تشهد الساحات الفلسطينية والإقليمية والدولية أصداء خلافات طفت على السطح، بين رئيس
السلطة الفلسطينية محمود
عباس والقيادي الفتحاوي السابق محمد
دحلان، بشكل لم يسبق له مثيل، من تبادل للاتهامات والشتائم وفضح للمعلوم والمستور.
الصراع على إرث ياسر عرفات قد لا يطيح بحركة
فتح فحسب، بل بمخيمات الشتات أيضا. فكيف سيكون الحال إذا انتقلت المنازلة بين محمود عباس ومحمد دحلان إلى ساحة عين الحلوة مثلا؟
لماذا فجّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس معركة داخلية في حركة فتح، في وقت يعمل فيه كوسيط في الأزمات الإقليمية؟
في قراءة لما يحدث، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، الدكتور عبد الستار قاسم، "إن المراقب يستطيع أن يرى أن القيادة الفلسطينية ما هي إلا عبارة عن صبية يتلهّون، أو هم كما تظهر أحاديثهم على شاشات الفضائيات، كنسوة يكدن لبعضهن البعض في الحارات بشكل منحدر ومخزٍ".
وأضاف قاسم لـ "عربي21 "، أن "المشكلة الحقيقية لا تكمن في هؤلاء، ولكنها في الشعب الفلسطيني الذي سمح لهؤلاء بأن يكونوا على رأسه فترات طويلة من الزمن، والأدهى أن هناك من يصفق لهم".
ولفت إلى أن أحدهما، وهو عباس، "يتكلم أمام أعضاء ما يسمى بـ(المجلس الثوري لحركة فتح)، بهذه التفاهات، فيصفقون له".
وعن مواضيع الخلاف بين الطرفين وتفاصيلها، أفاد قاسم بأن "الإسرائيليين هم الذين يعرفون كل شيء، والفلسطينيون لا يعرفون شيئا". وزاد أنهما "لا يتنافسان على قضايا وطنية أو من أجل الصالح الفلسطيني، بل إن كليهما في الخانة نفسها وينطبق عليهما ما وصفا نفسيهما به، وكلاهما كان صادقا في ما اتهم به الآخر. لكن الأمر لم يكن من أجل الوطن".
وأشار الأكاديمي الفلسطيني إلى أن "الأمريكيين لهم ضلع في كل شيء يحدث لهؤلاء وبينهم، ولعلهم يحضّرون لقيادة جديدة للسلطة الفلسطينية، وقد يكون دحلان هو البديل القادم. وفي كل الأحوال، فإن الخاسر الأكبر في القادم هو الشعب الفلسطيني".
من جهته، قال المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل لـ"عربي21"، إن هذا الملف –مع الأسف- مثير وشائك في الوقت نفسه، و"المشكلة الحقيقية تكمن في التوقيت الذي اختاره رئيس السلطة أبو مازن، فهو ليس بالمناسب إذ إنه يتزامن مع الذهاب إلى واشنطن من أجل محادثات قد تنجم عما ينفع الطرف الفلسطيني".
وأضاف أن "فتح باب الصراع داخل حركة فتح قد ينجم عنه توترات، يثيرها أتباع دحلان في أكثر من إقليم، ويُخشى أن يؤدي التصعيد إلى تهشيم حركة فتح".
وأكد عوكل أن "الموضوع هو حقيقة: من سيخلف الرئيس عباس؟".
وعن الدور الذي تلعبه السلطات المصرية التي يستخدم دحلان وسائل إعلامها ليهاجم عباس، قال عوكل: "إنه ليس من الضروري أن يكون لها دور في الخلاف، وقد يكون ذلك. لكن وسائل الإعلام شيء مختلف؛ فهي تبحث عن الإثارة في كل مكان، وقد سنحت الفرصة للإعلام المصري باستضافة دحلان في هذه الظروف، فاستغلته".
ونبه إلى أن "هذا لا يعني عدم وجود إشارات إلى أن دحلان على علاقة جيدة مع السلطات المصرية الحالية".
وأشار إلى أن "الخلافات والاتهامات بين عباس ودحلان ليست مفاجئة، وليست وليدة الساعة، بل هي قديمة، وكانت دائما مرشحة للانفجار في أي وقت".
وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قد ألقى خطابا متفجرا يوم الأربعاء الماضي (الموافق 12 آذار/ مارس)، خلال ترؤسه إحدى جلسات الدورة الثالثة عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح، المنعقد منذ الاثنين الفائت في رام الله، بمشاركة أعضائه من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن مخيمات الشتات، من بينها مخيمات لبنان، والسفير الفلسطيني في بيروت، أشرف دبور.
وشنّ عباس هجوما هو الأعنف على القيادي المطرود من "فتح" محمد دحلان، متهما إياه بالوقوف وراء اغتيال ستة من قادة فتح والسلطة الفلسطينية، ومعرفته بعملية "إسرائيل" لاغتيال قائد الجناح المسلح لحركة حماس أحمد الجعبري "واتفاقه معها على تسليمها قطاع غزة". واتهمه كذلك، بالسيطرة على 150 إلى 200 مليون دولار من صندوق الاستثمار الفلسطيني بالاشتراك مع محمد رشيد، المستشار الاقتصادي للرئيس الراحل ياسر عرفات.
وفي خطابه الذي نقله التلفزيون الفلسطيني على الهواء مباشرة، استفاض عباس في قصف ما وصفها بـ"ظاهرة دحلان"، وكل من اتهم بالارتباط بها. من هنا، كان لا بد أن يكون لبعض قادة فلسطينيي لبنان نصيب من هذا القصف.
ومن جهته، ردّ دحلان على اتهامات عباس عبر صفحته على "فيسبوك" ووصفها بأنها "نموذج متكامل من الكذب والتضليل والغباء والجهل بالواقع والأحداث الفلسطينية". وتعهد بكشف تفاصيل اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، "ولماذا أطلق الأخير لقب كرزاي فلسطين على عباس".
وصبّ دحلان جام غضبه على عباس، واصفا خطابه الأخير – الذي اتهمه فيه بالقتل والفساد المالي – بالكارثة، مشيرا إلى أن عباس دمّر فتح، ودمر السلطة، ودمّر منظمة التحرير الفلسطينية.
ووصف خطاب عباس، في حواره مع برنامج "العاشرة مساء" على قناة "دريم" المصرية مساء الأحد، بأنه انحدر إلى مستوى هابط، وبأنه مصر على تدمير حركة فتح. وقال إنه يملك ملايين الوثائق التي تدين"فساده وأولاده"، ووصفه بـ"الجنون" وبأنه "مطعون في وطنيته".
ولم يتورع دحلان عن كيل الشتائم والافتراءات في وصف عباس ومناصريه، وأطراف أخرى يكن لها العداء، كان هو (دحلان) دائم التآمر عليها من خلال الكيان الإسرائيلي وأقطار إقليمية أخرى، بحسب اعترافاته هو.