تقارير

لماذا تكثر الأحاديث عن قرب انهيار أمريكا مع كل انتخابات رئاسية.. ما واقعية ذلك؟

القراءات والتحليلات التي تبشر بقرب انهيار الولايات المتحدة تعبر عن رغبات وأمنيات أولئك الذين تضرروا من الولايات المتحدة وسياساتها..
القراءات والتحليلات التي تبشر بقرب انهيار الولايات المتحدة تعبر عن رغبات وأمنيات أولئك الذين تضرروا من الولايات المتحدة وسياساتها..
بين الفينة والأخرى تتردد في أوساط عربية (نخبوية وشعبية) أحاديث عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وتزداد وتيرة تلك الأحاديث مع كل انتخابات رئاسية، حتى إن بعضهم ذهب إلى اعتبار الانتخابات الحالية بأنها آخر انتخابات رئاسية يمكن أن تحدث في أمريكا، إشارة إلى تفكك الولايات الأمريكية وبداية انهيارها.

ومن جملة تلك الأحاديث كثرة الأقاويل حول انهيار الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل على خلفية نشوب حرب أهلية وفق أصحاب تلك التوقعات، ما يثير أسئلة حول واقعية تلك الأحاديث والتوقعات ومدى استنادها إلى معطيات واقعية، أم أنها في جملتها لا تعدو الأحاديث الرغائبية، والأمنيات؟

قصة انهيار الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل، وكثرة الأحاديث والتوقعات عن نشوب حرب أهلية، تفتح الباب للتساؤل إن كانت أمريكا بالفعل مهددة بحدوث انهيار داخلي، يُنذر بانتهاء القرن الأمريكي وبداية تراجع الهيمنة الأمريكية في الخارج، وأن ثمة عوامل جوهرية تدعم ذلك التوقع أما أنها أبعد ما تكون عن ذلك في المدى المنظور والمتوسط؟

في هذا الإطار نشر الكاتب والإعلامي المصري، حسن قطامش تدوينة عبر صفحته على منصة (إكس) قال فيها "الانهيار الأمريكي.. هل تصدق التوقعات؟ منذ سنوات والحديث عن (الانقسام والتمزق والتراجع والانحدار والانهيار والسقوط) الأمريكي سمة ملفتة للغاية في تحليلات المجلات الغربية المهمة. وقد جمعتُ 60 عددا اتفقت على هذه الرؤية، فهل تُعجل عودة ترامب بتحقيق هذه التوقعات"؟



وأورد في عدة تدوينات أمثلة من عناوين تلك التحليلات، منها "تراجع الهيبة الأمريكية، بلد أكثر انقساما من أي وقت مضى، هل تنهار أمريكا بسبب الكراهية؟، الولايات المتحدة تفقد الحرية، أمريكا وانتحار الديمقراطية، هل ستمزق أمريكا نفسها؟ أمريكا.. الشقوق أكثر من أي وقت مضى، القوة العظمى التي تشك في نفسها..". 


 
وتابع في تدوينة أخرى "الانحدار والسقوط.. هل يمكن للولايات المتحدة أن تقود من جديد؟ العدو الداخلي.. خطر جديد يهدد الديمقراطية الأمريكية.. مصادر القوة الأمريكية.. القوة العظمى المختلة.. أمريكا تائهة.. هل تستطيع أمريكا التعافي؟ ماذا حدث للقرن الأمريكي؟ أمريكا والبحث عن استراتيجية.. أمريكا في خطر.." مشيرا إلى أن معظم هذه التحليلات كانت بعد فترة حكم ترامب الأولى.


 
 وفي سياق رصده للصحافة الغربية، نشر قطامش ترجمة لمقال ديرشبيجل في عددها الأخير وعنوانه "أمريكا على حافة الهاوية"، علق عليه بالقول "صدر العدد الأخير من مجلة ديرشبيجل الألمانية بموضوع رئيسي متشائم حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، ويعكس العنوان (أمريكا على حافية الهاوية) بوضوح أزمة وجودية تعيشها أمريكا، وأنها تقترب من نقطة تحول خطيرة للغاية" على حد قوله.


