"تدور المفاوضات في مسارين موازيين: الأول في الأمور المتصلة بالمصالح المصرية، فيما يأتي الثاني لإرضاء
إسرائيل. وبينهما تمّ الزجّ بحماس في الزاوية".
بهذه الكلمات استهل "تسفي برئيل" محلل الشؤون العربية مقاله بصحيفة "هآرتس" تحت عنوان: "القاهرة لم تكن بعيدة هكذا عن غزة"، مستدلاً بتوفيق عكاشة مالك قناة الفراعين الذي قال: أخلع القبعة لإسرائيل.. وأقول للجيش والقيادة الإسرائيلية: أنتم أبطال".
وأضاف "برئيل": "ورغم أن لعكاشة حسابا شخصيا طويلا مع الإخوان المسلمين، الذين أغلقوا قناته خلال فترة حكمهم، غير أن كلاما مثل هذا لم يسمع علانية في مصر لعدة أجيال".
ليس هناك شك في أن الحديث الرسمي و"الشعبي" في مصر أكثر قربًا من إسرائيل عن
حماس، والقمر أكثر قربا للقاهرة عن حي
الشجاعية، لكن من السابق لأوانه الابتهاج من تغير الحديث المفروض من أعلى. فإن حديثًا كهذا يمكن أن ينقلب في لحظة واحدة، على حد قول المحلل الإسرائيلي.
ومضى "برئيل" يقول: "مصر غارقة منذ أمس في حزن قومي يشغلها أكثر من قتل أكثر من 400 فلسطيني بغزة. فقتل 22 جنديا مصريا بالقرب من الحدود الغربية على يد عصابة إرهابية لم تتضح هويتها بعد، قلص الحديث الشعبي بشأن غزة. لكن مصر تواصل التمسك بموقفها الذي يقضي بأنها وحدها، وليست تركيا أو قطر أو كلتاهما، التي ستُدِير المفاوضات الدبلوماسية لوقف إطلاق النار".
وأضاف: "تركيا وقطر ليستا وحدهما في المرمى السياسي للرئيس السيسي؛ فواشنطن هي الأخرى تلقت منه رمحًا مباشرًا، عندما أعلن السيسي عشية وصول كيري للقاهرة أنه لا ينوي حضور القمة الأمريكية- الإفريقية التي دعا إليها للقاء الرئيس أوباما، وسوف يرسل السيسي لهذه القمة التي ستعقد في 5 آب/ أغسطس رئيس حكومته إبراهيم محلب ووزير الخارجية سامح شكري".
واعتبر المحلل الإسرائيلي أن تدهور العلاقات بين القاهرة وواشنطن قد بدأ منذ زيارة وزير الخارجية جون كيري الأولى للقاهرة في 22 حزيران/ يونيو، بعد أن تخبطت الولايات المتحدة كثيرا بشأن منح السيسي الشرعية قبل الانتخابات، لافتا إلى أن هذا التدهور قد زادت حِدّته عندما أعلن السيسي عن مبادرته لوقف إطلاق النار دون استشارة الو?يات المتحدة، وبلغ التدهور ذروته عندما اتضح للسيسي أن الإدارة الأمريكية تدعم المبادرة القطرية التركية.
ومضى يقول: "حساب السيسي الثقيل مع واشنطن وقطر وتركيا لم يجمد الجهود الدبلوماسية التي استمرّت دون توقف، لكنه دفع بحماس إلى زاوية غير معروفة وجدت فيها قيادة التنظيم نفسها دون أي دعم عربي أو إيراني. فلا تجري اتصالات مباشرة مع النظام المصري وباتت معلقة الآن بقدرة الأحداث الصعبة في غزة على إحداث تحول في الرأي العام العربي والدولي- الذي لا يتحمس بسرعة".
السيف الذي تضعه مصر على رقبة حماس يمكن الشعور به أيضا في النفي القاطع من قبل متحدثين رسميين في مصر لخبر دعوة القاهرة لخالد مشعل ورفض الأخير تلبية الدعوة، فمشعل الذي يقيم في قطر ستتم دعوته للقاهرة فقط في حال موافقته على صيغة المبادرة المصرية أو أية صيغة أخرى توافق عليها مصر، على حد تأكيد الإسرائيلي "برئيل" الذي يتحدث عن ذلك بثقة مطلقة.
وذهب محلل" هآرتس" إلى أن على مشعل أن يوافق على إشراف مصر حصريًا على تنفيذ اتفاق التهدئة، وأن يتنازل عن طلب الإشراف الدولي وخاصة الأمريكي على فتح معبر رفح، لافتًا إلى أن مصر أوضحت أن فتح معبر رفح الذي يتم عبره نقل المصابين حاليًا سوف يتم بالشكل الذي يضمن عدم تدفق آلاف الفلسطينيين على مصر.
وأوضح أن باقي الشروط مثل رفع الحصار، وإطلاق سراح الأسرى، ودفع رواتب موظفي حماس عبر البنوك الفلسطينية، والسماح بالصيد وإنشاء ميناء، هي شروط تتعلق بإسرائيل- وليس لمصر نية حاليًا للحديث باسمها أو إقناعها بالموافقة.
"وفقا لذلك، اضطرت المفاوضات الدبلوماسية للسير في مسارين: الأول بين مصر وحماس في الأمور المتعلقة بالمصالح المصرية، بينما يهدف الثاني لإرضاء إسرائيل. نقطة التماس بينهما موجودة في مسألة معبر رفح، التي تتوافق الرؤية الإسرائيلية والمصرية حيالها، بينما حماس بدا وكأنها سوف تضطر للقبول بما تتفق عليه الدولتان".
وختم "برئيل" مقاله بالقول، إن حماس أثبتت في السابق، سواء أمام إسرائيل في اتفاق التهدئة عام 2012 أو في اتفاق المصالحة مع فتح، أنها تعرف في وقت الأزمة كيفية القيام بتنازلات اضطرارية للحفاظ على بقائها. السؤال هو كم من الوقت سينتظره خالد مشعل حتى يقترح صيغة معدلة للمبادرة المصرية، يمكن أن تكون مقبولة من إسرائيل ومصر وتظهر حماس وكأنها قامت بصياغة "المبادرة المنتصرة"، على حد قوله.