كتاب عربي 21

الأمل، فمصر، فالمشرق

تميم البرغوثي
1300x600
1300x600
اليوم كأنه جمل مخدر، أو يفيق لتوه من التخدير، يخطو في مستنقع من الدهن. في باله قاعة احتفالات، كل ضيوفها من حيوانات وحيد القرن أو عجل البحر. كلها ترتدي ملابس رسمية، وإناثها تضع على شفاهها الصبغ الأحمر.

خيبات الأمل المجسدة في هذه الصورة تحتج، لأنها صورة أقرب لعالم الرسوم المتحركة، أو إذا شئتَ التأصيل التراثي، لعالم كليلة ودمنة. وخيبات آمالنا هذه الأيام، لا تحب أن تشبه بالحيوان الناطق، بل بالحديد الطائر، والقنابل الذكية، والسياسات الأقل ذكاء، ومن البديهي القول إن الأمل كلما كان كبيرا كلما كبرت خيبته، وأن طائر هذه الأمة الذي أطلقته شوارع الهاتفين بالحرية في تونس ومصر، طار عاليا وبقدر فرح الذين رأوه يعلو بقدر ألمهم حين رأوه مصاباً بألف سهم ومعلقاً في أعناقهم.

إن مهمتنا اليوم هي استعادة الأمل. إنها مسألة حياة أو موت لجيل كامل. إن الثورة تعبير عن أزمةٍ ما في المجتمع، رد فعل على ظلم، وإذا كان الظلم عنفا، ويولد بالتالي عنفا مضادا، فإن الثورة، كما في شكلها التونسي والمصري، هي أكثر أشكال العنف أناقة، عنف يعبر عن نفسه بالشعر والشعار، والهتاف في الشارع، وإذا ووجه بالرصاص فإنه يرد بالعدد. ولكن حين لا يفلح هذا الغضب في التغيير، فإنه يتحول إلى عنف مجتمعي، إلى جريمة وتفكك وانحلال، إلى مزيد من الفساد، وفي الحالات الأسوأ، يتحول إلى أكثر أشكال الإجرام عمومية، الحرب الأهلية.

والحرب الأهلية المنتشرة اليوم في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وعلى وشك الامتداد إلى غيرها من البلدان تعبير عن أزمات كبرى وأسئلة لم تستطع القيادات السياسية والعسكرية لكافة اللاعبين السياسيين الرسميين وغير الرسميين الإجابة عنها. ولكنها في اعتقادي أيضا، تعبير عن اختلال في موازين القوة الإقليمية التي سببها غياب مصر عنها.

أنا ممن يرون أن قراراً ما باندلاع حرب أهلية في سوريا قد اتخذ في عدة عواصم في العالم بعد الإطاحة بحسني مبارك بساعات. كان الإخوان المسلمون في مصر على علاقة وطيدة بحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، وبحزب الله في لبنان ومن ورائهما بإيران، وكان متوقعا في أكثر من عاصمة، ومنها واشنطن، أنهم سيخلفون حسني مبارك في حكم البلاد، وأن هذا يضع إسرائيل ومنابع النفط العربي في خطر تحالف مصري إيراني. فكان لا بد لهذه العواصم أن تؤمن إسرائيل بطريقتين، الأولى، محاولة الوصول إلى صيغة للحكم في مصر تمنع الثوار من تغيير تحالفات مبارك الاستارتيجية، والثانية هي فك الحلف الإيراني العراقي السوري اللبناني الفلسطيني، قبل أن تنضم إليه مصر.

وقد ارتكب كل من الإخوان المسلمين والنظام السوري من الأخطاء الاستراتيجية ما سهل نجاح هذه الخطة بشقيها.

أما الإخوان فظنوا الشارع أضعف بكثير مما كان، ولم يلقوا بالا للرأي العام في سنتهم الأولى، واتفقوا على اقتسام السلطة في مصر مع المؤسسة الأمنية العسكرية، بحيث تحتفظ هذه الأخيرة بملف السياسة الخارجية وتضمن بقاء اتفاقية السلام مع إسرائيل والتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وأن يكونوا جزءا من الصراع الطائفي في المشرق بدلا من أن يعملوا على توحيد الأمة سنة وشيعة ضد إسرائيل، وان يستهدفوا تغييرا في دمشق قبل رام الله.

وأما النظام السوري فقرر أن يطلق النار على مظاهرات قليلة العدد، فيقتل المدنيين العزل ومنهم أطفال، بدلا من إجراء انتخابات رئاسية متعددة مراقبة دوليا في صيف ألفين وأحد عشر، معتمدا على شعبية سياسته الخارجية الداعمة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، أو الاشتباك مع إسرائيل بعد 2011 بما يمنع التوتر السياسي من الانحدار نحو حرب أهلية طائفية.

