صحافة دولية

إيكونوميست: القمع في مصر أسوأ من عهد مبارك

إيكونوميست: السيسي أسوأ من مبارك - أرشيفية
إيكونوميست: السيسي أسوأ من مبارك - أرشيفية
قالت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعد أسوأ من مبارك

وجاء في تقرير للمجلة، اطلعت عليه "عربي21"، أنه "من الصعب قياس شعبية السيسي، ولكن معظم المصريين على ما يبدو راضون عن رئيسهم. فالاضطرابات التي شهدتها مصر في السنوات الماضية، والتي بدأت بالإطاحة بحسني مبارك في عام 2011، وخلال الفترة الفوضوية من حكمة حكم محمد مرسي، الذي أطيح به عام 2013، جعلت الكثيرين يحنون إلى الاستقرار والنظام".

وتضيف المجلة أن "السيسي، وهو جنرال سابق، قدم الاستقرار والنظام. فحس الشعور بالراحة عبر عنه شعار مؤيد للحكومة مفاده (على الأقل  فنحن لسنا العراق أو سوريا)".

وتتساءل "إيكوموميست": "لكن بأي ثمن؟".

ويجد التقرير أنه "في الوقت الذي حفظ فيه السيسي مصر من الانزلاق إلى الفوضى، إلا أنه قام بقمع معارضيه بشكل صارم. فقد سجن عدة آلاف من المعارضين الليبراليين والإسلاميين، وقتل على الأقل ألف شخص. ويقول السيسي: (ليس لدينا وقت للاقتتال والتشاجر)، ولكن عاداته الديكتاتورية تجعل مصر تبدو مثلما كانت قبل الربيع العربي عندما حكم مبارك، وهو عسكري آخر، بيد من حديد، بل وأصبح القمع أكثر سوءًا كما يقول الكثيرون".

وتبين المجلة أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة مرسي، تحملت العبء الأكبر من حملة القمع. فقد جرد السيسي، وهو الرجل الذي يقف وراء الانقلاب، الجماعة الإسلامية من السلطة وسحقها وصنفها بالجماعة الإرهابية. وقتل المئات من أتباعها خلال الاحتجاجات على يد قوات أمن الدولة. وأصدرت المؤسسة القضائية المسيسة أحكامًا بالإعدام على المئات "ألغي معظمها"، وحصل مرسي على حكم مخفف في 21 نيسان/ إبريل، عندما تلقى حكمًا بالسجن لمدة 20 عامًا بتهمة "مثيرة للسخرية"، وهي التحريض على قتل المتظاهرين في عام 2012. ولكنه لا يزال يواجه قضايا كبيرة أخرى. 

ويذكر التقرير أن عدة أحزاب من المعارضة قررت مقاطعة الانتخابات البرلمانية، التي كان من المقرر إجراؤها في آذار/ مارس، بسبب المناخ السياسي السيئ، وكانت هذه الانتخابات ستعقد "في جو حافل بالاضطهاد والحقد والانتقام"، كما قال حزب البناء والتنمية، وهو حزب إسلامي. فيما انتقد الحزب الليبرالي الدستوري "انتهاكات الحكومة الصارخة لحقوق الإنسان". 

وتوضح المجلة أنه تم تأجيل الانتخابات بعد أن كشف عن عدم دستورية القانون الذي يغطيها. ويقول النقاد إن الطريقة التي شكلت فيها الدوائر الانتخابية صممت من أجل إيجاد برلمان يستعبده الرئيس، الذي لا يزال يحكم دون رقابة. ولكن هناك قلة تعتقد أن القانون الذي يتوقع صدوره نهاية العام سيكون نزيهًا.

ويلفت التقرير إلى أن السيسي حث الأحزاب كلها لتشكيل "ائتلاف شامل" يدعمه ويسانده، وهذا هو أسلوبه المفضل، فالرئيس عادة ما يناشد المصريين للوحدة؛ ففي العام الماضي طلب من الإعلام أن يكون "رقيقًا مع الشعب المصري"، وأن "يراقب ما يقوله"، ولكن من خلال تقديم نفسه حاميًا لمصر فقد حول نقاده كلهم إلى أعداء للدولة.

وتورد المجلة أنه في أثناء ترشح السيسي لانتخابات الرئاسة عام 2014، طلب مساعدوه، كما يقال، من مذيعي التلفزيون الترويج لشخصية السيسي، بحسب الأشرطة المسربة، فقد طلب منهم تقديم صورة المرشح السيسي بالشخص المتواضع. هذا كله في الوقت الذي تم فيه إغلاق المؤسسات الإعلامية المؤيدة للإخوان كلها، فيما سيطرت مجموعة قليلة على الإعلام الخاص، التي أحجمت عن نقد الحكومة، وفي الوقت ذاته قامت بنقل آرائها.  

