نشرت صحيفة الغاريان تقريرا لسايمون تسدال من طهران حول الأوضاع الاقتصادية المتردية في
إيران، بسبب
العقوبات المفروضة عليها من أمريكا والغرب، ويقول إنه بالرغم من ادعاء الزعامات الإيرانية بأن الاقتصاد الإيراني لم يتأثر بالعقوبات وأن الذهاب للمفاوضات بشأن النووي الإيراني لم تفرضه العقوبات، إلا أن الواقع يكذب ذلك.
ونقل تسدال في تقريره ما قاله صاحب محل تصليح سيارات في مركز طهران اسمه همايون، حيث قال إن الوضع الاقتصادي "ليس جيدا بالمرة، أسعار الوقود عالية. فالناس يستخدمون سياراتهم بشكل أقل، ولذلك فهي تتعطل بشكل أقل"، ويضحك همايون عندما يسأله تسدال عما إذا كانت العقوبات لها علاقة، ويقاطع ميكانيكي آخر اسمه علي قائلا: "طبعا لها علاقة.. الاقتصاد مريض، لدى أصدقائي أعمال صغيرة مثل هذا العمل، ولكن الكهرباء ارتفعت بنسبة 25% والماء ارتفع بنسبة 30% والبنزين ارتفع بنسبة 75%. كما أن الضرائب على الأعمال ارتفعت وضرائب قيمة المبيع، كما أن نسبة الفوائد تصل إلى 25%. لذلك، فإنهم لا يستطيعون الاستدانة ولا يستطيعون ترتيب أمورهم".
ويقول همايون: "أنا لا أعرف عن هذه الأمور، هذه تعود للحكومة لتقرر ولكني أحب الأمريكان، إنهم رائعون، ولا يهمني ما يقال في صلاة الجمعة".
ويعلق تسدال على استغلال صلاة الجمعة لإثارة الكراهية ضد أمريكا، ويذكر أنه قبل مقابلته لهمايون بيوم، كان آية الله أحمد جنتي يخطب الجمعة في ستاد جامعة طهران خطبة متلفزة دعا فيها إلى "اقتصاد المقاومة" التي يدعو إليها آية الله
خامنئي كسبيل لتحطيم العقوبات، وأن على إيران أن تحقق اكتفاء ذاتيا في كل المجالات. وأضاف جنتي أن أمريكا أسقطت رئيس مصر ورئيس أوكرانيا المنتخبين وعينت مكانهما من تريد، ولكن الروس أفشلوا الخطة في كييف، فهل دور إيران هو التالي؟
وفي تلك الصلاة التي يحضرها 10 آلاف مصل من طالب وجندي وبحار، والصف تلو الآخر من رجال الدين المعممين بالعمائم البيضاء والسوداء، وقف الحضور يرفعون قبضة أيديهم ويهتفون "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل".
ومع أن الموقف الرسمي للرئيس حسن
روحاني الذي وصل إلى منصبه في آب/ أغسطس الماضي، هو الإصرار على أن العقوبات التي زادت حدتها بانتظام منذ عام 2006، أثرها بسيط أو ليس لها أثر تماما، وأن المقاطعة لم تلعب دورا في دفع إيران نحو التفاوض. إلا أن الواقع في الشارع الإيراني يكذب هذا؛ فسواء في الدكاكين والكراجات والأسواق، أم البيوت، ستجد رواية غير هذا، ويتضح لك مدى الإجهاد الذي وصل إليه الشعب الإيراني.
وإن لم يكن هناك فرج قريب على شكل اتفاقية نووية، فإن النتائج الاجتماعية والاقتصادية ستكون كبيرة وسيتم اختبار نظام الحكم الفريد الذي اختلقه آية الله الخميني إلى حد الكسر.
ولذلك يبدو حماة النظام الحاليين بما فيهم خامنئي سعداء بالدور الذي يقوم به روحاني كرأس حربة وكبش فداء. وبحسب صحفي مخضرم من طهران، فإن "روحاني يواجه وضعا مشابها للرئيس السابق محمد خاتمي الذي تبعه في 2005 السياسي الشعبي المتشدد محمود أحمدي نجاد".