وكما أن هذا التفكك في المشرق بدأ، على الأرجح، كمحاولة استراتيجية لاحتواء الزلزال الذي حدث في مصر، فإن استعادة دور مصري فاعل قد يوقف هذا النزيف المتفاقم في المشرق، عبر توافق مصري إيراني تركي لاحتواء الكارثة العراقية السورية. ولا يمكن استعادة دور مصر إلا بتغيير جذري في قيادتها ولا يمكن تغيير قيادتها إلا باستعادة روح الأمل في التغيير الثورى السلمي بين شبابها، بدلا من امتداد وباء الاقتتال الأهلي المشرقي إليها.

واستعادة الأمل في التغيير الثوري لا تكون إلا بتغيير القيادات السياسية المعارضة التي ضيعته. إن شباب الثورة لا قيادة لهم، إنما تقودهم مجموعة من القيم، أما التنظيمات والأحزاب وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين فقد أصبح واضحا لحليفها قبل خصمها أن قيادتها ليست على قدر المسؤولية، ولا أقول الحكمة أو حسن التقدير، وأنه لا بد من قيادة جديدة للجماعة، ولا بد بعد ذلك من قيادة موحدة لكافة القوى المعارضة في مصر.

باختصار: لن يصلح شيء في مصر والمشرق ما بقيت قيادات الإخوان المسلمين في مصر وتحالفاتهم على حالها.

إنه برنامج حالم ربما، ومن لا تعجبهم آرائي يذمونني بكوني شاعراً، فليكن. ولكن السياسيين والجنرالات وضباط الأمن أوصلوكم وأوصلونا إلى هنا، فليسمح للشاعر إذن أن يقترح اقتراحا بسيطا، أن نستعيد الأمل الذي أضاعه القادة التقليديون "الواقعيون"،  بالشباب "المثاليين الحالمين"، وأن نستعيد مصر بالأمل، وأن نستعيد المشرق بمصر.
التعليقات (4)
عثمان يحيى
الأحد، 16-11-2014 01:49 ص
ما هي الخطوات الإجرائية المطلوبة؟ التعقيد الشديد للأمور الآنية والمستقبلية يعمق الخلافات، فلا يوجد الآن توافق على كيفية إزاحة المستبد، وحتى لو حصل ذلك فلا يفيد التوافق المرحلي على إزاحة آنية للمستبد دون التوافق على كيفية إدارة الأمور بعده، لأن ذلك يعيدنا إلى نفس المربع. شعار "الشعب يريد" أعلى إرادة الشعب على إرادة الثوار، فهل وجود استفتاءات وانتخابات يكفي للإطاحة بالفاسد أم أن الصندوق هو طريق عودة الفاسد؟ الإجابة تميل إلى الخيار الثاني بالنظر إلى التجارب الغربية حيث تتحالف رؤوس الأموال لإضعاف صوت الشعب الرافض للحروب والانتهاكات والاغتيالات والتعذيب والتحالف مع الأنظمة المستبدة، وللتأثير بقوة الإعلام في العقول لدفع الشعوب إلى اختيارات محددة، ولاستخدام القضاء لإزاحة الخصوم عبر الدسائس واستغلال الثغرات والأخطاء القديمة. التغيير عبر الصندوق يستلزم وقتا طويلا وإعدادا سليما وتنظيما جيدا ونقدا ذاتيا ووضوحا منهجيا واحتراما تاما للمبادئ مهما كانت إغراءات قوى الداخل والخارج الاقتصادية والعسكرية والإعلامية وتهديداتها. اللاعب الشريف ضعيف عادة ويخسر في معظم المراحل الأولى عند مواجهة الخصم القوي الدنيء الذي لا يتورع عن ارتكاب الجرائم ثم يستخدم القانون المفصل على المقاس ليلاحق الشرفاء على زلات بسيطة. وهو يضرب بعضهم ببعض عند اختلاف مواقفهم. وقد رأينا ذلك عند ترشيح اثنين منهم، وعند ترشح واحد على أساس وطني وامتناع آخر على أساس قانوني. وهكذا يخسرون جميعا، ويصبح أنصار كل من هؤلاء في خصومة مع بعضهم، يرمون بعضهم بالخيانة، ويتذكرون هذه المواقف كل فترة، غافلين عن الخصم الأسوأ المستفيد من كل ذلك.
em
السبت، 15-11-2014 03:25 ص
تحليل مقبول لكن فيه اجحاف وظلم ل?خوان المسلمين الذين يعاقبون على حسن ظنهم الذي كان في غير محله عقاب هتلري فاشي من قادة الانقلاب الخونة
مهند عرسان
الجمعة، 14-11-2014 07:35 م
مجرد كلام انشائي من شاعر
مهند عرسان
الجمعة، 14-11-2014 07:34 م
مجرد كلام انشائي من شاعر