قضايا وآراء

بين السلمية والرصاص في واقعنا الراهن!!

عبد الرحمن الدويري
1300x600
1300x600
• قالوا: لا سلمية في التّغيير!! إنما التّغيير بالنِّكاية في العدوّ، ولا يوجد حلٌّ مع الطغيان إلا قوةُ السيف والسنان، على نهج داعش والقاعدة، أما السِّلمية، فخنوع لا يليق بحاملٍ للإسلام ، كما هو الحال مع منهج الإخوان!!

• قلت نعم، صحيح، هذا لمن نظر بالعين السوداء، وكفّر المجتمع عن بكرة أبيه، واحتكر فهم الإسلام، واختطف السنة والجماعة، واجتزأ النصوص، وشوّه الميراث، وأخرج جمهور الأمة من الملّة، وعمّم الداء والعِلَّةَ، وزاد الطّين بلّة.

أما الإخوان المسلمون، فينظرون بالعين الباصرة، ويفهمون الإسلام على فهم خير القرون، غير مُتغافلين عن الواقع واختلالاته، فلا يتجاوزونه ناسين حقائقه الواقعية، ولا يُسقِطون النُّصوص على قلوبٍ سَلِمَتْ فطرتُها، واعْتَلَّتْ مَسلَكِيّاتُها وأفهامُهما، بفعل المؤامرة الخارجية، وأذنابها الداخلية، الممسكة بالزمام في مواقع التأثير!!

ومنهجُ الإخوان في الدَّم، أن يكون واحدُهم، كغُلام أصحاب الأخدود في افتداء دينه بنفسه؛ إبقاءً لعموم قومه، وتعريةً للباطل، أمام الكثرة المخدوعة رجاء صَحْوِها، أو كعبد الله المقتول لا عبد الله القاتل، درءا للفتنة، وبلاياها.

فإن بالغ الطغاة لهم بالأذى، ضاق بهم وعاء الصَّبر، جاز لهم ردُّ العُدوان بقَدْرِه على فاعله المُتعين، ردعاً له عن عدوانه، وإشعارا له بالقُدرة على الرد؛ ليُعيدَ المعتدي حساباته، كما هو حاصل في مصر اليوم، لكنهم لا يتعجّلون الردود، ولا ينزلقون لمخطط خصومهم، بأن يُشيعوا الموت في الناس خبط عشواء، فَيُعطوا لخصومهم الفرصة الذهبية، للعمل على إنهائهم، مدعومين بمُوكّليهم (الصهيوأمريكان وربائبهم في المنطقة)!!

لذا كان الإخوان هم الأخطر، وهم المستهدفون الحقيقيون في كلّ المكائد والحروب على الإسلام، لأنهم يمثلون -في فهمهم هذا للإسلام- عموم الأمة، وعلى فكرهم تربَّتِ الأجيالُ في عصر الصحوة الإسلامية، مَدى قرن من الزمان، وما داعش والقاعدة إلا السبيل، وجسر العبور، والذريعة الحاضرة لأعداء الأمة، ليدخلوا من خلالهم لوقف نبض الحياة فيها أينما نبض، بمظلة الحرب على الإرهاب، وخطر التطرف، المنحصر بكل ما هو إسلامي، حين يُقدّم مشروعًا لحل مشكلات البلاد العربية والإسلامية، بل والعالم!! وهذه هي الحقيقة المُرّة، التي يحاول البعض إخفاءها، أو الهروب منها!!

• قال: وما دليلك على زعمك هذا؟ قلت: تنظيم القاعدة أفسدَ الجهاد الأفغاني بعد استشهاد شيخ الإخوان المجاهد عبدالله عزام، فأذعروا الدنيا على الإسلاميين في بلاد الإسلام، وأعادوا بوصلة العمل الإسلامي 50 عاما إلى الوراء، خاصة بعد غزوة نيويورك، والنتيجة أنهم لجؤوا للكهوف، وهدموا ما أنجزه انتصارهم التاريخي، بهزيمة الروس بعد 20 سنة من الجهاد!!

وداعش اليوم تُفسد الثورتين الشعبيَّتين العظيمتين في العراق وسوريا، وتشوِّه وجَه الإسلام، بما ترتكبه من فظائع، لا سند لها من دين أو عُرف، أو قانون، وترتكب دول الرّدة والاستبداد أضعافها، لكنها تختفي وراء القدرة التأثيرية والإعلامية والسياسية التي تملكها، فيتّهمون الضحايا، ويُبرؤون أنفسهم من جرائم استبدادهم!!

