يمكن تلخيص
مبادرة ستيفاني خوري المكلفة بالبعثة الأممية
في
ليبيا سابقا، والنائبة الحالية للمبعوث الجديد، في ثلاثة عناصر: لجنة استشارية
مشكلة من ليبيين تضع مقترحا لحل
الأزمة، وحوار وطني موسع، واعتماد المخرجات
النهائية من الأجسام المعنية بذلك.
شكلت البعثة بإشراف خوري لجنة مكونة من 20
عضوا من الغرب والشرق والجنوب، مع ضم عضو عن كل مكون ثقافي (عرقي)، وتسعة أعضاء من
العنصر النسائي. قالت البعثة إنهم مستقلون، وخبراء.
فكرة اللجنة الاستشارية طرحها المبعوث
المستقيل عبدالله باتيلي، بغض النظر عما إذا كانت المبادرة من بنات أفكاره أم تم
تمريرها من طرف خارجي نافذ في الأزمة الليبية، وها هي خوري تتبنى الفكرة، والغاية
هي عدم تكرار خطة ستيفاني ويليامز التي شكلت لجنة بصلاحيات واسعة أنتجت اتفاق تونس
ـ جينيف الذي أوجد الأجسام التنفيذية الحالية، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة
الوطنية، مع حرص خوري على إضفاء لمسة ليبية على مضمون الاتفاق المأمول، وإبعاد
شبهة الوصاية وخرق السيادة.
قيدت البعثة يديها ووضعت نفسها في دائرة
الانتقاد بوضع شروط يتعذر الالتزام بها في تركيبة اللجنة الاستشارية، فاشتراط عدم
الانتماء السياسي للأعضاء لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال ضم أكاديميين ليس لهم
علاقة بالواقع السياسي الليبي البتة، وهذا ما لم تقم به البعثة، فجل أعضاء اللجنة
هم من النشطاء، وهؤلاء في الغالب أصحاب اتجاهات سياسية.
التحفظ الثاني يتعلق بمهام اللجنة
وصلاحياتها، فالمطلوب من اللجنة الاستشارية تقديم مقترحات لحلحلة كل النقاط محل
الخلاف بين أطراف النزاع، على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية
والاجتماعية، وهذا وإن كان يسهل بعض الشيء عملية التفاوض ويوفر بعض الوقت، إلا أن
الإشكال والتحدي في الأزمة الليبية هو طبيعة الاستقطاب وأسبابه ومحركاته، ومنطلقات
تلك الأطراف وأهدافها، ولأن أسباب النزاع قائمة ومستحكمة، فإن أي مقترح يمكن أن يخضع للمراجعة والتحوير بما يلائم غايات
تلك الأطراف، لنعود إلى مربط الفرس في تشخيص الأزمة ومسبباتها والمنطلق الصحيح في
معالجتها.
إن تحقيق اختراق مهم في الأزمة الليبية يبدأ من زحزحة أقطاب النزاع عن تمترساتهم التي تدور حول الفوز بأكبر نسبة من المكاسب، وفرض الإرادة المنفردة على الآخر المنازع، وقد يقع هذا من خلال ضغوط من طرف خارجي فاعل، أو هبة شعبية واسعة، أو من خلال تغيير عبر تدافع داخلي ضمن إحدى جبهتي النزاع أو كليهما.
لا أدري هل تأمل البعثة في أن تمر مقترحات
اللجنة الاستشارية دون تحوير يؤجج النزاع حول مخرجاتها، وما الذي يجعلها واثقة من
أن المقترحات يمكن أن تمرر دون جدل أو نزاع حولها، والشواهد حاضرة وعديدة على
احتمال تكرار ما وقع سابقا.
على سبيل المثال، قوانين الانتخابات التي
اتفق عليها أعضاء لجنة 6+6، والتي أعلن عنها في بوزنيقة المغربية في يوليو 2024م،
تم التعديل عليها من قبل مجلس النواب، برغم الاتفاق مبدئيا بين مجلس النواب
والمجلس الأعلى للدولة أن تكون مخرجات لجنة 6+6 نهائية ولا تقبل التعديل والتغيير.
مثال آخر هو ملف المصالحة الوطنية الذي أسند
إلى المجلس الرئاسي وفق اتفاق تونس- جنيف، فقد دخل مرحلة جديدة من التأزيم تضاف
إلى الخلاف الذي وقع بين المكونات السياسية (فبراير وسبتمبر)، حيث تدخل مجلس
النواب في مضمونه وعدل في قانونه الأمر الذي أثار حفيظة الرئاسي ليصبح هذا الملف
أحد دوائر التنازع بينهما.
أقول إنه من المهم أن يتجدد العقل المفكر
والمنتج للحلول، ومن المهم أن تبتكر المبعوثة أفكارا عبر حوارات رصينة، لكن هذه الأفكار
ستصطدم بجدار التأزيم المتمحور حول أقطاب تريد أن تكيف المشهد وفق خياراتها
ومصالحها.
وعليه فإن تحقيق اختراق مهم في الأزمة
الليبية يبدأ من زحزحة أقطاب النزاع عن تمترساتهم التي تدور حول الفوز بأكبر نسبة
من المكاسب، وفرض الإرادة المنفردة على الآخر المنازع، وقد يقع هذا من خلال ضغوط
من طرف خارجي فاعل، أو هبة شعبية واسعة، أو من خلال تغيير عبر تدافع داخلي ضمن
إحدى جبهتي النزاع أو كليهما.