نشرت صحيفة "الغارديان" في صفحة الرأي مقالا لغاري يونغ، حول تخبط المرشح الرئاسي المحتمل للجمهوريين جيب بوش في الإجابة على السؤال المتعلق بغزو
العراق.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إن السؤال كان متوقعا، وكان ما يتوقعه الناس أن يكون جيب قد حضر له جوابا منطقيا مقنعا، ولكن الحال لم يكن كذلك، فعندما وجه إليه السؤال في مقابلة مع "فوكس نيوز" إن كان سيصادق على
حرب العراق لو كان في السلطة، أجاب وقتها: "نعم.. وكذلك كانت ستفعل هيلاري كلينتون، ولتذكير الجميع، فإن هذا ما كان سيفعله أي شخص أمام المعلومات التي تم الاطلاع عليها".
ويشير المقال إلى أنه في الأيام القليلة اللاحقة تم الضغط عليه من الجميع لإعطاء إجابة واضحة حول الموضوع، وبدأ كأنه جنرال محاصر يبحث عن جواب مقبول. وأجاب على السؤال ذاته أكثر من مرة بـ "لا أدري"، أو "لم أفهم السؤال" أو "لا"، أو اللجوء إلى الإجابة النموذجية الجمهورية، وهي إلقاء اللوم على باراك أوباما.
ويلفت يونغ إلى ما كتبه تيم أوبرايان في روايته حول فيتنام، ويقول: "تستطيع أن تروي قصة حرب حقيقية بالطريقة التي لا يبدو أن لها نهاية، في وقتها أو بعد ذلك أبدا.. في قصة الحرب الحقيقية إن كان هناك مغزى فإنه مثل الخيط الذي حيك منه القماش لا تستطيع إخراجه، ولا تستطيع فهم المعنى دون تفكيك المعنى الأعمق".
وتذكر الصحيفة أن قصة حرب العراق مثال على ذلك، فقد يكون الجيش قد غادر، ولكن آثار الحرب باقية في الكيان السياسي الأمريكي، وتلتصق بكبار السياسيين، مثل رائحة التبغ في قميص الصوف، رائحته قبيحة ولا يستطيعون التخلص منها، فهي لم توقع جيب فقط، ولكنها تبقى الإرث المخزي لإدارة أخيه جورج، وكما أشار جيب فإنها أيضا أثرت على حملة كلينتون لانتخابات الرئاسة في محاولتها كسب أصوات الديمقراطيين للترشح للرئاسة عام 2008.
ويبين المقال أن كلينتون كانت في وقتها قالت إنها لو كانت تعلم ما كان بوش سيفعل بتصويتها لصالح الحرب، لما كانت صوتت لإعطائه تلك الصلاحية، ولكن تلك الإجابة لم تنقذها، والآن هي تعترف بأن تصويتها لصالح الحرب كان "خطأ" دون أي تحفظ.
ويجد الكاتب أن استنتاج عبرة من هذه المأساة يتطلب "تفكيكا للمعاني العميقة" للنبض العسكري الأمريكي، وما يحظى به من القبول السياسي الجبان والموافقة الشعبية.
ويقول يونغ: "تحتاج إلى تقدير لماذا أيدت أعداد كبيرة من الأمريكيين الحرب لفترة طويلة جدا، وكيف فشل إعلام حر في ظاهره في تحدي الدولة، بل استسلم لها، ولماذا لم يدفع أحد ثمن الأخطاء. وباختصار يجب أن يعاد تقييم السلطة الأمريكية، وكيف تعمل ومع من تعمل، ولأي هدف، (أما التواطؤ البريطاني المثير للشفقة فيحتاج مقالا خاصا)".
وتجد الصحيفة أنه في غياب مثل هذه التفاصيل ليس من الممكن الحصول على القصة الحقيقية للحرب، وسيفضل السياسيون التواطؤ مع كذبة كبيرة تصيب جسم السياسة الأمريكية، مثل فيتنام حتى تجد حلا في كشف الحقيقة.
وينفي المقال أن يكون الهدف هنا هو إعادة محاكمة الحرب، فالنتيجة في هذا المجال واضحة من عدد من أيدوها يوما ما، وسحبوا تأييدهم اليوم. ويستدرك يونغ بأن "الهدف هو أن نعرف حقيقة الماضي، على أمل تحقيق مستقبل أفضل وأكثر صدقا، فإن كان بإمكان من كذبوا علينا ليدخلونا الحرب أن يكذبوا علينا ثانية ليخرجونا منها، فذلك يعني أننا لا نملك أدوات أفضل تمنعهم من فعل ذلك مرة ثانية".