وينوه التقرير إلى أن الصحفيين يمارسون الرقابة على الذات، وهو ما لاحظته خلود صابر من جمعية حرية التعبير والتفكير، حيث قالت إن "المناخ العام الذي يعيشه الإعلام هو أسوأ مما كان عليه من قبل".

وتستدرك المجلة بأن هناك بعض وسائل الإعلام أصبحت أكثر حزمًا، ولهذا تعرضت للهجوم. فقد انتقدت عدة صحف، بعضها خاص أو مملوك من الحكومة، الانتهاكات التي تمارسها الشرطة ووزارة الداخلية، وردت الأخيرة بحملة اعتقالات واستفزاز، كما تم استهداف الصحفيين الأجانب، فقد قضى ثلاثة صحفيين يعملون في قناة "الجزيرة" المؤيدة للإخوان 400 يوم في السجن؛ بتهمة الإضرار بالأمن القومي. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن محاكمتهم كانت مهزلة.

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن المجتمع المدني لم يكن أفضل حالً. ففي عهد مبارك تم التسامح مع المنظمات غير الحكومية طالما أنها عملت بحذر، وتم تجاهلها في عهد مرسي، ولكن في عهد السيسي "فلا أمل"، كما يقول محمد زارع من معهد دراسات حقوق الإنسان في القاهرة، وقد نقل المعهد معظم موظفيه بعد تلقيهم تهديدات. أما الجماعات الأخرى مثل "هيومان رايتس ووتش" و"مركز كارتر"، وكلاهما مقره أمريكا، فقد أوقفا نشاطاتهما كلها في مصر. 

وتكشف المجلة عن أنه أجبر من بقي من المنظمات غير الحكومية على التسجيل في وزارة التضامن الاجتماعي، وتحت قانون قديم لا يتم تطبيقه إلا نادرًا، ويعطي الحكومة سلطة واسعة على نشاطات الجمعيات وتمويلها.

ويذكر التقرير أنه تم استخدام قرارات منع التظاهرات ضد الجماعات الإرهابية، التي صيغت بطريقة غامضة، من أجل ملاحقة المنظمات غير الحكومية وسجن طواقمها. وبحسب قانون الإرهاب، الذي صدر في كانون الأول/ ديسمبر، فإنه يمكن أن يورط الناشطين أو من يحاولون "الإضرار بالمصالح القومية" أو "إرباك الوحدة الوطنية" أو "انتهاك الأمن والسلامة العامة". ويواجه المتهمون حكمًا بالسجن مدى الحياة إن تلقوا تمويلً من الخارج، وتتلقى معظم مؤسسات العمل المدني تمويلً من الخارج؛ لأنه من الصعب جمع تبرعات من داخل مصر.

وترى المجلة أن الحكومة قد أثارت الناس العاديين عندما تحدثت عن التدخل الخارجي، سواء كان أمريكيًا أو أوروبيًا أو إسرائيليًا، وذلك حتى تحصل على دعم المصريين لحملات القمع والملاحقة، مع أن الحكومة تطلب من الأجانب الاستثمار في مصر.

ويظهر التقرير أن الكثير من الناشطين يشكون من عدم وجود ضغوط على السيسي من الخارج. فالكثير من الحكومات الأجنبية ترى فيه حاجزًا ضد التطرف الإسلامي في المنطقة، وقد تؤثر أمريكا على الحكومة المصرية من خلال التوقف عن دعمها عسكريًا، لكنها لا تزال ترسل لها السلاح.

ويقول السيسي إن الكثيرين يسيؤون فهمه، ففي القمة الاقتصادية التي عقدت في آذار/ مارس، أكد الاستقرار الذي جلبه حكمه لمصر، وقال إن الأمن والازدهار هما مفتاح الحرية، بحسب المجلة.

وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن السيسي يبدو مهتمًا بتعزيز سلطته، وقد ترتد عليه أفعاله، فلم يعد لدى المصريين إلا وسائل قليلة للتعبير من خلالها عن مظالمهم، فالكثيرون ممن واجهوا الظلم في الماضي وجدوا وسائل أخرى، وعادة ما تكون عنيفة للتعبير عن آرائهم، فالتفجيرات التي يقوم بها الراديكاليون أصبحت أمرًا عاديًا، ما يعطي السيسي أسبابًا أخرى لتقوية يده في السلطة.
التعليقات (0)