 
وأضاف في تدوينة أخرى "يطرح المقال صورة متشائمة وواقعية في آنٍ واحد لحالة أمريكا الراهنة محاولا سبر غور الأسباب الكامنة وراء الانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة. كما يقدم المقال ترامب كشخصية تهدد المبادئ الديمقراطية حيث لا يخفي رغبته في اللجوء إلى أساليب "قمعية" و "سلطوية" للسيطرة على البلاد"...

وخلص الإعلامي المصري قطامش في ختام ترجمته للمقال إلى القول "إجمالا مقال ديرشبيجل الألمانية يجزم بأن الولايات المتحدة على مفترق طرق، حيث يجب عليها أن تحدد ما إذا كانت ستظل وفية لما أسماه قيمها الأساسية، أو أن تسمح لتجاذبات السلطة والمال بجرّها نحو مسار مظلم، قد لا يمكن العودة منه، من خلال السماح لــ تراب بـ “انقلاب ديمقراطي"؟!


 
من جهته وصف أستاذ الشؤون العامة، ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، الدكتور سامي العريان الأحاديث والتحليلات التي يتوقع أصحابها قرب انهيار أمريكا بأنها "في معظمها من باب الكلام الرغائبي والأمنيات، وهي لا تستند إلى حقائق ومعطيات واقعية".

وأضاف: "وجود عنف سياسي لا يعني قرب انهيار وانتهاء أمريكا، كما أنه لا يعني حرب أهلية في أمريكا، فهناك تحديات كانت دائما قائمة وموجودة في المجتمع الأمريكي، وعلى الرغم من وجود تلك التحديات لكن لا توجد قوى قادرة على أن تحل محل أمريكا، فالإنسان ـ كما الدول ـ لا يمكن أن يغيب عن الصورة، لكن يأتي من يدفعه عن مكانه ليحل محله، وهذا غير موجود حاليا، فلا يوجد من يطرح نفسه ليحل محل أمريكا، لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى العالمي، وحتى لو حاول فلن يستطيع لأن أمريكا ستقاتل بشراسة حتى آخر رمق".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "وهذا كله ناتج عن الجهل بالنظام العالمي، والجهل كذلك بالوضع داخل أمريكا، ونفس الكلام يمكن أن يقال عن توقع حرب أهلية في أمريكا، فهذا كلام رغائبي، ولا تسنده معطيات الواقع" متسائلا "حرب أهلية مَنْ مع مَنْ"؟


د. سامي العريان، أكاديمي فلسطيني ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم

وتابع "هناك حكومة فيدرالية قوية جدا في الولايات المتحدة، فمن الطرف الآخر الذي سيقاتلها حتى تقع حرب أهلية؟ نعم هناك بعض الميليشيات، لكنها لن تصمد ليوم أو يومين على الأكثر، وسيتم إنهاء وجودها، فلا أدري عن أي حرب أهلية يتحدثون؟ ومن هي القوى والأطراف القادرة على محاربة ومواجهة الحكومة الفيدرالية"؟ 

وفي ذات السياق رأى الكاتب والمحلل السياسي المصري، رامي عزيز أن "غالبية من يتحدثون عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية ليسوا على دراية بكيفية النظام الذي تدار به الولايات المتحدة، أو مكامن قوتها، من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، أو من حيث طبيعة الحياة داخل الولايات المتحدة".

وأردف "فالولايات المتحدة رغم كل ما يشاع عن قرب سقوطها وانتهاء حقبتها، إلا أن الواقع يخبرنا بعكس ذلك، فالولايات المتحدة ما زالت القطب الأوحد القوي والمسيطر على مجريات الأحداث في الساحة العالمية، الذي لا يوجد له منافس، وأثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة أن روسيا الغارقة في وحل أوكرانيا، والتي تلقفت تصريحات ترامب العائد إلى البيت الأبيض حول إنهاء الحرب في أوكرانيا، غير قادرة على مجابهة أمريكا، حتى وهي قوة نووية عظمى".

