قضايا وآراء

بمناسبة طرح عملة "ترامب كوين"

علي القره داغي
إن الواجب على دولنا الاتجاه نحو احتواء عملات رقمية مشفرة بضوابط شرعية وقانونية واقتصادية، لحماية ثرواتنا القومية..
إن الواجب على دولنا الاتجاه نحو احتواء عملات رقمية مشفرة بضوابط شرعية وقانونية واقتصادية، لحماية ثرواتنا القومية..
بمناسبة طرح عملة "ترامب كوين".. إلى متى نظل مأسورين للفكر الأجنبي؟ ولا يستفاد من مقترحات علماء المسلمين؟ وإلى متى سيظل عالمنا الإسلامي حقلاً للتجارب وثرواتنا نهباً للغير ؟

عندما ظهرت "بتكوين" وانتشرت كتبت بحثاً علميا عام2016 م، ثم أصبح كتاباً فيما بعد نشر في دار النداء باسطنبول تطرقت فيه إلى دراسة تحليلية لـ "بتكوين" هل هي عملة؟ أم سلعة؟ أو غير ذلك، فتوصلت إلى أن شروط العملة في الشريعة، وحتى القانون غير متوافرة فيها، وأنها ليست سلعة حسب المصطلح الإسلامي لأن منافعها محصورة في المضاربات فيها، وليست لها منفعة مقصودة . لذلك أصدرت فتواى في برنامجي (فقه المال) بالجزيرة المباشر ـ بأنها محرمة تحريم الوسائل وليست تحريم المقاصد. ولكني دعوت إلى العناية بهذه التقنية الرقمية المشفرة والسلاسل الخوارزمية (بلوك تشين)، لأن لها مستقبلاً عظيماً، ومهماً ومؤثراً .

ثم اقترحت ستة مقترحات علمية قابلة للتنفيذ من أهمها:

1 ـ جولدن كوين ـ بأن تُصدر عملة رقمية مشفرة معتمدة على الذهب فعندئذ تكتسب خاصيتين عظيمتين هما: خاصية الذهب (الملجأ عند الأزمات الاقتصادية)، وخاصية الرقمية المشفرة والتقنية العالية.

2 ـ جولدن كوم كوين أقصد به أن يكون إصدار العملة الرقمية المشفرة معتمدة على 49% من الذهب و51% من السلع والخدمات، وتدخل فيها جهود القائمين بالتعدين، فتحسب أموالاً، فهذا في نظري أفضل لأن العملة في هذه الحالة لا تحتاج إلى شرط التقابض الفوري، والتماثل المشروطين في الذهب.

إن الواجب على دولنا الاتجاه نحو احتواء عملات رقمية مشفرة بضوابط شرعية وقانونية واقتصادية، لحماية ثرواتنا القومية، أو ضمان شركة بل لحماية المستثمرين في العالم، وتقديم شيء نافع له وجود فعلي، وضمان دولي، واعتراف من البنوك المركزية وأن لا يقف سعرها على المضاربات، والحماس الشعوبي ودعم سوشيال ميديا.
3 ـ أن تصدرها الدولة كعملة ثانوية تربطها بأحد منتجاتها الأساسية مثل الغاز، فنسمي غاز كوين، أو بالبترول: بتروكوين، أو نحوها، وبالتالي فإنها تمثل البترول مع التقنيات، وعندئذ تصبح سلعة نافعة من أكثر من وجه.

4 ـ أن تؤسس شركة مساهمة على أساس السلع والخدمات مع التقنيات الرقمية المشفرة وتعدّن أسهمهما رقمياً مشفرة، وهي تمثل الموجودات عندئذ، وهكذا اقترحنا عدة مقترحات أخرى منذ 1916 م ولكن مع الأسف الشديد لم تأخذ بها دولنا الإسلامية والعربية، ولو طبقنا أحد هذه المقترحات لقدمنا للمستثمرين في العالم الإسلامي، بل في العالم الأجمع خدمة استثمارية عظيمة تحمي أموالهم، وتحقق لهم أرباحاً هائلة.

فلننظر الآن إلى العملة الرقمية المشفرة التي أطلقها الرئيس الجديد لأمريكا: (ترامب) "عملة الميم" برمز  (s ترامب) وعملة زوجته ميلانا ترامب في أول يوم له بالرئاسة الأمريكية 2025/1/20م حيث وصلت قيمتها في اليوم نفسه إلى أكثر من عشرة مليارات دولار في السوق، في حين أنها لم تكلف صاحبها إلاّ مبلغاً بسيطا، فقد طرحت بأقل من عشرة دولارات، ثم تجاوزت في يوم 2025/1/20م إلى (59، 74) دولاراً، ثم انخفضت إلى 30 دولاراً في وقت متأخر من اليوم نفسه. وهي ليست عملة لأنها لم تصدرها الدولة، وليس ترامب أو زوجته ضامناً، وإنما هي عملة خاصة بالمضاربات وليست لها منافع أخرى حالها حال بتكوين.

حكم عملة ترامب وزوجته

فهذه العملة هي مثل عملة (البتكوين) وبالتالي فهي غير مشروعة، بل محرمة تحريم الوسائل، لأنها ليست عملة في حقيقتها، وليست سلعة تنفع الناس، ولا خدمة تحقق إحدى الخدمات المشروعة وأن قيمتها مرتبطة بصاحبها، وأن سعرها الذي تضاعف بشكل جنوني مرتبط بالحماس الشعوبي للناس، ودعم مواقع التواصل الاجتماعي وعمالقته لها.

