قضايا وآراء

الفاعل والمفعول به

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
من يقرأ في كتب التاريخ يجد أن التاريخ دائما يتحدث عن الفاعل..
هتلر من صنع مجدا لألمانيا، موسوليني في إيطاليا، نابليون بونابرت من قاد حملة فرنسية على الشرق، وحتى في التاريخ الإسلامي يتحدث عن صلاح الدين وانتصاره في حطين، يتذكر دخول عمر بن الخطاب إلى القدس الشريف.

وحتى في اللغة العربية الفاعل يبقى مرفوع الراس اعرابا وبلاغة وادبا ، وفي السياسة ايضا من يستطيع تغيير المعادلة هو من يمتلك ادوات الفعل ولا يكون ابدا المفعول به صاحب وزن سياسيا او حتى شعبيا.

قد تغلبك الاحداث وتعلو عليك الامواج وتتوالى عليك الضربات فتنتقل من خانة الفاعل الى خانة المفعول به اضطراريا ولفترة محدودة ، ولكن الكارثة تتلخص في محاولتك بان تسوق لنفسك ولقواعدك ودوائرك المبررات بانك مفعول به وتاتي بامثلة من هنا ونماذج من هناك لتثبت للجميع ان ما يحدث هو مرحلة طبيعية تمر بها الامم وان ما حدث لك هو امتداد طبيعي لطريق المحن والابتلاءات التي لم تتعلم منها كيف تنتقل من خانة المفعول به الى خانة الفعل.

سنوات طوال مرت وانت تعيش في خانة المفعول به وطيلة هذه السنوات تتلقى الضربات تلو الضربات وتمر المحنة تلو المحنة وفي كل مرة تبقى وتظل في نفس الخانة مفعولا بك من قبل قوى محلية واقليمية ودولية ، لم تمتلك المبادرة ولو لمرة واحدة كي تنتقل لمربع الفعل ، حتى في نزولك للثورة منذ بدايتها ترددت ان تكون فاعلا ، في صراعك مع العسكر لم تواجهه واجبرك ان تظل في خانة المفعول به ، في مشاركتك في انتخابات برلمانية بتحالفات انت تعلم انها ستضربك في ظهرك ، في تعاملك مع قوى ثورية كانت في مربع الفعل وقتها وبقيت انت في مربع المفعول به ، حتى عند قرارك بصدارة المشهد عن طريق الصندوق تعاملت منذ اللحظة الاولى وكانك مفعولا به فكانت المبررات والبراهين والادلة ان المواجهة صعبة وان التركة ثقيلة ، وان قرار النزول جاء بعد التهديد بحل البرلمان وان المجزرة كانت آتية لا محالة ثم تم حل مجلس الشعب بالفعل وتمت المجزرة بل قل المجازر ولا زالت.

طوال عام كامل من صدارتك للمشهد لم تكن فاعلا وانما فعل بك فكنت مفعولا به طيلة الثلاثة مائه وخمسة وستين يوما وكانت الكارثة في استمرار تعاملك بنفس الطريقة وما مقولة الرئيس في اول يوم توليه الا شاهدا على ذلك فقد قال لاسرته وفقا لما رويته ابنته " اني ساقتل او احاكم ولن يتركوني "
ثم عام ونصف منذ انقلاب الثالث من يوليو ولم تأخذ مبادرة واحدة تجعلك في خانة الفعل تشكل التحالفات والكيانات بنفس الرموز والقيادات ، تصدر بيانات ادانة وتصعيد ثوري ولا تصعد ، تتحدث عن قضايا دولية ويتم رفضها ، تتحدث عن حراك دولي ورفض عالمي للرجل وسياسته ونظامه فيخطب الرجل في الامم المتحدة.

اكتفاؤك فقط بالفرح والتهليل بتقرير يكتب في النيويورك تايمز يتحدث عن انقلاب عسكري وانتهاكات حقوقية وغياب الديموقراطية لا يعبر عن اي انتصار لك فانت ايضا هنا مفعولا بك تنتظر الانجاز من غيرك ولا تصنعه انت.

يتم ترحيل قيادات اكبر الفصائل المعارضة للانقلاب من الدولة تلو الدولة ولا تجد لك رؤية واضحة للتعامل مع ملفات كهذه ، تتعامل مع الساسة بمنطق "هذا رفع اشارة رابعة اذا فهو يحبني ".

تنشر تصريحا لوزير من هنا ورئيس من هناك وهو يتحدث عن انقلاب عسكري فتنشره صحف تابعة لك ومواقع الكترونية لا زالت تعمل وقنوات فضائية تحاول ان تنتقل هي الاخرى من خانة المفعول به الى خانة الفاعل ، و تخرج قيادات ورموز تتحدث وتكتب تصريحات وكان الازمة انفرجت و لكن الحقيقة انك لا تزال بداخل خانة المفعول به وما هذه التصريحات الا خدمة لمصالح دول يمثلها هؤلاء المسئولين.
 
وحتى في المقولة الشهيرة التي قالها رموز المعسكر المعارض للانقلاب على مدار عام ونصف بانه يترنح الانقلاب فهنا ايضا الانقلاب فاعل وليس مفعولا به وياللعجب.

جربوا ولو لمرة واحدة ان تنتقلوا لخانة الفاعل الحقيقي ، امتلكوا ادوات الفعل ، ابتعدوا عن ردة الفعل وكفاكم رضا وقبولا لدور المفعول به فالتاريخ يصنعه الفاعلون.
 
* (إعلامي وطبيب من شباب ثورة 25 يناير ومقدم برامج على قناة مكملين)
التعليقات (0)