ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن
إسرائيل تجسست على المحادثات النووية مع
إيران. وهو ما أغضب البيت الأبيض، خاصة أن المعلومات التي تم الحصول عليها استخدمت من أجل الضغط على الكونغرس الأمريكي لمعارضة الرئيس باراك أوباما.
وكتب آدم إنتوس أن مسؤولي البيت الأبيض البارزين، اكتشفوا بعد دخول القوى الدولية محادثات مع إيران، حول نشاطاتها النووية، عملية
تجسس إسرائيلية.
ويشير الكاتب إلى أن عملية التجسس كانت جزءا من حملة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته لاختراق المحادثات، وبناء قضية ضد أي صفقة قد تنتج عن
المفاوضات، بحسب مسؤول أمريكي سابق. فبالإضافة إلى التنصت على مجريات المحادثات، حصلت إسرائيل على وثائق سرية من عملائها، ومن خلال اتصالاتها الدبلوماسية في أوروبا.
تحريض الكونغرس
ويبين التقرير أن عملية التجسس لم تغضب الولايات المتحدة كثيرا، بقدر ما زادت من حنق الإدارة لإشراك المعلومات التي حصلت عليها مع نواب في الكونغرس، ويعلق الكاتب: "أن تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بالتجسس على بعضهما البعض هذا شيء، وأن تقوم إسرائيل بسرقة الأسرار الأمريكية وتقدمها إلى النواب الأمريكيين للتأثير على الدبلوماسية، فهذا شيء آخر".
وتقول الصحيفة إن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تجسستا على بعضهما في السابق، وقد تسامح البيت الأبيض مع عمليات التجسس الإسرائيلية في السابق. واكتشف البيت الأبيض العملية عندما اعترضت المخابرات الأمريكية، التي كانت تتجسس على اتصالات سرية، رسالة فيها معلومات لم تأت إلا من داخل المحادثات.
ويلفت التقرير إلى أن إسرائيل أنكرت قيامها بالتجسس مباشرة على المفاوضين الأمريكيين، وقال المسؤولون الإسرائيليون إنهم حصلوا على معلوماتهم عبر وسائل أخرى، ومن ذلك التنصت على اتصالات القادة الإيرانيين، الذين تلقوا العروض الأوروبية، ومن المسؤولين الأوروبيين، خاصة من فرنسا، التي كانت شفافة مع إسرائيل حول النقاشات المغلقة التي أجرتها مع الولايات المتحدة.
وتذكر الصحيفة أن نتنياهو وسفيره في واشنطن رون ديرمر وجدا أن الفرصة لزيادة الضغط على أوباما تضيق قبل نهاية الموعد النهائي في شهر آذار/ مارس الحالي، بحسب مسؤول إسرائيلي.
ويوضح التقرير أن كلا من نتنياهو وديرمر وجدا أن أفضل وسيلة لزيادة الضغط على الرئيس الأمريكي هي القيام بعمليات لوبي داخل الكونغرس، بهدف قتل الصفقة المتوقعة، أو إعادة تشكيلها بطريقة تخدم إسرائيل. وكانا يعرفان أن محاولتها ستغضب البيت الأبيض، وتؤثر على العلاقات بينهما، لكنهما قررا أن هذا ثمن يستحق المجازفة.
علاقات سيئة
وتورد الصحيفة أن مسؤولين في إدارة أوباما وصفوا محاولات نتنياهو وديرمر بأنها طريقة قاسية، وقال مسؤول: "يشعر البعض بأنه تم بيعهم"، مضيفا أن "على الإسرائيليين أن يحذروا؛ لأن الكثير من الأشخاص لن يكونوا الآن مع هذه الإدارة، ولكنهم سيكونون مع الإدارة المقبلة".
ويفيد التقرير بأن العلاقة بين أوباما ونتنياهو كانت سيئة طوال سنواته في البيت الأبيض، لكنها ساءت أكثر عندما قرر أوباما الدخول في مفاوضات مع الإيرانيين عام 2012. ولم يخبر الرئيس الأمريكي الإسرائيليين؛ خشية أن يتم تسريب المعلومات، ما يعني تعطيل المفاوضات. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن إسرائيل جاءت على رأس قائمة الدول التي تتجسس على الولايات المتحدة، إلى جانب الصين وروسيا وفرنسا.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي رفضه للاتهامات، وقال إنها "غير صحيحة، دولة إسرائيل لا تتجسس على الولايات المتحدة أو حلفاء إسرائيل الآخرين". وأضاف أن هدف هذه الاتهامات هو "الإضرار بالعلاقات القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتعاون الأمني بينهما".
