تُسابق
الفلسطينية إنعام حسن الزمن لتوفير أغطية وملابس شتوية لأطفالها الثمانية الذين يفترشون الأرض في خيمة متداعية قرب ميناء
غزة المدمر، لكن جهودها تصدم في واقع صعب، حيث الفقر المدقع والحصار المشدد الذي أدى إلى شح في المستلزمات والبضائع، وغلاء فاحش لما يتوفر منها في الأسواق.
تذرف حسن دموعا حارة أثناء حديثها لمراسل "عربي21" من أمام خيمتها التي لا باب لها يحميها وأطفالها من تسلل نسمات البرد القارس في الصباح الباكر وجوف الليل، خصوصا في هذا الوقت من العام في غزة، والتي تتهيأ لدخول فصل
الشتاء.
اظهار أخبار متعلقة
تقول النازحة التي فقدت زوجها في قصف للاحتلال خلال الحرب، إنها بحثت مطولا عن أغطية (حرامات) لتدفئة أبنائها ليلا من البرد الذي يضرب خيمتها القريبة من البحر، لكنها تفأجات بأسعارها العالية، ما دفعها للجوء إلى جارتها في الخيمة المجاورة "أم سعيد" التي أعطتها "حرامين" على أن تعيدهما بعد أن تتدبر أمرها.
خوف من شتاء قاس
ولم تقف المعاناة عند هذا الحد، بل إن شح الملابس الشتوية تؤرق
النازحين في الخيام داخل القطاع، ومن بينهم "إنعام حسن" التي لا تستطيع أيضا توفير ملابس شتوية ثقيلة لأطفالها، وسط خشيتها من شتاء صعب في خيمتها التي لا تقوى على مواجهة ظروف الطقس الصعبة التي ستحل على غزة خلال الأسابيع القليلة القادمة.
ويتشارك النازح أحمد البراوي نفس الظروف الصعبة، إذ يسعى جاهدا لتوفير ما يمكن من الملابس الشتوية لأطفاله الأربعة، قبل حلول الشتاء، لكنه لم يفلح حتى الآن، معبرا عن خشيته من موت أطفاله بردا، حال اشتدت قسوة المناخ خلال الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصا أنه يعيش في خيمة من القماش، لا تقي برد الشتاء أو حرارة الصيف.
اظهار أخبار متعلقة
ويشير البراوي في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه يجوب الأسواق في مدينة غزة بين الفينة والأخرى، حاملا في جيبه 150 شيكلا (حوالي 40 دولارا) استطاع توفيرها، لكنه يعود دون أن يتمكن من شراء أي ملابس بسبب الغلاء الكبير في الأسعار.
ودعا البراوي المؤسسات الإغاثية إلى العمل على توفير ما يلزم للنازحين من أغطية وملابس، خصوصا مع عدم قدرة معظمهم على شراءها من الأسواق بسبب الفقر والأوضاع المادية الاستثنائية في غزة بعد الحرب الوحشية التي توقفت في الـ11 من الشهر الماضي.
أرقام صادمة
ويعاني أكثر من مليون ونصف المليون من النازحين من شح حاد في الملابس الشتوية والأغطية والبطانيات والحرامات، نتيجة السياسة الممنهجة التي يتّبعها الاحتلال في منع دخول الإغاثة الأساسية، بما في ذلك الخيام ومواد العزل ووسائل التدفئة. وقد أصبحت أكثر من 125 ألف خيمة في القطاع غير صالحة للاستخدام بعد اهترائها بالكامل من أصل 135 ألف خيمة، بينما يمنع الاحتلال إدخال البديل، في انتهاك واضح لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
ويؤكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة في حديث خاص لـ"عربي21" إن قطاع غزة يستقبل فصل الشتاء في ظل واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم المعاصر، حيث يعيش أكثر من 2.4 مليون إنسان في ظروف تهجير قسري وإبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من 730 يوماً، وقد دمّر الاحتلال ما نسبته 90% من البنية السكنية والمرافق الحياتية، فيما تُركت أكثر من 288 ألف أسرة بدون مأوى، وتحوّلت مناطق النزوح إلى أراضٍ مكشوفة لا تقي من برد ولا مطر.
اظهار أخبار متعلقة
ويضيف الثوابتة في حديثه: "لقد سجّلنا خلال أيام حرب الإبادة الجماعية استشهاد 17 نازحاً بسبب البرد، بينهم 14 طفلاً، الأمر الذي يؤكد أنّ الاحتلال يستخدم الطبيعة نفسها كسلاح استكمالاً لسياسة التجويع والحصار التي أودت بحياة أكثر من 460 شهيداً بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم 154 طفلاً".
ويلفت إلى أن ما يواجهه "أهلنا وشعبنا في قطاع غزة ليس نقص مساعدات طارئة فحسب، بل فعل إبادة ممنهج يهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها عبر تحويل الحياة إلى بيئة طاردة وغير قابلة للعيش".
ويؤكد المسؤول الحكومي في حديثه لـ"عربي21" أن منع الاحتلال إدخال الملابس والأغطية والخيام وكل مواد الإيواء هو جريمة حرب مكتملة الأركان تهدف إلى قتل المدنيين عبر البرد والجوع والمرض وهندسة الإبادة الجماعية باستخدام كل الوسائل لتحقيق هدف الاحتلال بالقتل والإبادة، ونحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن كل ما يترتب على ذلك من خسائر في الأرواح.