ملفات وتقارير

تقرير: أطفال الصومال في خطر جراء الحرب والمجاعة

أطفال الصومال وسط الحروب - (أرشيفية)
أطفال الصومال وسط الحروب - (أرشيفية)
اضطر آلاف الأطفال الصوماليين التخلي عن حلم التعلم والبحث عن عمل جرّاء الحرب والمجاعة التي تعاني منها بلادهم. 
وبحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" لعام 2011، -وهي آخر مرة جمعت فيها البيانات- تظهر أن نصف الأطفال ما بين سن الخامسة والرابعة عشر من مناطق وسط وجنوب البلاد يعملون لكسب قوت يومهم.

وفي بونتلاند وصومالي لاند، والتي كانت أكثر استقرارا من أجزاء أخرى من الصومال على مدى العقدين الماضيين، فإن أكثر من ربع الأطفال يعملون كذلك.

وعادة ما يعملون في أعمال تحتاج إلى الكثير من الجهد البدني، ويحصلون مقابل ذلك على القليل من النقود.

وأشار  تقرير نشره "آي بي إس" أعده محي الدين روبل، ونشره موقع "ميدل إيست آي"، لقصة الفتاة حليمة محمد علي (12 عاما)، التي تستيقظ الساعة الخامسة صباحا كل يوم، ولكن لا تذهب إلى المدرسة كقريناتها، بل لتبدأ عملها كحاضنة لخمسة أطفال أكبرهم سنا هو أصغر منها بسنتين فقط.

وتبدأ يومها بتجهيز الفطور، ثم توقظ الأطفال وتغسل لهم، ثم تساعدهم في ارتداء ملابسهم ليكونوا جاهزين للمدرسة العادية أو المدرسة الدينية.

وقالت حليمة إنها تعمل من الصباح إلى المساء في الطبخ والكوي ومسح الأرض وتنظيف الأطفال، وأخيرا تجهيزهم للنوم، وذلك قبل إنهاء يومها، وتقول حليمة التي لم تدخل فصلا مدرسيا أبدا إن الوظيفة متعبة.

وتحلم حليمة في أن تتهرب من مسؤولياتها، وتمسك بكتاب بدلا من ذلك، ولكن راتبها الشهري البالغ 50 دولارا يعتبر حبل نجاة لعائلتها المكونة من خمسة أفراد، حيث لا معيل للعائلة غيرها. 

وبينما كانت محاطة بأمها وأخواتها الصغار في إجازة نادرة لنصف يوم، قالت حليمة لـ"آي بي إس": "إذا أضعت يوما واحدا فقط من عملي فإن عائلتي تجوع". 

ولا شك أن عمل الطفلة يشكل عليها عبأ كبيرا، ولكنه مقارنة مع المعاناة التي مرت بها العائلة، فإن إرسال حليمة للعمل ليست نهاية العالم.

وتأتي عائلة حليمة من منطقة دينسور في مقاطعة باي في الجنوب الصومالي على بعد حوالي 266 كم من العاصمة مقديشو، وهربت عائلتها من المجاعة القاتلة عام 2011، وبالكاد نجت هذه العائلة من موت محقق أصاب حوالي ربع مليون شخص يعيشون على الرعي بسبب الجفاف الذي قضى على المناطق الريفية وقتل مئات الآلاف من رؤوس الماشية.

وعندما وصلت العائلة أخيرا إلى مقديشو، لجأت إلى مخيم مؤقت اسمه "بابادو"، والذي يعني "الإنقاذ" باللغة الصومالية، ومعهم 50 ألف لاجيء آخر، وفق الصحيفة.

في البداية وزعت على الناس مساعدات على شكل غذاء وملجأ ومساعدات طبية، ولكن عندما أعلنت الأمم المتحدة انتهاء المجاعة في شهر شباط/ فبراير 2012، تباطأت المساعدات إلى الشيء القليل. 

وتقول الصحيفة إن القليل من النازحين استطاعوا إيجاد عمل، ولكن بالنسبة للأغلبية الأمية والتي لا تتقن سوى الرعي أو تربية المواشي اضطرو إلى الخيار الوحيد الموجود وهو إرسال أطفالهم لكسب الرزق، وبأي وسيلة.

ومع أن حليمة تكون مرهقة في نهاية 17 ساعة عمل في اليوم، إلا أنها سعيدة بتمكنها من توفير لقمة العيش لعائلتها.

وقصتها تشبه العدد الكبير من قصص الآخرين من الشعب الصومالي في شرق أفريقيا، بحسب محمد عبدي مدير برنامج "صومالي بيس لاين"، وهي مؤسسة صومالية تعرّف بحقوق الأطفال، وتدافع عنها.

وقال عبدي لـ"آي بي إس" في مقابلة تلفونية: "مئات الأطفال يجلبون لمقديشو من المناطق النائية التي تعاني من الفقر المدقع والمجاعة، للعمل كخدم في بيوت الطبقة المتوسطة، ويعملون لساعات طويلة مقابل أكلهم وسكنهم وأجور زهيدة يرسلونها لعوائلهم".