ويورد التقرير أن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، يقولون إن إسرائيل خفضت من عمليات استهداف المسؤولين الأمريكيين، بعد سجن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد؛ لنقله معلومات حساسة إلى إسرائيل.
وتستدرك الصحيفة بأنه مع ذلك، يعترف المسؤولون بعمليات تقوم بها أجهزة الاستخبارات للتجسس على اتصالات بين الولايات المتحدة وأطراف مستهدفة من إسرائيل، بينها إيران.
وينقل التقرير عن مسؤول مطلع قوله إنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا تندهش من هذا؛ لأنها هي التي ساعدت إسرائيل على تركيب نظام التنصت على الاتصالات الحساسة بين المسؤولين الإيرانيين الكبار.
الاستخبارات الأمريكية تراقب
وتشير الصحيفة إلى أنه مع تقدم المحادثات السرية في عام 2013، قامت الاستخبارات الأمريكية بمراقبة الاتصالات الإسرائيلية لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل تعرف بالمحادثات السرية، خاصة أن أوباما لم يخبر نتنياهو بالمحادثات حتى أيلول/ سبتمبر 2013.
ويكشف التقرير عن أن مسؤولين إسرائيليين قالوا إنهم علموا بالمحادثات من خلال قنوات أخرى. وأخبر الإسرائيليون الأمريكيين أنهم غاضبون لاستبعادهم من المحادثات. وبحسب مسؤول أمريكي، فقد تساءل مسؤولون إسرائيليون: "هل كانت تعتقد الإدارة أننا لن نكتشف؟".
وتوضح الصحيفة أن المفاوضات السرية أكدت مخاوف إسرائيل من أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تحقيق اتفاق، حتى وإن لم يخدم المصالح الإسرائيلية، مع أن مسؤولي إدارة أوباما أكدوا التزام الرئيس بمنع إيران من اكتشاف القنبلة النووية.
ويستدرك التقرير بأن السفير الإسرائيلي ديرمر بدأ بالاتصال والتأثير على المشرعين الأمريكيين، قبل أن توقع الولايات المتحدة والقوى الغربية اتفاقا مرحليا مع إيران في تشرين الأول/ نوفمبر 2013. وقرر نتنياهو وديرمر الذهاب إلى الكونغرس؛ نظرا لعدم قدرتهما على التأثير على البيت الأبيض.
وتذكر الصحيفة أن ديرمر قدم تحليلا للنواب الأمريكيين قال لهم فيه، إن العرض الأمريكي سيؤثر على نظام العقوبات المفروضة على إيران، بحسب مسؤول في الكونغرس استمع للسفير الإسرائيلي.
وتتابع الصحيفة بأنه بعد اطلاع البيت الأبيض على لقاء ديرمر، فقد أرسل مسؤولا بارزا كي يواجه ويدحض ما قاله السفير. وأكد المسؤول أن ديرمر بالغ في حديثه عن تخفيفه العقوبات بعشرة أضعاف.
ويذكر التقرير أنه عندما بدأت المحادثات من جديد في سويسرا العام الماضي، قالت الإدارة لوكالة الاستخبارات الأمريكية إن إسرائيل قد تحاول اختراق المفاوضات، وذلك بحسب مسؤول في الإدارة.
ويقول الكاتب إنه عادة ما تقوم الإدارة الأمريكية بتشارك المعلومات مع حلفائها الأوروبيين في المفاوضات، حتى يتم تنسيق المحادثات. وفي الوقت الذي تستعصي فيه الاتصالات الأمريكية على خرق الإسرائيليين، فإن الاتصالات الأوروبية ضعيفة.
وتكشف الصحيفة عن أن نتنياهو ومستشاريه الكبار حصلوا على معلومات جديدة حول المحادثات في جنيف، من المسؤولة المساعدة لوزير الخارجية ويندي شيرمان، ومسؤولين آخرين كانوا يعرفون أن الاستخبارات الإسرائيلية تحاول الحصول على معلومات لملء الفراغ في التقارير التي تصل من المسؤولين الأمريكيين.
ويلفت التقرير إلى أنه بعد ذلك، قرر البيت الأبيض وقف التقارير، وحجب المعلومات الحساسة خشية تسربها. ويقول مسؤولون إسرائيليون سابقون إن المخابرات بدأت تستهدف الاتصالات الإيرانية ودول المنطقة، التي تتواصل مع الدول المعنية بالمفاوضات.
حملة في الكونغرس
وتذكر الصحيفة أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، اطلع الإسرائيليون على الصفقة التي قدمتها الولايات المتحدة إلى إيران، التي رفضتها طهران لاحقا. وأخبر المسؤولون الإسرائيليون نظراءهم الأمريكيين أن شروط العقد لم تكن كافية.
