كتاب عربي 21

هل ستجلس إيران إلى طاولة المفاوضات مع ترامب؟

علي باكير
عمدت إيران بعد ذلك إلى الترويج لمفهوم وحدة الساحات، أي ربط ساحات الأذرع ببعضها ببعض بحيث يزيد ذلك من قدرة الجميع الكليّة، كما أنّه يشتت العدو ويحرمه من إمكانية الرد الأحادي. (الأناضول)
عمدت إيران بعد ذلك إلى الترويج لمفهوم وحدة الساحات، أي ربط ساحات الأذرع ببعضها ببعض بحيث يزيد ذلك من قدرة الجميع الكليّة، كما أنّه يشتت العدو ويحرمه من إمكانية الرد الأحادي. (الأناضول)
خلال العامين الماضيين، كانت إيران تحضّر لاحتماليّة عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتّحدة الأولى بشكل جدّي. المواجهة الأولى مع إدارة ترامب انتهت بهزيمة مُذلّة لإيران، فالرجل دفعها إلى حافة الإفلاس التام ماليا، وشدد الخناق على أذرعها، وقام باغتيال أعظم قائد لديها، وحرمها من إمكانية الرد. لكن الأدهى من كل ذلك، أنّه بخلاف الرؤساء الأمريكيين السابقين، لم يكن بإمكان إيران تقدير موقف ترامب أو توقّع خطوته التالية، وقد حرمها ذلك من إمكانية التحضير لخطوات مضادة أو المناورة.

الولاية الأولى لترامب، أعطت الإيرانيين تصوّرا غير تقليدي عن الرجل، الأمر الذي كان يتطلب التحضير بشكل مختلف لولاية ثانية محتملة له. ومن أجل ذلك، قامت إيران بأوسع عملية دعم لأذرعها في المنطقة في عهد بايدن، مستفيدة من الانفتاح الذي أبداه الرئيس الديمقراطي ورفع العقوبات عنها وعن أذرعها، والانخراط معه في مفاوضات متقطّعة معها.

الولاية الأولى لترامب، أعطت الإيرانيين تصوّرا غير تقليدي عن الرجل، الأمر الذي كان يتطلب التحضير بشكل مختلف لولاية ثانية محتملة له. ومن أجل ذلك، قامت إيران بأوسع عملية دعم لأذرعها في المنطقة في عهد بايدن، مستفيدة من الانفتاح الذي أبداه الرئيس الديمقراطي ورفع العقوبات عنها وعن أذرعها، والانخراط معه في مفاوضات متقطّعة معها.
عمدت إيران بعد ذلك إلى الترويج لمفهوم وحدة الساحات، أي ربط ساحات الأذرع بعضها ببعض، بحيث يزيد ذلك من قدرة الجميع الكليّة، كما أنّه يشتت العدو ويحرمه من إمكانية الرد الأحادي. علاوة على ذلك، وبعد سنوات طويلة من التهديد بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، بتحضير الحوثيين لاستهداف باب المندب على البحر الأحمر، على اعتبار أنّه أقل حساسية عن مضيق هرمز، ولكنّه يوصل الرسالة نفسها.

لقد كانت غاية طهران تقوم على فرضية أنّه في حال فوز إدارة بايدن، فإنّ إيران ستكون في وضع أفضل إقليميا للتفاوض على الاتفاق النووي، وفي حال فوز ترامب، فإنّ إيران ستكون في وضع أفضل هذه المرّة لمواجهة أي تصعيد مشابه لما جرى في ولاية ترامب الأولى. عندما شنّت حماس عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر في 2023، استغلت إيران الحدث لاختبار ما تحضّرت له خلال الفترة التي سبقتها. شهدنا عمليات على مختلف الجبهات فيما وصف بـ"وحدة الساحات"، وشهدنا استخداما لأسلحة إيرانية ومسيّرات، والأهم أنّ الحوثي حظي بالفرصة المطلوبة لاختبار إمكانية وتداعيات عرقلة الملاحة في باب المندب.

