سياسة عربية

كيف نظرت نخب القاهرة للثورة ولماذا أيدت الانقلاب؟

أرشيفية
أرشيفية
قال محمد المنشاوي في مقال نشره موقع "هاف بوست" إن "هدف ثورة 25 يناير 2011 كان التخلص من الدوائر الفاسدة في نظام حسني مبارك مثلما كان الهدف الإطاحة بمبارك نفسه".

واتهم المنشاوي وهو كاتب عمود في صحيفة "الشروق" ويعيش حاليا في واشنطن نخب القاهرة بشن حرب على الديموقراطية المصرية. وقال إن "النسخة الجديدة من الدستور التي تمت المصادقة عليها قبل فترة تشير إلى أن تلك الدوائر الفاسدة لا تزال حية وعاملة، حيث منحت العسكر امتيازات غير مسبوقة مع النظام القضائي الذي يخدم مصالحها. كما تشير إلى المظالم الإقتصادية التي ترتبط بالفساد وأهميتها بالنسبة للجماهير، خاصة أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء في مصر أصبحت كبيرة".

ويضيف "تعتبر هذه الفجوة محيّرة بالنسبة للكثيرين، فكيف نشأ هذا التفاوت في الدخل السنوي للأفراد في فترة بلغ فيها النمو الاقتصادي بين 2005 – 2010 نسبة 6%  وحصلت خلالها مصر على ثناء من البنك الدولي للأداء الإقتصادي العالي".

 والجواب على هذا السؤال "عند إحصائيات نخبة القاهرة، هو أن النمو الإقتصادي لا ينزل للأسفل أي لبقية المصريين ولكن يتم الإحتفاظ به لخدمة الطبقة العليا".

 ويضيف "في الوقت الذي تم فيه تهميش نخبة القاهرة أثناء حكم محمد مرسي، إلا أن هذه النخبة الصغيرة التي لا تمثل سوى نسبة صغيرة من المجتمع المصري استفادت من الفرصة لإعادة تمتين صلاتها مع الجيش من أجل تأكيد تأثيرها وعرقلة المطالب الاقتصادية للثورة".

وبحسب المنشاوي، يعيش "أفراد الطبقة العليا المصرية في عدد من الأحياء الراقية في القاهرة مثل الزمالك والمعادي والتجمع الخامس، وعادة ما يمتلك أعضاؤها عقارات؛ ليس في القاهرة فقط، ولكن أيضا على الساحل الشمالي لمصر (أي المنطقة الممتدة من غرب الإسكندرية حتى الحدود مع ليبيا) وفي منطقة البحر الأحمر، ويعيش الكثير منهم حياة غربية، فهم يبحثون دائما عن الماركات الأمريكية والغربية في اللباس والأجهزة الإلكترونية، وعادة ما لا يتجاوز الاهتمام بالغرب هذا الجانب. وهم لا يهتمون بالمباديء والقيم الغربية مثل الحكم والعدالة الاجتماعية والشفافية، وعمليات الرقابة واللامركزية".

ويضيف "ومقابل الولاء الذي أظهروه للنظام، فقد كافأهم بالمواقع البارزة؛ التنفيذية والقضائية والمواقع التشريعية التي منحتهم القدرة على مواصلة أسلوب حياتهم الخاص. فقد تم بناء وتعبيد الطرق التي تصل إلى المجمعات السكنية الجديدة، في الوقت الذي تم فيه إهمال وسائل النقل العامة وتم تجاهل تطوير الأرياف (..) وفي مناطق الساحل الشمالي والبحر الأحمر تأكد أصحاب العقارات أنها مزودة بالمياه والكهرباء ونظام المجاري الصحية، فيما يعانى الملايين من المصريين في الأرياف والأحياء العشوائية من غياب كل ذلك. وفي الوقت نفسه يستخدم أبناء الطبقة الراقية مستشفياتهم الخاصة، فيما يذهب 12 مليون مصري يعانون من مرض السكري، و14  مليون من التهاب الكبد الوبائي (نوع سي) إلى مستشفيات حكومية ذات خدمة رديئة. وفي الوقت الذي يدرس أبناء الطبقة الراقية في المدارس الفرنسية والبريطانية والأمريكية، هناك 23 مليون مصري يعانون من الأمية، وتأتي المدارس المصرية في المرتبة الأخيرة من بين 148 بلدا".

