أوقفت إدارة مطبعة "الوسط" الحكومية بالجزائر، السبت، 28 حزيران/ يونيو، سحب ثمانية عناوين إعلامية، خاصة، لأسباب وصفتها بـ"التجارية" كما قررت إدارة المطبعة إعادة جدولة ديون 14 صحيفة أخرى، بينما أكد مالكو هذه الصحف أن من وراء وقف الطباعة أسبابا "سياسية" بالدرجة الأولى.
عاد الجدل مرة أخرى، بالجزائر، حول حدود حرية التعبير بهذا البلد، خاصة بعد تولي الرئيس بوتفليقة حكم البلاد لولاية رابعة بموجب انتخابات الرئاسة 17 نيسان/ أبريل الماضي.
وكان نشطاء حقوقيون ومدراء صحف مستقلة، حذروا مما أسموه "غلق المجال الإعلامي" و"التضييق على حرية التعبير" بالجزائر بعد تولي الرئيس بوتفليقة ولاية رابعة، متحديا
المعارضة التي وقف إلى جانبها عدد من الصحف الخاصة، منها تلك التي صدر بحقها قرار وقف الطباعة، السبت.
ولم يتسن لقراء ثمانية صحف اليوم السبت، مطالعة جرائدهم المفضلة، وخلت أكشاك تسويق الصحف من ثمانية عناوين، إثر قرار إدارة مطبعة الوسط الحكومية، الذي جاء دون سابق إنذار.
والصحف المعنية بالقرار هي : جريدتي "
الجزائر نيوز" بطبعتيها العربية والفرنسية، وجريدة "الأجواء"، و"الفجر"، و"الوسيط المغاربي"، و"الحرية"، و"لا ناسيون"، و"الصحيفة" و"إيتي ماغ".
وقال احميدة عياشي، مدير تحرير جريدتي "الجزائر نيوز" و"الجيري نيوز" ببيان، اليوم، وصل "عربي21" نسخة منه، السبت "تفاجئه بقرار وقف طباعة الصحفيتين" ووجه عياشي اتهاما صريحا لمدير شركة الطباعة، عبد القادر مشاط بما أسماه "تشويه سمعة" مؤسسته، واعتبر أن قرار المطبعة بوقف طباعة الجريدتين، لا يخلو من "الخلفية السياسية".
لكن مدير مطبعة الوسط، أكد باتصال هاتفي مع "عربي21" أن "قرار وقف الصحف الثمانية عن الطباعة، مرده أسبابا تجارية محضة، إذ على إداراتها ديون عالقة لم تسددها".
لكن احميدة عياشي، الذي سبق أن تعرضت جريدتاه لقرار مثيل في شهر أيار/ مايو الماضي، قبل أن يسمح بطباعتها من جديد، أكد لـ"عربي21"، أن "قرار منع الطباعة سياسي بالدرجة الأولى، وقد سبقته قرارات أهمها حرماننا من الإعلانات العمومية".
وتابع عياشي: "تصريحات مدير مطبعة الوسط مجرد أكاذيب معاكسة لحقيقة القرار الذي اتخذه". كما قال: "العناوين الصحفية التي سبق وأن خضعت لنفس القرار في السابق أبدى مسؤولوها النية في تسوية الديون العالقة، لكن هناك رغبة في كبح
الصحافة التي أثبتت أنها محترفة".
ويتناغم موقف عياشي مع ما ورد ببيان صحيفتيه، حيث أدان ما أسماه "محاولات بعض الدوائر نزع الطابع السياسي للقضية وإعطائها صبغة تجارية بحتة، ثم تحريض المطبعة ضدنا بعد حرماننا بطريقة انفرادية وغير مبررة من الإشهار العمومي الصادر من الوكالة الوطنية للنشر والإشهار في 14 نيسان/ أبريل 2014، دون أي إشعار أو احترام للقواعد التجارية".
وأفاد عياشي: "اتفقت إدارتنا مع إدارة شركة الطباعة، في 25 نيسان أبريل 2014، على أساس أن تمهلنا إدارة المطبعة فترة معينة من أجل تسوية الديون العالقة وهذا من أجل الحفاظ على مناصب العمال، لكن إدارة المطبعة لم تلتزم بذلك".
من جهتها، أفادت حدة حزام، مديرة صحيفة "الفجر" التي طالها قرار وقف الطباعة، السبت، أن إدارتها تترقب الثلاثاء المقبل، حكما من محكمة الاستئناف إثر دعوى قضائية رفعتها ضد إدارة شركة طباعة الوسط، مع مطبعة "الوسط". وقالت حزام، في تصريح لـ"عربي21": "إن لم تحل المشكلة سأضرب عن الطعام بداية رمضان".
وأوقفت نفس الشركة الحكومية، سحب جريدة "الفجر" في الثاني من حزيران/ يونيو، الجاري لأسباب تجارية كذلك، حسب إدارة المطبعة، لكن حزام تقول إنها "سياسية"، وأفادت أن الصحيفة التي تديرها "تدفع ثمن معارضتها للنظام".
ووجهت حزام اتهاما لمدير مطبعة الوسط، وقالت انه" ينتهج نفس الأسلوب في التعامل مع الصحف الخاصة، رغم تغير وزراء الاتصال".
وتابعت: "يظهر لي الوزير الحالي للاتصال، عبد الحميد قرين، ضعيف فهو لم يستطع توقيف مدير شركة الطباعة عند حده".
ولم يكشف عن حجم الديون المطالب تسديدها من قبل الصحف المعنية، لكن 14 صحيفة أخرى، خضعت ديونها لإعادة الجدولة بناء على اتفاقات ثنائية بين إداراتها وإدارة شركة الطباعة للوسط الحكومية.
وعادت المخاوف من التضييق على حرية التعبير بالجزائر بشكل لافت.
وقال فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في تصريح سابق لـ"عربي21": "في تقاريري السنوية حول حقوق الإنسان، كنت دوما أطلب من الرئيس بوتفليقة، ضمان أكبر لحرية التعبير وحرية التظاهر".
وأفاد قسنطيني، أن "العدالة هي الفيصل في القضايا الصحفية، فعلى العدالة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة واعتبر أن القاضي هو الضامن للحرية وعليه أن يتحلى بالشجاعة الكافية والتكوين العالي لمعالجة قضايا الصحافة".
وعلى مدى حكم بوتفليقة لثلاث فترات رئاسية بعدما اعتلى كرسي قصر "المرادية" العام 1999، ساد "فعل التجريم المتبادل" بين إعلاميين يجرمون السلطة لتضييقها على عملهم وخنقها حرية التعبير ورفضها سماع الصوت المعارض وبين سلطة تجرم الإعلاميين على أنهم يتجاوزون الخطوط الحمراء".