في الواحد والعشرين من الشهر الجاري بعث الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسائل تهنئة إلى رؤساء دولة محتفلة بعيد النيروز، ونشرت وكالة الأنباء الرسمية "وفا" مضامين تلك الرسائل؛ ايران أبرز الدول المحتفلة بالمناسبة اكتفت الوكالة بإفراد خبر قالت فيه إن عباس هنأ الشعب
الإيراني بالعيد، في موقف يعكس طبيعة العلاقات غير المستقرة بين الطرفين بحسب مراقبين، فيما يرى آخرون ذلك محاولة للتقارب وكسر الجليد بين البلدين.
فإيران التي سعت للتقرب من الحركات المعارضة لعملية السلام ودعمها، والتي تجمعها مع ايران رؤية مشتركة للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما اتضح في لبنان وفلسطين من خلال حزب الله، وحركتي
حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
إلا أن العلاقة بين حماس وإيران تمر بحالة فتور جراء موقف الحركة الرافض لدعم النظام السوري في وجه الثورة السورية، بحسب ما قال مدير مركز الدراسات الإيرانية في لندن علي نوري زادة في حديث لإذاعة محلية فلسطينية؛ على الرغم -وفق حديثه- أن حماس منذ نشأتها حتى الآن تلقت دعما ماليا بلغ أكثر من ملياري دولار من إيران، فيما تتلقى حركة الجهاد الإسلامي من 100 إلى 150 مليون دولار سنويا وبشكل مستمر، ولم تتلق منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية قرشا واحدا منذ قيام الثورة الإيرانية حتى الآن.
وقال زادة: "إيران دفعت كثيرا لتقوية علاقتها مع حماس لاستخدامها كورقة لكنها لم تنجح لأن الأخيرة لديها علاقات جيدة مع قطر والسعودية والدول العربية المختلفة، ولم تعد إيران المصدر الرئيسي لتمويل حماس لذلك أصبحت إيران تنظر لحماس باعتبارها ورقة غير ناجحة".
وعلى صعيد السلطة وحركة فتح، أكد أن زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب لإيران مؤخرا، مهمة جدا في وقت كانت الاتصالات بين إيران والسلطة الفلسطينية شبه منقطعة، مشيرا إلى أنها أتت بعد تلقي السلطة إشارات إيجابية من إيران تفيد باستعداد الأخيرة لفتح صفحة جديدة مع السلطة؛ الأمر الذي أدركته القيادة الفلسطينية جيدا خلال الاتصالات التي جرت بين الطرفين في زيارة وزير خارجية إيران جواد ظريف للأردن ولبنان.
وأشار إلى أن النظام الإيراني أصبح يدرك أنه ليس بإمكان إيران التي تسعى للعب دور إقليمي، أن تنكر القيادة الفلسطينية برام الله إن أرادت التدخل على صعيد القضية الفلسطينية، كذلك معظم الإيرانيين يعتبرون أبو مازن قائدا حقيقيا للشعب الفلسطيني، بحسب زادة.
زيارة الرجوب التي أشار إليها زادة تمت الشهر المنصرم تحدث خلالها مع عدد من المسؤولين الإيرانيين من بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.
ما تسرب لوسائل الإعلام من نتائج اللقاءات هو جاهزية ايران لتقديم الدعم للسلطة الفلسطينية وحركة فتح.
وآخر زيارة للرئيس الفلسطيني لطهران كانت في الصيف الماضي، وذلك لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز، وشاب أجواء الزيارة توتر بعد الدعوة الخاصة والرسمية التي وجهتها إيران إلى رئيس الوزراء في قطاع غزة إسماعيل هنية، حيث قام عباس بالتهديد بعدم السفر إلى طهران في حال حضر هنية، حيث أنهي هذا الجدل بتراجع هنية عن نية السفر إلى طهران.
يذكر أن آخر زيارة قام بها رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل إلى طهران كانت منذ حوالي ثلاث سنوات، أي قبل بداية الثورة في سورية .
