برامج تستهدف محدودي الدخل كان محددا سلفا، وإن الحكومة تعمل عليها سواء في الموازنة السابقة أم في الموازنة القادمة. وأشار إلى زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية في الميزانية الجديدة.
ويتضمن مشروع الموازنة للسنة المالية 2015/ 2016 زيادة نسبتها 12 في المئة في الإنفاق على البرامج الاجتماعية، بمخصصات بلغت 431 مليار جنيه أو ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق العام.
وتبلغ نسبة العجز المتوقع 9.9 في المئة.
وكتب زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء السابق، في مقال بصحيفة الشروق بعد إعلان مشروع الميزانية: "هذا الهدف الطموح يمكن أن تكون له آثار اجتماعية وخيمة على الطبقات الفقيرة إذا لم تحسن الحكومة اختيار أوجه الوفر في الإنفاق".
وأضاف أن الفكرة "ليست مجرد زيادة الإنفاق الاجتماعي، بل التوسع في الدعم الذي يستند إلى استهداف الفقراء، وإلا كانت النتيجة المزيد من نزيف الموارد وتكريس الفجوة الاجتماعية".
ومثله مثل كثير من المصريين، فإنه لا يولي عبد العزيز شرباص (47 عاما) وهو مدرس للغة العربية، اهتماما كبيرا بالتمويلات الحكومية أو بإشادة المستثمرين الأجانب بها.
وقال: "مستحيل أن يتغير أي شيء لأن النظام هو هو. الناس اللي بيحكموا مصر أصحاب مصالح".
وأضاف: "كفاية احتكار للسلطة. كفاية صفقات خلف الأبواب المغلقة".