• قال يا رجل ماذا تقول؟! قلت: سأزيدك وضوحا، وألخص المشهد، وأقرّب الصورة:

•أعلنت داعش الخلافة، ونصّبت خليفة على أكوام الجماجم، وشلال الدماء!

• بينما نصَّب الإخوان -بسلميَّتهم-  رئيسا لمصر بترحيب الشعب، في خمسة استفتاءات انتخابية صادقة.. زعيم قضى عاما كاملا لم يتقاضى راتبا، ولم يقمع أنسانا أو رأيا، ولم يتنازل عن خيارات نهضة الأمة، وشرع بها فعلا !!

• فتمّ الانقلاب على الإخوان مكيدة وتآمرا -وبتقدير وحكمة ربانية أيضا- لمزيد من الإنضاج للحالة، والتَّصفية والفرز لمكونات الأمة، للحظة حسم لا بدّ آتية، وهذا ما لم يتحقق على يد داعش والقاعدة، بل حصل ضدّه من الفتنة، واختلاط الأوراق، وضياع الحق والحقيقة!!

• بل تم تشكيل حلف صليبي عربي استبدادي -بفضل الدواعش- لِوأد نهضة الشعوب العاشقة للخلاص!! وزاد الأمر سوءا بعد مشهد القتل الفظيع للطيار الأردني، فاندفع العوامُّ بعواطفهم، وراء حلف الشؤم، في حرب على الإرهاب المصنوع، وهو في الحقيقة حلف على الأمة؛ كي لا تقوم.

• وأصبح الإخوان في نظر الدنيا -غير الرسمية- كلها مظلومين حقيقة، بينما ظل الرسميّون في حرج، وأصبح الانقلاب فضيحة وعارا وخيانة صريحة، تنادي على نفسها، لذا سينتصفُ الإخوان، وتتنصر لهم مروءة الأمة قريبا!! 

• أما داعش والقاعدة، فهما في نظر الدنيا كلِّها -الشعبيّ منها والرسميّ- ظالمون مُتطرفون إرهابيون حقيقة، وتتراجع شعبيتهم، وسينتهون قريبا أيضا، وما يُقالُ عنهم، يُقال عن الانقلاب وداعميه؛ لأنهم يَحملون مبررات انتهائهم! إلا إذا اعتدلوا، وتراجعوا وأفصحوا وبيّنوا وعدَّلوا فأقنعوا! 

وإلاّ فإنهم سيظلون -كما أثبتت التجربة- يشكلون طوق النجاة للرسمي العربي، ووكلائه في الغرب!! يستدعونه وقت الحاجة، كلما بدَرت بوادر نهضة للأمة؛ لإجهاضها من جديد، بذريعة الإرهاب، لذلك تراهم غير جادِّين في إنهاء هذه الظاهرة، أو منع أسباب تشكّلها؛ لأنهم سيحتاجونها في مرحلة جديدة، ويُسهّلون لها سُبل الظهور من جديد!! وسيأوي إليها في -كل مرة- الكثير من الطيّبين من المتحمسين لدينهم، حيث فخُّ التصفية، والسحق للعناصر الحيّة، لترتاح قوى الاستبداد، وتضمحلّ خميرة الخير في الأمة !!

 •وأذكر أنني قلت للشيخ همام سعيد المراقب العام للإخوان في الأردن، يوم مذبحة رابعة غاضبا: وإلى متى السلمية؟! فأجاب: حتى {يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين}، لو كان لنا من الأمر شيء، وقدرنا عليه لما ذهبت الثورة السورية بهذا الطريق، ولكنها مُؤامرة الروافض والأمريكان، وخذلان السنة، أفلتت بالزمام من يد الثوار لصالح الخصوم، فانتعش بشار، وتخلَّي الأهل والجار!!!

في هذه الظلال نفهم شعار الإخوان المسلمين المبدع من بديع: ‏سلميَّتنا أقوى من الرصاص، ونفهم أيضا معنى الجهاد على بصيرة، وهو ما يشكل مصدر القلق الحقيقي لأعداء الإسلام من بني الجلدة، وممن يساندهم من خصومها.

والغد لناظره قريب!!

[email protected]
10/2/2015م
التعليقات (0)