كيف يُقرأ الوضع في المنطقة العربية الإسلامية، منذ عملية طوفان الأقصى،
في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حتى اليوم؟ وكيف يُقرأ الوضع الراهن، لا سيما
مع مجيء دونالد
ترامب، ليقود هو وفريقه الولايات المتحدة الأمريكية واستراتيجيتها،
وسياساتها في المنطقة العربية الإسلامية (البلاد العربية وإيران وتركيا والقضية الفلسطينية)
للمرحلة القادمة؟
اندلعت حرب في قطاع
غزة، قادها نتنياهو وبايدن، على مدى ثلاثة عشر شهرا،
ولم تزل مستمرة، ضد
المقاومة والشعب في قطاع غزة، ثم اندلعت حرب ثانية ضد حزب الله
في لبنان، ولنقل من أيلول/ سبتمبر 2024، وانخرطت مباشرة، وغير مباشر في الحربين، كل
من إيران واليمن والمقاومة في العراق.
وانشدّت أغلب دول العالم الأخرى، لتحدّد مواقف متفاوتة من الحربين، إلى
جانب رأي عام نشط وواسع عالمي، خصوصا فيما يجري وجرى من حرب إبادة وجرائم، ومن قتل
جماعي للمدنيين، ومن تدمير شبه شامل للمعمار والبنى التحتية، وذلك من قِبَل كل من نتنياهو
وبايدن وشركائهما.
سيتولى دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، ليرث ويواصل الدور الأمريكي القيادي، في ما شنه الكيان الصهيوني من حربين عدوانيتين على قطاع غزة ولبنان، فضلا عن حربي الإبادة البشرية في غزة ولبنان، خصوصا في قطاع غزة، ممتدة إلى الضفة الغربية، بإشارات لا تخطئ في نوعها الإجرامي
والحربان ما زالتا مستمرتين، في توازن شبه استراتيجي من حيث عدم الحسم
من جهة، وبتفوّق عسكري تكتيكي ميداني من جهة أخرى، في مصلحة كل من المقاومتين في غزة
ولبنان، فضلا عن التفوّق السياسي والأخلاقي بصورة حاسمة في مصلحة المقاومتين، وذلك
في مقابل انغماس جبهة الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب في حرب إبادة؛ خارجة عن كل القوانين
الدولية والقِيَم الإنسانية والأخلاقية، وما ستجره عليهما من سلبيات مدمّرة.
ضمن هذه المعادلة في الصراع، وفي الحربين، سيتولى دونالد ترامب الرئاسة
الأمريكية، ليرث ويواصل الدور الأمريكي القيادي، في ما شنه الكيان الصهيوني من حربين
عدوانيتين على قطاع غزة ولبنان، فضلا عن حربي الإبادة البشرية في غزة ولبنان، خصوصا
في قطاع غزة، ممتدة إلى الضفة الغربية، بإشارات لا تخطئ في نوعها الإجرامي.
هنا تبرز وجهتا نظر عبّر عنهما عدد من المحللين: الأولى ترى أن الغلبة
كانت في مصلحة نتنياهو وبايدن، وسيأتي ترامب ليكرسّ ذلك، ويعيد تشكيل الوضع في
"الشرق الأوسط"، كما يريد نتنياهو وفريقه الذي يتسم بأعلى درجات التطرف
الصهيوني.
أما وجهة النظر الأخرى، فترى أن الغلبة كانت للمقاومتين في غزة ولبنان،
وأن دونالد ترامب وفريقه ورثا ضعفا محددا في الكيان الصهيوني، ميدانيا وعسكريا وسياسيا،
كما الإرباك في داخل أمريكا. وسيواجهان مشاكل ومعضلات أكبر من قدرتهما، مما يرشح ترامب
لانتكاسات وفشل، بل لا بد من إفشاله من جانب المقاومة، ومناهضي الكيان الصهيوني وأمريكا،
كما من جانب الدول التي سيحاول ترامب إذلالها، خصوصا عربيا وإسلاميا، فضلا عما سينشأ
من صراع أمريكي حاد، مع كل من الصين وروسيا، وربما أوروبا، ودول أخرى في العالم.
هذه النظرة الثانية، ترفض ما راح يُهوّل من توقعات تعتبر أمريكا والكيان
الصهيوني سيكتسحان الوضع ويعيدا رسم خريطة "الشرق الأوسط". وذلك دون أي
إشارة إلى توفر موازين قوى تسمح بذلك، أو وجود قوى يمكنها أن تقف في وجههما ناهيك عن
إفشالهما. فلا ترامب، ولا أمريكا، ولا أي طرف سياسي أو عسكري يستطيع أن يعيد رسم خرائط
منطقتنا، أو أية منطقة في العالم، ما لم يملك القوّة والتفوّق في موازين القوى، وبمستوى
يسمح بإلغاء ما يمكن أن ينشأ من معارضة ومقاومة.
لا ترامب، ولا أمريكا ولا أي طرف سياسي أو عسكري يستطيع أن يعيد رسم خرائط منطقتنا، أو أية منطقة في العالم، ما لم يملك القوّة والتفوّق في موازين القوى، وبمستوى يسمح بإلغاء ما يمكن أن ينشأ من معارضة ومقاومة
هذه النظرة لا تأخذ بعين الاعتبار أن جيش الكيان الصهيوني، ومن ورائه
الدعم الدولي الأمريكي، لم يستطيعا طوال أكثر من ثلاثة عشر شهرا أن يهزما المقاومة
في غزة، ولم يستطيعا أن يهزما المقاومة في لبنان.
ثم لم تلحظ هذه النظرة ما أورثه بايدن لترامب من أزمة داخلية، تواصلا
مع صراعه في عهده السابق ضد الدولة العميقة، وما سيواجهه من صراع معها في المرحلة القادمة،
رئيسا لأمريكا.
كما لم تلحظ ما سيواجهه من تناقض مع الصين، التي أصبحت على مشارف احتلال
موقع الدولة الكبرى رقم 1 محل أمريكا، مما يشكل كارثة للغرب كله، وسيطرته على العالم،
الأمر الذي سيربك إعطاء الأولوية لدعم الكيان الصهيوني، على حساب الخطر الأكبر الذي
يتهدد أمريكا.
إن تدقيقا بالعوامل المضادة لترامب، كما أشير إليها أعلاه، تؤكد بأن ترامب
غير قادر على تحقيق ما هو متوقع من أهدافه في سنواته الأربع القادمة، رئيسا لأمريكا.
أما تهديد ترامب بما لا تحمد عقباه، ما لم يطلق الأسرى في غزة، فيدلّ
على جهلٍ بمن يهدّدهم (مجربون 14 شهرا) ويدلّ على تفريط بحياة الأسرى، بالضرورة، مع
الذي "لا تحمد عقباه".