ويضيف عبدي أن "المحظوظين" منهم مثل حليمة يحصل على أجره بشكل منتظم، ولكن غيرها لا تدفع لهم أجورهم القليلة لأشهر، ويقطعون تماما عن عائلاتهم، ويساء استغلالهم ويعاملون كعبيد.

ويعتقد عبدي أن العنف الدائر في الصومال والذي ابتدأ مع نشوب الحرب الأهلية عام 1991 سيساعد على بقاء نبع مستمر من عمالة الأطفال، حيث تخسر العائلات الوظائف والأمل. 

وقال: "عندما نحاول إقناع الأهل بعدم إرسال أطفالهم للعمل يطلبون منا مصدرا بديلا للرزق، ونحن لا نستطيع توفيره".

وبالإشارة إلى تقرير برنامج التطوير التابع للأمم المتحدة الصادر عام 2012، قال عبدي إن أكثر من 70% من 10.2 مليون شخص يصنفون بأنهم من ذوي الدخل المحدود، وحوالي 73% من الشعب الصومالي يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.

وتابع التقرير بأن البطالة بالصومال هي الأعلى في العالم، حيث تشكل نسبة البطالة 54% من كل الصوماليين الواقعة أعمارهم بين 15 و64 عاما.

وبالإضافة إلى كون الأطفال أكثر قابلية للاستغلال والعمل لساعات طويلة، فإن الأطفال مثل حسن عبدالله دعالي (11 عاما)، يقبضون أجورا أقل من زملائهم البالغين، بالرغم من كونهم يقومون بنفس الوظائف، بحسب التقرير. 

ويضيف التقرير أنه عندما مات والد حسن في تفجير انتحاري في مقديشو قبل عامين، ترك الولد الوحيد في العائلة المدرسة، وبدأ يعمل في ورشة تصليح للسيارات، حيث يعمل 12 ساعة في اليوم لإعالة أمه، وأختيه الصغيرتين. 

مرتديا زيه المكون من قميص أرسينال المزيت و بنطالا قصيرا مشابها، قال حسن لـ"آي بي إس" إن عمه حصل له على هذه الوظيفة كي تستطيع عائلته أن تأكل، ومع أنه يحب أن يترك العمل ويعود للمدرسة، إلا أنه يشعر بالمسؤولية تجاه عائلته.

ومع وجود فكرة التعليم الرسمي في ذاكرتة البعيدة، فأمله الوحيد هو أن يتعلم مهنة تصليح السيارات، بحسب ما جاء في التقرير. 
ولكن حسن يتقاضى أقل من بقية العمال، وأحيانا يعمل عملهم دون أن يكسب أجرا زائدا.

وقال حسن والعرق يتصبب من جبينه: "في اليوم الجيد عندما يكون هناك سيارات كثيرة للتصليح أكسب 50 شلنا صوماليا (حوالي 2.5 دولار) في اليوم، وفي الأيام السيئة أعطى غدائي فقط، وأذهب للبيت دون نقود".

وأضاف: "الكبار يكسبون حوالي 150 شلنا صوماليا (حوالي 7.5 دولار) في اليوم ويأخذون أجورهم بالقوة، ولكن أنا لا أستطيع فعل ذات الشيء، ولا يوجد من أشكو إليه، ولذلك أنتظر لليوم التالي".

ومن جهته قال المدير العام لوزارة التطوير البشري والخدمات العامة، أويس شيخ حداد، إن قانون البلاد يمنع عمالة الأطفال، وأضاف أن حكومته وقعت حديثا اتفاقية منظمة للعمل ودولية، والتي تمنع أسوأ أنواع أستغلال الأطفال.

ونقلت الصحيفة عنه قوله إن العقبات أمام تطبيق القوانين تحول دون الالتزام بهذه البنود الموجودة على الورق، وكشفت عدد من الأبحاث والدراسات أن أطفالا في الخامسة يعملون في كل القطاعات من الصناعة للبناء للزراعة.

وتابع بأنه "بالإضافة إلى استغلالهم لأهداف عسكرية لإدارة نقاط التفتيش أو القيام بعمليات انتحارية أو حمل السلاح، يمكنك رؤية الأطفال في جنوب الصومال يعملون في الشارع، يغسلون السيارات، ويلمعون الأحذية، ويبيعون القات".

وقال حداد لـ"أي بي إس": "إن الحكومة تظن أن توفير التعليم للأطفال سيساعد في القضاء على ظاهرة عمالة الأطفال، ونحن في صدد تطبيق هذه البرامج، والتي ستعود بالأطفال إلى المدارس".

وأضاف: "أطلقنا مبادرة (اذهبوا للمدارس)، والتي تهدف إلى توفير التعليم المجاني لمليون طفل"، ولكن هذه المبادرات لا تزال لم تثمر بعد، فبحسب إحصائيات "يونيسيف"، هناك 710860 طفلا مسجلا في المدارس من أصل 1.7 مليون، بسن المدارس الابتدائية.

واختتم قوله قائلا إنه "بدون خطوة قوية تكسر هذه الحلقة المفرغة التي تطيل عمر عمالة الأطفال، فإن مستقبل أطفال الصومال يبدو كئيبا".
التعليقات (1)
احمد
الجمعة، 20-03-2020 03:26 م
شوف ياخي