ويعتقد الكاتب أن خطأ جيب هو أنه اختار الكذبة الخطأ، فليس صحيحا أن كل من رأى المعلومات تقريبا أيد الحرب، فقد عارضها 133 في مجلس النواب، و23 في مجلس الشيوخ، ولكن منطقه الذي لا يختلف عن منطق أي مراهق تعس، يقول بأنه كان سيفعلها لأن كل من كان يفعلها يتمتع بالنزاهة أكثر من كثيرين غيره.
ويفيد المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن معارضة الحرب عام 2003 كانت بالنسبة للسياسيين، الذين طغى عليهم الطموح أكثر من المبادئ، هي حماقة من شأنها وضع حد لحياتهم السياسية، وكانت الإدارة تبيع كذبا، ولكنها وجدت من يشتريه بكامل الرضا.
ويوضح يونغ أن الشعب بشكل عام كان يحمل الفكرة ذاتها، فبحسب بروفيسور العلوم السياسية في جامعة ديوك، والمتخصص في التوجهات الشعبية بشأن سياسة أمريكا الخارجية، كريستوفر غيلبي، فإن أهم عامل يشكل الرأي الأمريكي حول الحرب ليس عدد الضحايا الأمريكيين المحتمل، ولا عدد الضحايا الأجانب، ولا حتى التكلفة، بل هو إن كان يتوقع لأمريكا الانتصار أم لا، وهذا ما حصل فعلا فقد أيد ثلثا الأمريكيين الغزو قبل وقوعه، وكانت هناك أغلبية بسيطة أيدته، حتى دون قرار من مجلس الأمن، وازداد التأييد مع بداية الغارات، ولم تتغير الآراء إلا عندما تبين أن ليس هناك انتصار واضح في المستقبل المنظور.
وتورد الصحيفة أن الكذبة التي يتاجر بها منتقدو جيب هي أنه: "لا أويد الحرب الآن؛ لأننا نعرف اليوم أن المعلومات كانت كاذبة، ولكن لم تكن هناك طريقة أن نعرف ذلك في وقتها". أو كما يقول كاتب العمود في "نيويورك تايمز"، ديفيد بروكس: "لمسح أخطاء الماضي عليك إلغاء عالمك الحالي، فلن تستطيع أن تعود للماضي، وتعرف ما تعرفه اليوم".
ويستدرك الكاتب بأن مشكلة هذا الطرح هو "أننا كنا نعرف في وقتها، وكان العالم يعرف، ولذلك كانت الأغلبية في معظم البلدان الأخرى تعارض الحرب، وكانت الأمم المتحدة تحاول الحصول على الأدلة بطريقة أو بأخرى، ولكن لم يسمح لها بإنهاء وظيفتها. والواقع أنه لم يقد السياسيون إلى الحرب عن طريق المعلومات الخاطئة، بل قاموا هم بتعمد استصدار المعلومات التي يريدونها للقيام بالحرب".
ويورد المقال أنه بحسب ملاحظات سجلها مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد ستيف كامبون بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حيث كتب أن رامسفيلد طلب: "أفضل المعلومات وبسرعة، والحكم إن كانت كافية لضرب
صدام في الوقت ذاته، وليس فقط
أسامة بن لادن". وطلب من أكبر رجال القانون في البنتاغون "ليتحدث مع بول وولفويتز لمزيد من الدعم فيما يتعلق بأسامة بن لادن"، وأضاف أن "هناك حاجة للتحرك بسرعة، اذهب إلى أبعد الحدود، واجمع ما له علاقة وما ليست له علاقة".
وتختم "الغارديان" مقالها بالإشارة إلى أن أمريكا حصلت على الحرب التي تريد، ولكنها لم تحصل على الحرب كما توقعتها، وكان بروكس قد كتب في أسبوع الغزو: "سيسمح التاريخ بالحكم الواضح على القيادات والمؤسسات التي وقفت في وجه التحدي الذي شكله صدام، وأولئك الذين لم يقفوا". ويقول يونغ "قد تحدث التاريخ، ولكن للأسف يعاني الكثير من انتقاء لما يسمعه".