ترى صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها أن وزير الخارجية الأمريكي جون
كيري أظهر نشاطا منقطع النظير منذ وصوله للمنصب بعد فوز الرئيس باراك أوباما بولايته الثانية، وحققت دبلوماسيته بعضا من الإنجازات خاصة الإتفاق النووي مع إيران والإتفاق الكيماوي، وأظهر كذلك نشاطا على المسار
الفلسطيني- الإسرائيلي الذي ينتظر تحقيق تقدم بعد 12 زيارة للمنطقة؛ ثلاث منها في شهر واحد. وترى الصحيفة أنه رغم المخاوف لا يزال أمام كيري "حديث" طويل كي ينجز ما يريده رغم المخاطر.
وتنقل الصحيفة ما قاله وزير الخارجية الامريكي السابق جورج شولتز عندما سئل مرة ما الذي يحوّل الزيارة القادمة لواحدة ناجحة فأجاب "أنا وزير خارجية"، "سفراتي ليست ناجحة، أنا فقط أتحدث للناس"، والتحدث مع الناس أو الأشخاص هو ما يعرف عنه الكثير جون كيري، فبحلول 11 شباط/ فبراير كان قد قضى 120 يوما في رحلات خارجية وحقق أميالا تمكنه من الحصول على تذاكر مجانية تمكّنه من التجول حول العالم 11 مرة، وعلى خلاف شولتز المتواضع؛ توجد لكيري بعض النجاحات التي يمكنه التحدث عنها.
وتقول إن البشائر لم تكن جيدة عندما اختير كيري لمنصبه، فكسياسي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ظل يُنظر إليه ويقيم من خلال حملته الرئاسية الفاشلة ضد جورج بوش الابن عام 2004. ولم يكن كيري خيار أوباما الأول، فقد كان يريد تعيين سوزان رايس، ولكنه قرر التخلي عن تعيين سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة بعد الجدل الذي أحدثته تصريحاتها عقب مقتل السفير الأمريكي في بنغازي عام 2012.
واستقبل الإعلام تعيينه بدهشة "شخرة جماعية" فقد كان في الـ 69 من عمره ومعروف بغروره، وجاء تعيينه في وقت كان فيه دور الخارجية يتراجع ويستولي على مهامها البيت الأبيض، وفي وقت تراجع فيه تأثير
الولايات المتحدة.
وتقول الصحيفة إنه مقارنة مع التغطية الواسعة التي حظيت بها هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية وخروجها من المنصب، لم يلتفت الإعلام لتعيينه وتجاهل الخطاب الأول الذي ألقاه كوزير للخارجية.
ورغم ذلك فقد اندفع كيري الذي يتحدث بأكثر من لغة وابن موظف في الخدمات الخارجية، ووجد أخيرا كيري المنصب والمهمة التي يمكنه من خلالها المضي وتحقيق ما يريد بسرعة. ولهذا السبب لم يتردد في تناول ملف الشرق الأوسط الذي ظل من سبقوه خائفين ومترددين في التدخل فيه خشية تهديد مستقبلهم السياسي وتشويه سمعتهم في حالة قرروا الترشح للرئاسة. وعلى خلاف كلينتون لم يكن خائفا من الفشل حيث قال لأحد الصحافيين "بعد خسارة الرئاسة لم يبق لديك أي شيء لتخسره".
ومع ذلك كانت هناك عثرات على الطريق، وحصل على سمعة تربطه بزلات اللسان الكثيرة التي صارت تصدر عنه، وبدا في أول شهر من ولايته وكأنه يصنع دولة "كريخستان". وتعرض للإهانة من فلاديمير بوتين أثناء زيارة قام بها لموسكو لمناقشة الأزمة السورية، ثم أحرجه المسؤولون الإسرائيليون حين كشفوا أثناء زيارته عن قيام روسيا ببيع الأسلحة للرئيس السوري بشار الأسد.
ومع ذلك تقول الصحيفة إن كيري تجاهل نقاده وواصل طريقه، وفي أيلول /سبتمبر حقق صفقة مع الروس لتخلي نظام الأسد عن أسلحته الكيماوية، وحدث التطور بطريقة غريبة عندما سئل في لندن حول ماذا يجب على الأسد فعله وهو يتعرض للتهديد الأمريكي، فكانت الإجابة سريعة "يسلم كل جزء من برنامج السلاح الكيماوي للمجتمع الدولي"، وقفز الروس على هذه التعليقات وحققوا صفقة تعتبر الإنجاز الدبلوماسي الوحيد على صعيد الأزمة السورية. أما زياراته المكوكية بين إسرائيل وفلسطين، والتي وصلت الى عشر، ولقاءاته مع محمود عباس وبنيامين نتنياهو التي تمتد أحيانا لخمس ساعات وصلت نقطة تحقيق صفقة في تموز/ يوليو عندما وافقت إسرائيل على إطلاق سراح 100 معتقل فلسطيني، وأعطت نفسا جديدا للعملية السلمية المحتضرة.
وتقول الصحيفة إن النقطة العالية في جهود كيري هي تحقيق الإتفاق النووي مع إيران. وقد انتهز كيري فرصة انتخاب الرئيس الإصلاحي حسن روحاني وأمل حدوث نوع من التحسن في العلاقات بين البلدين. ومن خلال استعداده لاستقبال الوفد الإيراني أزال مخاوف الإيرانيين من أن طهران مستهدفة من الأمريكيين.
وتضيف الصحيفة أن النقاد في واشنطن قد يشيرون لسفراته الكثيرة إلى الشرق الأوسط، مما جعله لا يلتفت كثيرا للصين، وفي ظل ما يمكن اعتباره تقدما في جهود كيري، هناك إمكانية لتأجيل مؤتمر
السلام حول سورية الذي سيعقد في سويسرا هذا الشهر، ومثل هذا فشل المحادثات مع إيران، وهناك قلة ممن هم متفائلون حول العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما عادت مصر للحكم العسكري. ورغم ذلك كله "تحدث كيري كثيرا في العام الماضي"، وقد يحقق نجاحات في الربع الأخير من منصبه.
كل هذا مع أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين قالت في استطلاع أخير إنها لا تؤمن بأن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، سيحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ورفضت انسحاب إسرائيل من غور الأردن.
ووفقا لاستطلاع نشرته صحيفة "معاريف" اليوم الجمعة، فإن 80% من الإسرائيليين لا يثقون بـ كيري ومبادرته، وهم متأكدون من أنه لن يحقق السلام. وقال 73% إنهم لن يوافقوا على التنازل عن بقاء الجيش الإسرائيلي مسيطرا في منطقة الغور. وعارض 53% من الإسرائيليين اتفاق سلام يستند إلى إبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية مع تبادل سكان وأراضٍ، بحيث يتم نقل السيادة على منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية والاعتراف بيهودية إسرائيل وانسحاب تدريجي من غور الأردن .ولفتت الصحيفة إلى أن هذا المعطى يعني أن غالبية الإسرائيليين لن يوافقوا على اتفاق في حال طرحه في استفتاء شعبي. وتبين من الإستطلاع أن 46% من مصوتي حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف سيؤيدون اتفاق سلام كهذا، خاصة أنه يشمل نقل المثلث وسكانه العرب إلى سيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية، علما أن قادة هذا الحزب يعارضون المفاوضات مع الفلسطينيين ويرفضون قيام دولة فلسطينية.