وتضيف الصحيفة أن الأمريكيين طلبوا من إسرائيل منح المحادثات فرصة، لكن نتنياهو توصل إلى نتيجة، وهي أن الولايات المتحدة قدمت العديد من التنازلات، فيما يتمسك الإيرانيون بمطالبهم.
ويذهب التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية رفضت موقف إسرائيل، التي تتقدم بمطالب مستحيلة لن تقبلها إيران. وبحسب مسؤول بارز فقد "أكد الرئيس بوضوح مرة تلو الأخرى أن لا صفقة أفضل من اتفاق سيئ".
وتشير الصحيفة إلى أنه في كانون الثاني/ يناير أخبر نتنياهو البيت الأبيض أنه سيعارض الصفقة مع إيران، دون إبداء الأسباب. وفي 21 كانون الثاني/ يناير أعلن رئيس الكونغرس جون بوهنر أنه دعا نتنياهو إلى الكونغرس كي يلقي خطابا في الكونغرس. وفي اليوم ذاته قام ديرمر ومسؤولون إسرائيليون بزيارة الكونغرس، ولقاء نواب من أجل بناء تحالف من الحزبين يستطيع تعديل أو رفض الصفقة. ولأن نواب الحزب الجمهوري عبروا عن استعدادهم لرفض الصفقة مع إيران، فإن ديرمر ركز على نواب الحزب الديمقراطي. وقال لهم إن "الصفقة سيئة".
ويبين التقرير أن المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن آرون ساغوي، رفض أن يكون ديرمر قد شن حملة في الكونغرس. وقال ساغوي إن ديرمر كان يلتقي دائما مع نواب الحزبين؛ كي ينقل لهم مظاهر القلق الإسرائيلي من المفاوضات مع إيران. وبعيدا عن هذا، قدم ديرمر وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، وعلى مدار الأسابيع التالية، معلومات سرية، بينها تلك التي تعطي إيران حق تشغيل 6500 جهاز طرد مركزي، تستخدم لتحضير المواد النووية.
وتنقل الصحيفة عن المسؤولين الإسرائيليين قولهم إنه سيسمح لإيران بتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة "آي آر 4"، التي قد تقوم بتشغيل الطاقة على قاعدة واسعة. وكانت المعلومات التي قدمها الإسرائيليون للنواب معروفة ومتداولة بين الدول المشاركة في المفاوضات.
وعندما سئل الإسرائيليون عن الطريقة التي حصلوا فيها على المعلومات، قالوا إن مصادرهم تضم بريطانيا وفرنسا وطرقا أمنية أخرى. وأكد مسؤولون أمريكيون أن عدد أجهزة الطرد المركزي، الذي قدمه السفير للنواب، كان جزءا من المحادثات.
ردود أفعال سيئة
وتقول الصحيفة إن عمليات اللوبي التي قام بها ديرمر، وقرار نتنياهو إلقاء خطاب أمام الكونغرس، أديا إلى ردة فعل سلبية بين النواب الديمقراطيين.
وتضيف أنه في 3 شباط/ فبراير، اجتمع ديرمر مع النائب الديمقراطي عن ويست فرجينيا جوي مانشين، وأخبره أن قبول نتنياهو إلقاء خطاب في الكونغرس يعد خرقا للبروتوكول. وأخبر مانشين ديرمر أنه سيحضر كلمة نتنياهو في الكونغرس، لكنه لم يقدم التزاما بدعم أي خطوة من النواب ترفض الصفقة مع إيران.
ويشير التقرير إلى أن ديرمر حاول مع كريستين غيلبراند، النائب الديمقراطية عن نيويورك، وزار ديان فينشتاين، النائب الديمقراطية عن كاليفورنيا، والعضو الديمقراطي البارز في لجنة الاستخبارات في الكونغرس. واجتمع معها في بيتها في واشنطن، وكان يعرف أنها غاضبة من زيارة نتنياهو، وقالت فينشتاين إنها تعارض أي تشريع يسمح للنواب برفض الصفقة. ولا تحظى معارضة الاتفاق مع إيران بدعم كاف من النواب في الوقت الحالي.
وتختم "ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إن نتنياهو بدأ طريقا جديدا لتعطيل الاتفاق، فقد أرسل هذا الأسبوع وفدا إلى فرنسا، التي أبدت موقفا متشددا من المفاوضات، ورد البيت الأبيض بمد يده نحو باريس لتعطيل الجهود الإسرائيلية. ويقول مسؤول أمريكي: "لو تساءلت عما إذا حدث تحول خطير هنا.. نعم، إن أمورا كهذه تترك ندوبا".