مدونات

السيسي والاتحاد الأوروبي: شراكة الخنوع أم صفقة على حساب اللاجئين وحقوق الإنسان؟

سعد الغيطاني
"لا يستحق نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي التبرير أو غضّ الطرف عن سجله في قمع المعارضين والصحافة والنشطاء"- الرئاسة المصرية
"لا يستحق نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي التبرير أو غضّ الطرف عن سجله في قمع المعارضين والصحافة والنشطاء"- الرئاسة المصرية
شارك الخبر
مقدمة

في زمن تتراجع فيه القيم الحقوقية تحت ضغط المصالح والصفقات السياسية، تأتي مبادرات الاتحاد الأوروبي الأخيرة لتصنيف دول مثل مصر كـ"بلدان آمنة" لتكشف القناع عن تسوية قاسية: أمن أوروبا بانتقاء مصلحتها على حساب معاناة البشر وبتسامح مريب مع أنظمة قمعية. هذا التبني لا يحدث في فراغ؛ بل في سياق ضغوط داخلية وأجندات يمينية وأزمات هجرة مُستغلة سياسيا. وفي المقابل، لا يستحق نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي التبرير أو غضّ الطرف عن سجله في قمع المعارضين والصحافة والنشطاء.

لماذا تصنيف مصر "آمنة" صفعة لضحايا القمع؟

التصنيف المقترح من قِبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي يجعل من الصعب على طالبي اللجوء من مصر تبرير خوفهم من الاضطهاد، ويضع عبء الإثبات على المنكوبين فرارا من الاعتقال والتعذيب والاضطهاد السياسي. هذا القرار لا يعكس فقط قراءة ميدانية للواقع المصري، بل هو نتاج مساومات سياسية أوروبية تسعى لتقليل أعداد الوافدين بتبريرات إدارية. وقد أيدت لجان برلمانية أوروبية قائمة تضم دولا مثل مصر ضمن "بلدان المنشأ الآمنة"، وهو ما يسرع عمليات الرفض والإعادة.

السيسي: مَن يكافئ من؟

لا يمكن فصل موقف الاتحاد الأوروبي عن واقع الحالة الحقوقية في مصر: عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، وقيود على حرية التعبير، ومحاكمات جماعية تكررت في السنوات الأخيرة. تقارير من منظمات دولية وثّقت نمطا منظما من القمع والتضييق، ما يجعل توصيف "آمنة" غير مرتبط في أرض الواقع بتدابير حقيقية لإصلاح الحريات أو ضمان عدم الاضطهاد. إذن: هل نصنف مصر آمنة لأن النظام يستجيب لمطالب الخارج، أم لأنّ واقع حقوق الإنسان فيه قد تحسن؟ الأدلة الميدانية تقول العكس.

من المستفيد فعلا؟ الاتفاقات أم الضحايا؟

هناك فائدة عملية فورية للدول الأوروبية: تسهيل إجراءات الرفض، وتقليل أعباء الاستقبال، وطرد أسرع. هناك أيضا زخم سياسي داخلي يميل لليمين في عدد من العواصم الأوروبية دفع باتجاه تشديد السياسات و"قوائم آمنة" لتجفيف تيارات الهجرة. لكن ثمن هذه الكفاءة يدفعه اللاجئون والمطالِبون بالحماية؛ إذ تختصر حالتهم الإنسانية إلى خانة إدارية تُسوق على أنها "ملف للتنظيم" لا "قضية حماية". النقاش هنا ليس تقنيا فقط؛ إنه أخلاقي.

هل أنقذت أوروبا نفسها أم باعت مبادئها؟

القول بأن أوروبا "تحمي حدودها" صحيح من زاوية اختيار السياسات؛ لكن الدفاع عن القيم الإنسانية كان دائما جزءا من هويتها المعلنة. التحول الحالي إلى سياسات أكثر تشددا -بما في ذلك بناء مراكز لإعادة الترحيل وتعزيز الاعتقالات- يطرح سؤالا صريحا: هل سقطت المبادئ أمام الحسابات السياسية؟ عند سقوط المبادئ تتعرض أوروبا لخطر خسارة مصداقيتها الإنسانية، بينما تستمر الأنظمة القمعية في الحصول على شرعية عملية مقابل تسهيلات سياسية.

خاتمة

التصنيف المقترح لمصر كـ"دولة آمنة" يعكس فشلا مزدوجا: فشل أوروبي في حماية القيم التي يدّعيها، وفشل مصري في إصلاح منظومة استبدادية تمنع المواطنين من التمتع بالحقوق الأساسية. ليس الهدف تعطيل أي نقاش حول إدارة الهجرة أو حماية الحدود، لكن لا يمكن أن تكون الحلول على حساب الحق في الحياة والسلامة والكرامة. إن السماح بصفقات مصلحية مقابل الصمت على الانتهاكات هو تنازل أخلاقي يجب أن نرفضه.

سؤال للقراء:

هل يجب على دول الاتحاد الأوروبي أن تفرض شروطا حقوقية صلبة قبل الاعتراف بأي دولة كـ"آمنة" أم أن الأولوية تكون لإدارة الحدود مهما كان الثمن؟ شاركوا رأيكم ووقّعوا على حماية كرامة المدنيين من سياسات تُقدّم الكفاءة على العدالة.
التعليقات (0)