بلغت
هجمات
الدعم السريع البرية على مدينة
الفاشر 248 هجوما بحلول منتصف تشرين الأول/
أكتوبر، فضلا عن القصف المدفعي وهجمات المسيّرات المستمرة على تجمعات المدنيين
ومعسكرات النازحين والبنية التحتية للمدينة التي أصبحت بلا مستشفيات ولا مدارس؛
تمسي وتصبح على رائحة الموت، فمن لم يمت بالجوع يقتله رصاص الدعم السريع وسط الصمت
الدولي المريب.
فمنذ عام
ونصف تضرب قوات الدعم السريع حصارا كاملا على المدينة الصامدة التي أصبحت رقما
صعبا في معادلة حرب
السودان؛ سقوطها في يد التمرد يعني سيطرته على كامل إقليم
دارفور (ما يعادل ثلث مساحة السودان) وامتلاكه لكرت المناورة بالانفصال وتأسيس
دولة خطط الغرب لها، لتكون الثانية بعد جنوب السودان في مشروع تفكيك السودان إلى
خمس دويلات صغيرة، بلا إرادة، وخاضعة لخطة إعادة الاستعمار بشكله الجديد، وإن لم
تنفصل دارفور اتخذ منها الدعم السريع نقطة للهجوم على كردفان، وربما يفكر في
العودة إلى أمدرمان في ظل تدفق الإمدادات العسكرية والبشرية من كل حدود السودان.
حصار الفاشر يستخدمه داعمو التمرد وسيلة ضغط على الجيش السوداني وداعميه للقبول بالتفاوض مع الدعم السريع وإيجاد مخرج لعودته للحياة السياسية في السودان بعد وقف الحرب. والمجتمع الدولي لا يرغب في فك حصار الفاشر إلا في حال سقوطها في يد الدعم السريع أو ضمن صفقة سياسية تعيد حميدتي للسلطة
وأزمة
الفاشر الإنسانية تحولت إلى كارثة، فالناس بلا طعام أو دواء، والأطفال يموتون ليل
نهار، ويعيش الناس تحت الأرض ويموتون تحت الانقاض، فهي غزة أخرى ولكنها ليست ضمن
أولويات ترامب ولا رباعيته الدولية.
ونقلا عن
المتمسكين بالأرض داخل الفاشر، فإن قوات الدعم السريع أحاطت المدينة بالخنادق
ومنعت الدخول والخروج الا لمنسوبيها فقط، وكل من يحاول إدخال شيء إلى المدينة
فمصيره الموت.
وحتى
عندما سمحت قوات التمرد للمواطنين بالخروج من المدينة اعتدت عليهم وسحبت دماءهم
لصالح جرحاها في مستشفياتها الميدانية. ولا دواء داخل الفاشر، والمستشفيات توقفت،
وتحولت إلى حاويات حديدية بعمق متر ونصف تحت الأرض تجنبا لقصف المدفعية والمسيّرات،
وتستخدم الكوادر الطبية قماش "الناموسيات" لتضميد الجراح، ونفد عندهم حتى
طعام الحيوان، فلماذا يتفرج العالم على مأساة الفاشر ويعجز عن فك حصارها بموجب
قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة بهذا الخصوص؟ ولماذا يصمت العالم بأثره عندما
يقصف الدعم السريع تجمعا سكنيا بالمسيرات فيقتل 60 مواطنا في الحال؟
والإجابة
على هذه الأسئلة تقودنا إلى السيناريوهات المتوقعة لخطة سلام السودان التي تتبناها
الرباعية الدولية، فحصار الفاشر يستخدمه داعمو التمرد وسيلة ضغط على الجيش
السوداني وداعميه للقبول بالتفاوض مع الدعم السريع وإيجاد مخرج لعودته للحياة
السياسية في السودان بعد وقف الحرب. والمجتمع الدولي لا يرغب في فك حصار الفاشر إلا
في حال سقوطها في يد الدعم السريع أو ضمن صفقة سياسية تعيد حميدتي للسلطة؛ بعد أن
طرده الجيش السوداني من الخرطوم منذ بداية الحرب، وفشل مشروعه في حكم السودان
بالقوة. كما أن بقاء الفاشر تحت سيطرة الجيش السوداني يهدد مشروع الاستيلاء على
إقليم دارفور الغني بالمعادن والثروات التي بنى الدعم السريع ترسانته القتالية
منها، ولا تزال هذه الثروات محل مطامع دولية وإقليمية؛ بعضها ينشط في مبادرة
الرباعية والآخر يدعمها سرا وعلانية.
تحركات الرباعية المتسارعة هذه الأيام ليست سوى دليل على خيبة أملها في حسم الدعم السريع للمعركة عسكريا وإعلان الفاشر عاصمة للدولة الموازية
إلا أن
تحركات الرباعية المتسارعة هذه الأيام ليست سوى دليل على خيبة أملها في حسم الدعم
السريع للمعركة عسكريا وإعلان الفاشر عاصمة للدولة الموازية، لكن صمود الجيش
والقوات المشتركة والمستنفرين بعثر الأوراق؛ لتصبح المدينة ضمن أجندة الحل السياسي
الشامل ووقف الحرب في السودان تماشيا مع رغبة تيارات سياسية ترغب في أن تكون
الفاشر ضمن خطة متكاملة لوقف الحرب، تنتهي بتفكيك الجيش السوداني الحالي واستبداله
بجيش جديد تكون نواته قوات الدعم السريع وفصائل تقاتل الحكومة السودانية منذ سنوات
لبناء السودان الجديد.
وبالرغم
من أن مبادرة الرباعية القديمة بثوبها الجديد تجد رفضا واسعا في السودان، إلا أنها
تحاول التسلل إلى صدارة المبادرات الداعمة للسلام في السودان، متجاوزة منبر جدة
الذي يتمسك به الرئيس
البرهان وأكد عليه في زيارته الأخيرة للقاهرة بجانب القوى
السياسية الداعمة للجيش؛ أنه لا تقدم في المسار السياسي إلا وفق الشروط المطروحة
في منبر جدة: تجميع المتمردين في مناطق محددة تحت سيطرة الجيش وجمع سلاحهم تمهيدا
لدمجهم، وهو مبدأ يجد القبول عند السودانيين (الجيش الوطني الواحد)، وعدم عودة آل
دقلو للحياة السياسية التي سيقرر فيها السودانيون بعد عودتهم إلى منازلهم التي أخرجتهم
منها قوات الدعم السريع، وعدم مشاركة الإمارات في الوساطة الرباعية الدولية.