كتاب عربي 21

الكافات الثلاثة أفضل من اللاءات

جعفر عباس
1300x600
1300x600
فلتذهب لاءات الثلاثة الخرطوم (لا صلح ولا تفاوض ولا تباوس مع إسرائيل) إلى النعيم أو الجحيم، فلم نعد في حاجة إليها، بعد أن زودنا مواطن أردني ببدائل تسد النقص في الشعارات الناجمة عن ظهور ما يسمى بشعر الحداثة، فعندما كان هناك احتفاء بالقوافي والأوزان، كان بإمكاننا صياغة شعارات ذات إيقاع وجرس:  "بالدم، بالروح نفديك يا دحدوح".

 والواقعة قديمة ولكن المنظراتية لم يتوقفوا عندها طويلا، لأنهم يعتقدون أننا ما زلنا نجهل أن إسرائيل "كيان استيطاني سرطاني، تغذيه الولايات المتحدة بالمزيد من الخلايا الخبيثة المُعدية"، وأصل الحكاية أن صاحبنا الأردني فوجئ بالسفير الإسرائيلي "يهرول" إلى مطعمه الذي يتخصص في بيع الكباب، من باب رد الجميل لمن هرولوا إلى أوسلو ومدريد، فمنعه من الدخول، وبعد طرد السفير الإسرائيلي تجمهر السياح الإسرائيليون حول المطعم، وكعادتهم في سرقة كل شيء بدم بارد، سرقوا الهتاف الذي ردده عادل إمام في وجه السلطات الأمنية في فيلم " الإرهاب والكباب"، وطفقوا يهتفون " الكباب، الكباب.. يا نخلي عيشتكو هباب"، ثم اكتشفوا أن "عيشتنا" هباب دون تدخل من جانبهم فتفرقوا وهم يتميزون غيظاً.

وهذه الواقعة دليل ساطع على أننا لم نستنفد جميع أسلحتنا في مواجهة العدو " الشقيق"،  فإلى جانب الكباب، هناك الكبة والكفتة، وعلى القمة العربية المرتقبة، أن تعلن تمسكها بالكافات الثلاث:  لا كباب ولا كبة ولا كفتة للصهاينة قبل انسحابهم من 13% من أراضي الضفة الغربية، وتوقفهم عن قصف غزة أكثر من مرة كل ثلاث سنوات، أما إذا تعنت الإسرائيليون كعادتهم، فبإمكاننا إضافة كاف رابعة، بضم الكسكس المغربي إلى قائمة المحظورات.

 ومن حقائق العصر الثابتة، أن معظم الإسرائيليين برغم تعصبهم الديني البادي "ملحدون"، وسئل أول رئيس وزراء إسرائيلي: لماذا لا تؤمن بالله؟ فكان رده: لأنه لا يؤمن بي! ودستور إسرائيل علماني، ينص على أن لا قداسة في السياسة، ولا يلجأ الإسرائيليون إلى الدين، إلا لاستخدامه كأداة لتعزيز الحس والانتماء الوطنيين، والسبب في إلحادهم مادي بحت، فهم حانقون لأنهم يعتقدون أن نبي الله موسى عليه السلام، سار بأجدادهم في التيه لأربعين سنة، ثم نزل بهم في البقعة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي لا توجد فيها كميات شبه محترمة من البترول.

 ودعونا نتحدث بصراحة، نحن لا نملك قدرات أمنية كافية لوقف محاولات الصهاينة التسلل إلى مطاعمنا، وسرقة المعادلات الكيميائية والفيزيائية المستخدمة في إنتاج الكافات الثلاثة، لأن أجهزتنا الأمنية مشغولة بواجباتها الأساسية المتمثلة في إحصاء أنفاسنا، لأننا – أنا وانت - من الخونة والمارقين ومن فلول الرجعية والشيوعية والإمبريالية، ومن ثم فلا سبيل لإجهاض المخططات الصهيونية الرامية للعبث بـ "ثوابتنا"، وعلى رأسها الكفتة والكباب والكبة، إلا بالتوقف عن إنتاج وتعاطي هذه الأشياء – يعني علينا وعليهم.

إنني أدرك جيدا أنه يصعب علينا أن نضحي بالكافات الثلاثة، مهما كانت الغايات نبيلة، ولكن لابد مما ليس منه بد، سنعاني قليلا أو كثيرا من الحرمان ومن أعراض الانسحاب (WITHDRAWAL)، ولكننا نستطيع – بالعزيمة والصبر – أن نتغلب على تلك الأعراض، كما تغلبنا على الرغبة في شتم من يستحقون الشتم والسحل، يعني، سنوات قليلة ونجني الثمار، فكما أن لاءات الخرطوم انتهت بأن أصبح من حقنا أن نقول " إسرائيل" بدلا من " الكيان الصهيوني"، وأن نقول إن الإسرائيليين أبناء عمومتنا دون أن ترمش عيوننا.

 فإن الكافات الثلاث سترغم الإسرائيليين على منافقتنا والتودد إلينا وتزويدنا بالعلكة "اللبان" التي تثير النساء جنسياً (أتذكرون الهوجة التي سادت قبل سنوات بأن إسرائيل سربت إلى أسواقنا علكة تسبب الهيجان الجنسي للنساء، وكيف تبارى الكتاب للتحذير من مخاطر العلكة الفياغراوية لشهور وشهور، دون أن يرصد أحدهم امرأة عربية تتحرش بالرجال علنا وهي تعلك ذلك المنتج الافتراضي، ولم يفتح الله على أحدهم بكلمة والبضائع الإسرائيلية الاستهلاكية والإلكترونية تتمطى فوق أرفف متاجرنا علنا، وتمد ألسنتها في وجوهنا).

لقد حاول الإسرائيليون في تسعينيات القرن الماضي الترويج للفلافل في هولندا، باعتبارها طبقا يهوديا، فتصدى أصحاب المطاعم العرب لهم، ورفعوا لافتات "الفلافل عربية"، وبحمد الله ما تزال الفلافل عربية ولكن فلسطين ما تزال "عبرية"، والكاف أصدق أنباء من "الكفّ"/ والبوس أفضل أصداءً من السيف.
التعليقات (0)