ومع مرور الأشهر الأولى، بدا أنّ استراتيجية إيران تذهب في الاتجاه الصحيح، وأنّها جاهزة لسيناريو ترامب أيضا، لكن سرعان ما وقعت في خطأ في الحسابات أدى إلى سلسلة من التداعيات المدمّرة. حصل هذا عندما قررت إسرائيل قلب الطاولة على إيران وعدم الالتزام بقواعد اللعبة التي كان الإيراني وأذرعه يعتقدون أن تل أبيب ستلتزم بها، وهو الخطأ نفسه الذي وقع فيه هذا المحور أيضا في عام 2006.

بدأ الأمر بسلسلة من الاغتيالات في عدد من البلدان، بما في ذلك اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، داخل حصن من حصون الحرس الثوري في طهران، وخلال فترة تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، ومن ثم عمليات استخباراتية وهجمات غير متوقعة (كعملية البيجر ضد حزب الله في لبنان، وضرب الحوثي في اليمن). انتهت هذه المرحلة بتوجيه ضربات إلى طهران وأذرعها بشكل أدى إلى صدمة، حيث لا يزال الجانب الإيراني يجهل إلى حد كبير كيف حصلت هذه التطورات غير المتوقعة دفعة واحدة.

هذا الوضع يستلزم بحث إيران عن وقت مستقطع ومحاولات تهدئة وتخفيف التصعيد من أجل كسب الوقت اللازم لفهم ما جرى، ومحاولة ترميم استراتيجية إيران الإقليمية، التي بدا أنها انهارت بعد عقود من التخطيط والاستثمار والتنفيذ. الحاجة المُلحّة للوقت المستقطع هذا، دفع حزب الله إلى اتفاق مُذل مع إسرائيل وقد ترافق مع تصريحات لمسؤولين إيرانيين ينتمون إلى مؤسسات مختلفة، منهم من أخذ يمدح بالأمريكيين، مشيرا إلى أنّه لا مشكلة حقيقية مع الجانب الأمريكي.

في حقيقة الأمر، إن كان هناك عرض جيد، سيأخذونه على الأرجح، لكن تركيزهم سيكون بالدرجة الأولى على كسب الوقت، ومحاولة تمرير السنوات الأربع القادمة دون أن يتحولوا إلى ساحة لحرب محتملة.
ومن المسؤولين الإيرانيين من أخذ يركّز في تصريحاته على أن إيران لا تريد الحروب في المنطقة ولاسيما مع إسرائيل، ومنهم من دعا إلى إيجاد قواسم مشتركة مع الجانب الأمريكي للبناء عليها إقليميا كما حصل سابقا في العراق، وحتى إنّ شخصية مثل لاريجاني المقرّب من المرشد الأعلى قال؛ إنّه لا مشكلة في التفاوض مع الإدارة الأمريكية على اتفاق. في المقابل، بدا أنّ ترامب لا يريد من نتنياهو أن يجرّه إلى حيث لا يريد هذه المرّة، لكنّه يريد أن يستغل اندفاع إسرائيل، وكذلك ضعف إيران للتوصل إلى اتفاق جديد مع الإيرانيين.

التعبير عن هذه الرغبة علاوة على الظروف الراهنة، تشير إلى أنّ إمكانية أن يذهب الطرفان باتجاه التفاوض، لكن بدوافع مختلفة. وهنا يبرز السؤال: هل يريد الإيرانيون اتفاقا حقيقيا؟ في حقيقة الأمر، إن كان هناك عرض جيد، سيأخذونه على الأرجح، لكن تركيزهم سيكون بالدرجة الأولى على كسب الوقت، ومحاولة تمرير السنوات الأربع القادمة دون أن يتحولوا إلى ساحة لحرب محتملة. سيساعدهم ذلك، كما ذكرنا سابقا، في التقاط أنفاسهم وبناء استراتيجيتهم، أو هكذا يعتقد الإيرانيون. المشكلة ستحصل إذا ما قرر الإسرائيليون وضع ترامب في موقف صعب، أو إذا أدرك الأخير أنّ الإيرانيين يماطلون فقط من أجل كسب الوقت. وعلى أي حال، لن ننتظر كثيرا لنرى في أي اتّجاه ستسير الأمور فيما بعد.
التعليقات (0)

خبر عاجل