كتاب عربي 21

مبررات فرض المقاربة الدولية والتدخل الخارجي في ليبيا

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
مما لاشك فيه أن غياب الرؤى السياسية الواقعية والفشل في التعبئة النخبوية والشعبية لها، هو من أهم أسباب فشل أو تعثر مسار عمل كلا الجبهتين، جبهة طرابلس وجبهة طبرق.

على صعيد جبهة طرابلس فقد توقف المسار السياسي عند إخراج الكتائب المنسوبة لمدينة الزنتان من طرابلس في أغسطس من العام الماضي، ثم الدعوة لعودة انعقاد المؤتمر الوطني العام واعتباره الواجهة السياسية لجبهة طرابلس وفجر ليبيا، لكن المؤتمر الوطني لم يكن مهيئا لملء الفراغ السياسي إلا لفترة قصيرة، ما كان ينبغي أن تتعدى أشهرا قليلة لسببين رئيسيين أولهما: سخط الرأي العام أو قطاع كبير من الرأي عليه، وثانيهما: رفض المجتمع الدولي الاعتراف به ككيان سياسي رسمي، ولقد ظهر عدم قدرة المؤتمر الوطني على ملء الفراغ السياسي والسيادي على الأقل في المنطقة الغربية، بل وظهر ما يشير إلى تصدع في داخله يضعف من فعاليته كمظلة سياسية لمكونات جبهة طرابلس.

على مستوى جبهة طبرق فقد أدى ارتهان البرلمان أو عدد مؤثر من أعضائه لعملية الكرامة إلى اختزال المشروع السياسي للبرلمان في الرؤية السياسية لعملية الكرامة ولطموح عرابها، ولأن الكرامة تواجه مأزقا حقيقيا عنوانه الفشل في الحسم العسكري في بنغازي، إضافة للتداعيات الخطيرة للكرامة التي أصبحت سبب قلق كثيريين ممن أيدوها عند إطلاقها. 

ومع ظهور مؤشرات التأزيم السياسي في كلا الجبهتين، مع التأكيد على اختلاف مستوى التأزيم في جبهة طبرق عنه في جبهة طرابلس، لا يزال الطرفان في حالة ذهول أو عجز عن الاستدراك ومعالجة وضعهما المأزوم، ويعود ذلك إلى اختلافات جوهرية في داخل كل جبهة تسهم في قطع الطريق على الاستدراك وتصحيح الوضع، بل إن المواقف والممارسة داخل كلا الجبهتين تشير بوضوح إلى عمق التأزيم. 

وبالنظر إلى تصريحات صقر الجروشي، أمر القوات الجوية في رئاسة الأركان التابعة للبرلمان، وتهديده المباشر لأعضاء من البرلمان يعتبرهم معارضين لعملية الكرامة، وتهديده الضباط الذين لم يلتحقوا بالكرامة بشكل لا علاقة له بالقانون العسكري والعقوبات المنصوص عليها، وأيضا الخلافات داخل القيادة العسكرية للكرامة التي تؤكدها تصريحات قادة ميدانيين في محاور القتال في بنغازي، يتأكد أن الخلافات في اتساع، وأنها تعبير مباشر عن خلل كبير في المشروع يقود إلى تطرف في معالجته لابد وأن يفضي هذا التطرف إلى فشله.

بالمقابل فإن انفراد كتائب بعينها ضمن عملية فجر ليبيا في الاتفاق على تهدئة وصلح مع قوات معادية لها تابعة لجيش القبائل، واتهام تلك الكتائب بالخيانة من قيادات بارزة سياسية وعسكرية ضمن جبهة طرابلس، وتأثير هذه الخطوة الانفرادية على تماسك العمليات العسكرية لفجر ليبيا في جبهة "الوطية"، وحتى في نقاط الاشتباك في منطقة "ورشفانة" بالقرب من العاصمة، وإصرار كل طرف على موقفه، كل ذلك يشير إلى تصدع سيضعف عملية فجر ليبيا وجبهة طرابلس ويجعلها في وضع مرتبك يعود بها إلى الوراء، ولا يساعدها على استكمال مسارها العسكري ومن ثم السياسي ما لم يتم التوافق على دعم المصالحة، وهي فكرة إيجابية على أي حال وتعكس وعيا تصالحيا مفقودا في المنطقة الشرقية.

ومع قابلية اتجاه الوضع في كلا الجبهتين إلى مزيد من التأزيم، يظهر غياب أي جهد منظم، ذاتي أو عبر مكون سياسي جديد، برؤية استدراكية لمعالجة الوضع وإخراج الطرفين من مأزقهما باتجاه حل شمولي، يضمن وحدة البلاد ويحافظ على سيادتها ويمنع التدخل الخارجي.

إن قابلية كلا الطرفين للانتكاس والتشظي مع غياب مشاريع استدراكية تحتوي الآثار الخطيرة لتشظيهما، يعني أن الباب الذي كان مواربا سيكون إثر ذلك مفتوحا على مصرعيه لأي مقاربة خارجية لاحتواء أخطار التأزيم الراهن، ومهما كانت منطلقات المقاربات الخارجية ومخاطرها فإنها قد تلقى ترحيبا شعبيا من جموع محبطة، ولا يهمها تداعيات أي سيناريو قادم مادمت تتصور أنه سيكون بديلا عن الفوضى السياسية والأمنية الراهنة.
التعليقات (0)