نشرت مجلة "الإيكونومست" تقريرا بعنوان "المغامرة مع الموت،
الأمم المتحدة تقدم نصائح لتجنب القتل".
أليس هذا عنوانا جذابا؟ فمجلة الإيكونومست صحيفة رصينة جادة، وإدخال الأمم المتحدة في العنوان أضاف بعدا عولميا إلى هذا الإحصاءات المرعبة، ولكن ماهي هذه النصائح التي قد تجنبنا القتل؟.
النصيحة الأولى هي أن لا تعيش في أي من الأمريكيتين أو إفريقيا، لأن نسبة القتل فيهما عالية مقارنة مع بقية القارات والدول، ففي أميركا يقتل شخص من بين كل 6100 شخص، أما في إفريقيا فيقتل شخص من بين كل 8000 شخص، أي أن معيشة المرء في إفريقيا أكثر أمنا من معيشته في الأمريكتين (الشمالية واللاتينية).
أوروبا الغربية وشرق آسيا من المناطق الأكثر أمنا على حسب التقرير، أما أكثر هذه الدول سلامة وأمنا أو على الأقل لن تشعر انك معرض للقتل فيهما، فهما مملكة لخشتنشتاين الأوروبية الصغيرة وجمهورية سنغافورة التي حصل بها 11 جريمة قتل في عام 2012، أي جريمة واحدة لكل نصف مليون شخص تقريبا، قارنوا ذلك بما قلناه سابقا عن الأمريكيتين وإفريقيا.
لا تفكروا في الذهاب إلى الهندوراس التي من الواضح أن التقرير يريد أن يخبركم بان الناس يقتل بعضهم بعضا هناك، فهناك جريمة قتل تحصل بين كل 1100 شخص، قارنوا بين هذه النسبة وبين النسبة في دولة مثل سنغافورة مثلا.
النصيحة الثانية التي تجعلك أقل عرضة للقتل هو أن تكون امرأة، نعم أن تكون امرأة، هكذا جاء في التقرير، فالنساء بالمجمل يتعرضن لربع جرائم القتل التي يتعرض لها الرجال، ونصف جرائم القتل تلك التي تتعرض لها النساء بسبب الرجال القريبين منهن أو من عائلتهن، أي أن الرجال يحبون أن يقتلوا ويقتلوا، بفتح الياء في الأولى وضمها في الثانية، لكن هذه النسبة لا تنطبق على اليابان وكوريا الجنوبية، فنسبة قتل النساء تزيد لتضاهي نسبة القتل في الرجال، وقد يكون ذلك عائد إلى حصول النسوة في هاتين الدولتين على حقوقهن في المساواة مع الذكور، فالمطالبة بالمساواة مع القتلة والمقتولين ليست جيدة في كل الأحوال، وعلى النسوة الحذر من المطالبات العشوائية بالمساواة، فليس كل مساواة حسنة.
فإذا عرفنا أن أسباب القتل في دول العالم الثالث هو الفقر والفساد وسوء الأنظمة القضائية والتشريعية فإن سبب القتل في الدول المتقدمة يختلف بشكل كبير، دعوني اترك التقرير يشرح لكم ذلك.
ففي دول متقدمة مثل أستراليا وفنلندا والسويد فإن أكبر قاتل هو
الكحول، أي تلك الزجاجة الجميلة الملونة والمذهبة التي توضع على موائد الطعام وتزين البارات والمراقص ولا تكاد تختفي من شاشات التلفاز، هذه الزجاجة الجميلة عبارة عن قاتل محترف ينتظر الأمر لتنفيذ جريمة القتل في أي وقت، ففي أستراليا نصف جرائم القتل يرتكبها الكحول بكل ألوانه وأنواعه وديكوراته وتلبيسه وبهرجته ومكياجه، أما في فنلندا والسويد فإن سلاح الكحول هو أكثر الأسلحة استخداما في جرائم القتل، أي أكثر من السكين والمسدس والأحذية وما ثقل وزنه وقل ثمنه مما يستخدم في تنفيذ الجريمة.
أما الخبر السيئ فهو أن أقل من نصف جرائم القتل على مستوى العالم يتم وضع القاتل فيها خلف القضبان، أي 43% منها فقط، ولو فصلنا في هذا الرقم قليلا فسنجد أن الشرطة الأوروبية تحل ثمان جرائم قتل من بين عشرة، والشرطة الآسيوية تحل نصف جرائم القتل، وثلاثة أرباع القتلة في الأمريكيتين لا يتم القبض عليهم.
ولكن أين سوريا والعراق من هذه الإحصائية؟ أليس غريبا أن يتم إهمال أكثر الدول استهلاكا للأرواح البشرية بسبب أنظمة الحكم الحمقاء الطائفية المتطرفة؟.
قد يقول قائل إن هذا التقرير أهمل هاتين الدولتين بسبب التقارب الإيراني الأمريكي، سأتوقف عن التعليق هنا، فجرائم القتل بحق الكتاب كبيرة، والإحصاءات بها مثيرة، ولست أريد أن أكون رقما يضاف إليها.