إن معظم الخبراء الاقتصاديين لا يزالون يحذرون من المخاطر العالية للبتكوين، وأنها لن تكون العملة المستقبلية، أو الوسيلة الأفضل لتحقيق الأرباح،  (الجزيرة نِت تحديث 2025/1/12 م) بل إن الخبراء حذروا أيضا من عملة ترامب وزوجته، المشفرتين، حيث قالوا: إنهما سيلحقان ضررا أكثر من نفعها، حتى سموها آفة يجب التخلص منها .

التحذير من دولنا لا يكفي

إن معظم الدول العربية بما فيها الدول الخليجية تحذر من مخاطر البتكوين الاقتصادية، حيث لا تحقق أي تنمية، بل تذهب العملة الصعبة إلى خارج هذه الدول في الوقت الذي هي بأمس الحاجة إليها، والمخاطر الأمنية من حيث نقل الأموال من خلالها إلى الإرهابيين، وتمويل الانقلابات والاضطرابات، بالإضافة إلى ماسبق استعمالها في غسيل الأموال، فهذا كله صحيح لكنه لا يكفي، فالعالم مقبل بشدة على هذه العملات لعدم وجود بدائل أفضل، ولذلك فإن منهج الإسلام هوتقديم البديل قبل التحريم، فقال تعالى (وأحل الله البيع ) ثم قال: ( وحرّم الربا).

المطلوب خطوات عملية لعملات رقمية مشفرة حقيق

إن الواجب على دولنا الاتجاه نحو احتواء عملات رقمية مشفرة بضوابط شرعية وقانونية واقتصادية، لحماية ثرواتنا القومية، أو ضمان شركة بل لحماية المستثمرين في العالم، وتقديم شيء نافع له وجود فعلي، وضمان دولي، واعتراف من البنوك المركزية وأن لا يقف سعرها على المضاربات، والحماس الشعوبي ودعم سوشيال ميديا.

يجب اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ شعوبنا ومستثمرينا، بل العالم وفقاً لمنهاج الشريعة الإسلامية القائم على الملكية والتنمية والحقائق وليس مجرد مضاربات لا يستفيد منها إلا هؤلاء المضاربون (الحيتان) .
فمثلاً فإن البتكوين التي كلفت واحدة منها صاحبها أقل من 30 بينساً تجاوز سعرها اليوم حافر 100 مائة ألف دولار، ويمكن أن تصل إلى 150 ألف، وإذا نزلت إلى 50 ألف ـ مثلاً ـ فلننظر: كم خسر العالم؟ وكم خسرت ثروتنا؟

ولننظر أيضاً أن المليارديرات أصحاب العملات المشفرة، والمصدرين لها دعموا ترامب، وهو بدوره وعد بتبني هذه العملات وجعل أمريكا (عاصمة العملات المشفرة) ولذلك بمجرد فوزه ارتفعت أسعارها بواحد تريلون دولار، ويكفي أن أشير أن عملة ماسك: (قرهما غيكوين) ارتفعت بنسبة 333,1% .

واليوم تجاوزت قيمة العملات ثلاثة تريلونات، وهي عبارة عن أرقام مشفرة فقط بلغت إليها بالمضاربات، ودعم سوشيال ميديا لها، ولو أصابها هزة اقتصادية فكم يخسر العالم، ومنه عالمنا العربي والإسلامي؟ وللعالم سوابق ففي عام 2022م بلغت قيمة البيتكوين الواحدة إلى 68 ألف دولار، ثم انخفضت إلى 17 ألف دولار، فلننظر كم كانت الخسائرمؤلمة، فالحيتان الكبار هم قادرون على التلاعب بها لسحب أموال صغار المستثمرين، أو متوسطيهم إلى أموالهم الضخمة، فهم يشترون برخص، ثم يشترون ويضاربون بها، فترتفع قيمتها ثم يبيعون كمية كبيرة منها، وهكذا فنحن اليوم في عالم المقامرة والمغامرة.

وهل استفاد الفقراء حتى في هذه الدول من التريلونات الثلاثة (قيمة العملات المشفرة)؟ وهل استفادت الدول الفقيرة منها؟ وهل تحقق للعالم أي رخاء بهذه التريلونات؟ في حين لو صرفت في التنمية كم تحقق للعالم من الرخا والتقدم والنماء؟

لذلك يجب اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ شعوبنا ومستثمرينا، بل العالم وفقاً لمنهاج الشريعة الإسلامية القائم على الملكية والتنمية والحقائق وليس مجرد مضاربات لا يستفيد منها إلا هؤلاء المضاربون (الحيتان) .

ولدينا الحمد لله أكثر من ستة مقترحات قابلة للتطبيق، وليس عندنا مشكلة من عقد ورش عمل تجمع بين خبراء الاقتصاد، والقانون، والبنوك المركزية للوصول إلى ما ينفع الناس، بل إلى ما يُنقذ الناس، فالعالم يواجه تحديات كبرى أمام جشع الحيتان والهوامير المالية. ولا يمكن النجاة إلا باقتصاد قائم على الإيمان والأخلاق، والعدل والرحمة والإحسان.

*رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
التعليقات (0)

خبر عاجل