ويضيف الصحفي الإيراني أن روحاني تقليدي ووسطي، وليس إصلاحيا مثل خاتمي، ولكنه مثل خاتمي يحاول فرض تغيير بينما هو محاط بقوى ليست صديقة وهم من الناس الذين لا يريدون التعامل مع الغرب، ولذلك فالمتوقع أن يفشل روحاني كما فشل خاتمي من قبل.
وبحسب رجل أعمال من طهران، فالصورة أقتم حيث يتوقع أنه إذا فشلت محادثات العقوبات فإن روحاني سيكون آخر رئيس منتخب لإيران وسيتبعه حكم عسكريا.
ولكن محمد ماراندي، أستاذ الدراسات الأمريكية والأروبية في جامعة طهران، لا يرى الأمور بهذه السوداوية، بل يقول إن روحاني تدعمه المؤسسة السياسية كاملة، ولكن إن لم ينجح فسترتفع أصوات المعارضة وستزداد المواقف تجاه الغرب تشددا؛ "إذا ضغط الأمريكان كثيرا، فإما أن يجعلوا روحاني أكثر سلبية وتشككا تجاه الغرب أو أنه سيخسر، فللحفاظ على منصبه عليه أن يكون أكثر تشددا".
أما أمير محبيان، المحافظ ومؤسس حزب المفكرين الحداثيين، فيقول إنها تعتمد على توجهات خامنئي، "فالقائد ليس متفائلا بالنسبة لنتائج المفاوضات النووية ولكن ما يريد فعلا هو تحسن في الوضع الاقتصادي، والمسألة النووية هي مجرد شعار وعلامة لاكتفائنا الذاتي واستقلالنا وهي ليست بذاتها أحد مبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وأضاف محببيان أن لدى خامنئي خطة (أ) وخطة (ب)؛ فأما خطة (أ) فهي السير في المفاوضات، وإن نجحت فهذا يعني أن بإمكاننا معالجة المشاكل الاقتصادية وإن فشلت نلجأ إلى خطة (ب)، حيث سنقول إننا أبدينا مرونة ولكن المشكلة ليست من جانبنا. وفي هذه الظروف فإن لدى روحاني خيارين، إما أن يتحمل مسؤولية الفشل وهذا ما سيكلفه سياسيا، أو يهجر محاولة تطبيع العلاقات مع الغرب ويتجه إلى روسيا والصين، وهما مستثمران أساسيان في إيران.
وبرأي محبيان، فإن مثل هذه النتيجة ستشكل صفعة قوية للسياسة الأمريكية والبريطانية وستكون الفرصة التي سنحت للغرب بالتفاعل مع إيران بسبب انتخاب روحاني قد أغلقت.
ويقول تسدال، إنه لو وضعنا السياسية جانبا لوجدنا أن روحاني فقد بريقه بعد أقل عام من انتخابه، حيث فشل في تخفيض دعم الإنفاق العام ولم يستطع إقناع الإيرانيين بالتنازل عن 15 دولارا مساعدة شهرية لكل فرد دعما للحكومة، حيث رفض 92% من الشعب مناشدته. كما أنه فشل في إطلاق سراح السجناء السياسيين ومعالجة أوضاع حقوق الإنسان ونسبة الإعدام العالية في إيران.
وبحسب مسح لصحيفة الغارديان، فإن هناك حوالي 800 سجين سياسي بما في ذلك إصلاحيون معارضون وصحفيون مستقلون وكتاب ومحامون، وهم الذين يسميهم جنتي محرضين. ويعتبر منتقدو روحاني الإصلاحيون أن فشله في علاج هذه القضايا يعكس ضعفه تجاه القوى المحافظة المسيطرة.
ولكن الاقتصاد يبقى بالنسبة لمعظم الناس هو القضية الأساسية، ومع أن التضخم انخفض إلا أنه لا يزال بحدود 20% والبطالة خاصة بين الشباب بحدود 30%، والهوة بين الأغنياء والفقراء تستمر في الاتساع، وانخفض سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار بشكل كبير، ما جعل معظم البضاعة المستوردة أغلى من مقدرة الكثير من الناس. ولذلك فقد ازدهرت تجارة الذهب في غياب العملة القوية والثابتة.