وتابع "وقس على ذلك الصين التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على القوى الشرائية للسوق الأمريكية، ناهيك عن الاتحاد الأوروبي التابع تبعية كاملة للولايات المتحدة، لذا فإنني أؤكد أن ما يقال عن غروب شمس أمريكا كقوة وحيدة ومسيطرة، لا يعدو كونه كلاما رغائبيا وأمنيات حالمة، مصدرها الرغبة في التخلص من السياسة الأمريكية المتعسفة، والغير عادلة تجاه بعض القضايا، وعلى رأسها دعمها للهيمنة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط".


                                                          رامي عزيز كاتب ومحلل سياسي مصري

وردا على سؤال "عربي21": هل الولايات المتحدة الأمريكية مهددة بالفعل بالانهيار الداخلي أم أنها أبعد ما تكون عن ذلك في المدى المنظور والمتوسط؟ قال عزيز "الولايات المتحدة ليست بعيدة عن فكرة الانهيار الداخلي، وهذا هو السيناريو الأقرب لكيفية انتهاء الولايات المتحدة كقوة عظمى، حتى أن هناك من المفكرين وأساتذة العلوم السياسية الأمريكيين من تنبأ بحدوث ذلك، وحتى أن ترامب نفسه استخدم هذا السيناريو في كل المرات التي ترشح فيها، وقدم نفسه (كالمخلص) الذي سيعيد لأمريكا عظمتها، ويمنع انهيارها".

وخلص إلى القول "لا أرى على المدى المنظور والمتوسط ذلك الانهيار وشيك الوقوع، فالأمر يتطلب أجيالا عديدة، تتبلور لديها أفكار جديدة تقدم رؤية مختلفة للولايات المتحدة ونظامها الانتخابي والسياسي، ومن هنا سيبدأ حدوث التصدع الداخلي في الولايات المتحدة، وهنا ستعيد عجلة التاريخ نفسها، فبمثل هذه الطريقة انتهت أغلب الإمبراطوريات على مر التاريخ".

من جهته قال الأكاديمي اليمني، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور عبد الباقي شمسان "لا أعتقد أن التحليلات والقراءات التي تتحدث عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية قائمة على معطيات ودراسات استشرافية موضوعية سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية، وإنما هي – في أغلبها – قراءات عاطفية ورغائبية".

وأضاف "فكما نعلم أن انهيار أية امبراطورية له مقدمات كبرى، وهذا غير موجود في الحالة الأمريكية، نعم هناك انقسام في الشارع الأمريكي، وهناك اختلافات وتباينات في الرأي والمواقف، وهو ناتج عن عوامل سياسية واقتصادية، وهناك صراع حول قضايا متعلقة بالجوانب الأخلاقية والإنسانية والحريات، وكل ذلك يدور في إطار مؤسسات الدولة الراسخة، التي تدافع عن قيم ومبادئ الديمقراطية والحريات".


                         د. عبد الباقي شمسان، أكاديمي يمني وأستاذ علم الاجتماع السياسي

ووصف الأكاديمي اليمني، شمسان في تصريحاته لـ"عربي21" القراءات والتحليلات التي تبشر بقرب انهيار الولايات المتحدة بأنها "تعبر عن رغبات وأمنيات أولئك الذين تضرروا من الولايات المتحدة وسياساتها، وبالتالي فإن ذلك الوهم سيؤدي إلى إحباطات في المنطقة، وليس في أمريكا، لأن هذه الأمنيات التي لا تتحقق تحدث كثيرا من الاحتقان تجاه المجتمعات الغربية، وتؤدي إلى مزيد من الفجوة بين المجتمعات الغربية، وتحديدا المجتمعات الشرق أوسطية، والمسلمة".

وشدد في ختام حديثه على أهمية أن "تتعامل هذه الشعوب بمنطق عقلاني ورقمي، وتستند إلى قراءات استشرافية قائمة على دراسات استراتيجية لما يحدث في العالم، وما يحدث في الولايات المتحدة، هناك تحولات في توازن القوى الدولية، وحتى الآن لم تظهر الصين بشكل واضح وجلي، ولم تظهر أي قوى أخرى، فنحن ما زلنا بحاجة إلى وقت في هذا المجال، مع ضرورة الاستناد إلى استراتيجيات عقلانية لمواجهة تلك التحديات، وليس بالركون إلى أمنيات عاطفية ورغائبية".
التعليقات (0)