ويضيف المنشاوي في تفصيل وضع النخبة المشار إليها قائلا "بهذه الحياة المنزوية والمكتفية التي يعيشونها، فنخبة القاهرة معزولة عن بقية المجتمع، وقد تتعامل مع أفراده  باعتبارهم "الآخر". هذا الانفصال والنظرة يفسران الصدمة الثقافية التي جرّبها عدد من أبناء نخبة القاهرة عندما تسيّد البرلمان أعضاء من الإخوان المسلمين والسلفيين خلال فترة حكم مرسي. ففي هذه الفترة سخر أبناء الطبقة الراقية من هؤلاء المشرعين الذين بدوا كمواطنين فقراء جاءوا للبرلمان مباشرة من القرية".

ويقول المنشاوي "لا بد من الإشارة إلى أن ديموغرافية الإسلام السياسي في مصر تظهر أن أعضاء الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية هم في معظهم من أبناء الطبقة المتوسطة والعاملة. ولهذا رحبت نخبة القاهرة بعودة العسكر، لأنها شعرت بأن مصالحها مهددة، ولن تكون في واجهة أو مركز السلطة. وتعرف هذه النخبة أن الجيش سيعزز من الشللية وسيقوم بحماية مصالح أفرادها. ومن هنا فمعارضة النخبة هذه للإسلام السياسي، وهو الموقف العام الحالي في مصر، يجعل من الحفاظ على الوضع القائم، السياسي والاقتصادي أمرا سهلا وبدون آية معارضة شعبية له".

ويرى أن حظر الأحزاب السياسية الدينية في الدستور الذي غاب الإسلاميون عن لجنة صياغته له "علاقة بالطبقة، كما هو متعلق بالدين".

ويرى المنشاوي أن "تعزيز المساواة في مجالات مثل التعليم والصحة والوظائف واللامركزية يتطلب عمليات دمقرطة لمصر، فطالما اختفت السياسة المحلية في مصر- أي أن أي عمل عام في أسيوط والمنوفية والمناطق الحضرية لا يمكن البدء به دون المصادقة عليه من القاهرة- فسيتواصل تجاهل مطالب ثورة 2011. لقد حصَّنتهم عزلتهم وحصلوا من خلالها على أحسن أنواع الخبز، وحصلوا على حرية من خلال مناصبهم سواءً في القطاع العام أم الخاص، وبغياب العدالة الإجتماعية فوجودهم الحر سيستمر نظرا لوضعيتهم في المجتمع المصري".

ويضيف الكاتب "لم يكن مستغربا عودة نخبة القاهرة للظهور في العلن منذ انقلاب تموز/ يوليو. وعاد الأكاديميون الذين عينتهم الدولة للمشهد السياسي من أجل الدفاع عن أجندة الأغنياء. وقد غاب هؤلاء منذ الإطاحة بنظام مبارك، لكنهم عادوا الآن إلى الدفاع عن الدولة المركزية من خلال الكتابة عن حاجة المصرييين "لحماية الدولة" و"احترام مزاياها".

وينتهي الكاتب إلى القول "لقد أظهرت لنا مطالب ثورة عام 2011 أن القضية لم تكن أبدا تتعلق باحترام الدولة، بل بالناس الذين تُركوا بدون حماية، ولم يتم الإهتمام بهم نتيجة لغياب البنية السياسية اللامركزية. ولهذا فأمل تحقق الديمقراطية في مصر يظل ضعيفا طالما ظل صوت الناس  خارج القاهرة مهمشا وللمرة الثانية".
 
التعليقات (0)