زيارات بروتوكولية
ولكن هناك من يرى أن العلاقة بين ايران والسلطة الفلسطينية تسير إلى نوع من التقارب يعززه التطورات الإقليمية وسياسة الرئيس الإيراني حسن روحان.
إلا أن أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم يرى أن لا تقارب بين الطرفين؛ موضحا في حديث مع "عربي21" أن الزيارات التي قامت بها ممثلو السلطة إلى ايران هي زيارات بروتوكولية وليست بالتنسيقية، "من الصعب أن نسميها تقارب بين الجهتين، ولهذا ليس من المتوقع ان تصمد (...) المسؤولون والدول تحاول ألا تقطع العلاقات فيما بينها، بل تحاول أن تبقي على شعرة".
وأضاف، "لم نر لهذه الزيارة أي واقع عملي على الأرض، يعني مثلا هل بعثت إيران أموالا للسلطة الفلسطينية؟ وهل السلطة تحاول دعم موقف إيران في برنامجها النووي؟ لم نر شيء من هذا القبيل، ولا زالت المواقف بين إيران والسلطة الفلسطينية متباعدة جدا بل ومتناقضة".
وقال قاسم أن إيران لا تمانع لقاء الفلسطينيين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، ولكن "ليس لديها استعداد أن تتنازل عن مبدأ مواجهة إسرائيل، أتصور أن العلاقات في ظل هذه الأوضاع لن تتطور، فضلا على ان
السلطة الفلسطينية تقع تحت ضغوط عربية وغربية هائلة بحيث أنها لا تستطيع ان تطور علاقتها مع إيران كما تشتهي".
تلاقي مصالح
واتفق الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمّالة مع قاسم، وقال لـ"عربي21": "كل ما بين السلطة الفلسطينية وإيران من تقارب هو سطحي، ولا جذور له، وسبب التقارب يرجع لدعم السلطة لنظام بشار الأسد. نقطة التلاقي هذه لا تعني أن هنالك تقاربا بين السلطة وإيران، وإنما يمكنني القول: إن هنالك تبادل مصالح".
وأضاف، "في تقديري أن العلاقة المتوترة بين إيران وإسرائيل تحول دون تحقيق أي تقارب، فإيران لا تعترف بإسرائيل، وتنظر لإسرائيل بمنظار المعادي، وهي سلاح حزب الله، بينما السلطة تعترف بإسرائيل، ولها معها علاقات أمنية واقتصادية، ومرتبطة معها باتفاقيات سياسية، وهذا كله يحول دون تطوير أي علاقة."
مؤشرات تقارب
إلا أن القيادي في حركة فتح وعضو المجلس الوطني، تيسير نصر الله، يرى عكس ذلك، معتبرا أن الأجواء السائدة في الآونة الأخيرة بين فلسطين وإيران أجواء إيجابية وتمهد لتحسين العلاقات بين البلدين، و"سياسة السلطة الفلسطينية تجاه أي دولة عربية أو إسلامية هي تعميق العلاقات تحت مبدأ عدم التدخل في شؤون تلك البلاد، وعدم السماح لها بالتدخل في شؤوننا الداخلية، بل علاقات متكافئة لخدمة مصالح البلدين".
وقال في حديث مع "عربي21": "بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية فهي دولة مهمة في المنطقة، ولديها سياسة واضحة في دعم فلسطين ومقدساتها الإسلامية، وخصصت يوماً للقدس. وهناك مؤشرات لتقارب فلسطيني إيراني، كوقف الحملات الإعلامية، وزيارة الأخ جبريل الرجوب بصفة رسمية لإيران، وقيام الأخ الرئيس أبو مازن بتهنئتها بمناسبة عيد النيروز. التقارب لصالح البلدين.
التقارب سيكون له تأثير إيجابي على السلطة الفلسطينية وعلى إيران المتهمة بالانحياز لطرف فلسطيني دون غيره".