كتاب عربي 21

الحكومات العربية تنهي مشكلة تجنيد الحريديم!

شريف أيمن
"يتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية، وفتح طرق إمداد غذائية وتجارية وعسكرية"- إكس
"يتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية، وفتح طرق إمداد غذائية وتجارية وعسكرية"- إكس
على مدى العقود التي وُجد فيها كيان الاحتلال البغيض، كان من يُطلق عليهم "اليهود المتدينون" لا يُستدعى طلاب المدارس منهم إلى جيش الاحتلال. ووفقا لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، يمثل المتشددون نحو 14 في المئة من السكان اليهود في إسرائيل، ويصل عدد المعفيين منهم من التجنيد إلى نحو 66 ألفا، ويتمكنون من تجنب التجنيد عبر الحصول على تأجيلات متكررة لمدة عام واحد بحجة الدراسة بالمعاهد الدينية، حتى وصولهم إلى سن الإعفاء من التجنيد (26 عاما).

في تموز/ يوليو الماضي قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إنها حصلت على تسجيل صوتي للحاخام الأكبر السابق لإسرائيل يتسحاق يوسيف يقول فيه: "كل عالم توراة معفى من التجنيد، حتى الشخص العاطل الذي لا يدرس". وأضاف: "مَن ينضمون إلى الجيش يفسدون. هناك مجندات وضابطات وألفاظ نابية، هناك أشياء فظيعة وغير لائقة. لا تذهبوا إلى هناك". وتابع يوسيف: "أي شخص يتلقى إشعارات يجب أن يمزقها ولا يذهب. إنه مع التوراة، وإذا أخذوه إلى السجن، فسيذهب معه رئيس مدرسته الدينية".

صدرت هذه التصريحات بعد حكم المحكمة العليا في كيان الاحتلال أواخر حزيران/ يونيو الماضي، القاضي بإلزام طلاب المدارس الدينية من "الحريديم" بالتجنيد في الجيش، وطلبت المحكمة من الحكومة قطع الدعم المالي عن المدارس الدينية. ويصل مبلغ الدعم للأسر المعفية من الخدمة العسكرية إلى 1.4 أو 1.5 مليار شيكل في السنة، بحسب مقال لـسيفان هيلاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

في ظل هذه الأزمة، وهي واحدة من جملة أزمات داخل الكيان، تمد الدول العربية يدها إلى الاحتلال بعدة أشكال؛ إما بطريق بري ينطلق من الإمارات لتجاوز الحصار البحري اليمني، أو عبر إمدادات من البحر الأبيض المتوسط واستخدام موانئ مصرية محطة لسفن العدو الصهيوني، بما في ذلك النقل العسكري، أو فتح قناة السويس لعبور سفن حربية صهيونية، ليتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية

وللالتفاف على هذا القانون، طرح عضو الكنيست يسرائيل إيشلر وأعضاء آخرون، مشروع القانون المعروف بـ"قانون المهاجع"، ويعطي المشروع حقوقا إضافية للحريديم، عبر تغيير معايير قبول الأطفال في مراكز الرعاية النهارية ودور الحضانة الخاضعة للإشراف. وسيكون معيار الدعم، وفقا للقانون، معتمدا على الوضع الوظيفي للمرأة فقط، بغض النظر عن مهنة الرجل، وهذا سيسمح باستمرار الإعانة للأطفال حتى في الأُسَر التي يتهرب فيها الأب من الخدمة العسكرية، وبالتالي سيحصلون على التمويل رغم أنهم لن يخدموا بجيش الاحتلال.

تأتي هذه الإشكالية وسط أزمة متصاعدة في جيش الاحتلال نتيجة أعداد الإصابات الهائلة في جبهات القتال الفلسطينية واللبنانية، فبحسب إدارة إعادة التأهيل التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تلقَّى 12 ألف جندي العلاج في وحداتها منذ بداية العدوان على قطاع غزة، ثم على لبنان، ثلثاهم من قوات الاحتياط، وهو ما يفوق كثيرا، الأرقام الرسمية التي ينشرها الجيش الإسرائيلي، وتوقعت إدارة إعادة التأهيل أن يرتفع معاقو الجيش الإسرائيلي بحلول 2030 إلى 100 ألف.

وتُظهر الأرقام التي نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن 500 جندي يسجلون أنفسهم شهريا لدى هذه الإدارة لتلقي العلاج، كما تظهر أيضا أن 43 في المئة من الجرحى تلقوا العلاج من صدمات نفسية تعرضوا لها بسبب الحرب، وأن نحو 1500 من الجرحى أصيبوا مرتين في المعارك.

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن واحدا من كل ثلاثة ذكور مجبرون على التجنيد (من غير العرب)، لم يصلوا إلى مراكز التجنيد، و15 في المئة تركوا الخدمة ولم يدخلوا مخزون قوات الاحتياط، كما قفز عدد المستفيدين من الإعفاء لأسباب طبية/عقلية من 4 في المئة إلى 8 في المئة قبيل التجنيد، أما خلال الخدمة العسكرية فهذا هو شرط التسريح الأكثر شيوعا.

طريق بري ينطلق من الإمارات لتجاوز الحصار البحري اليمني، أو عبر إمدادات من البحر الأبيض المتوسط واستخدام موانئ مصرية محطة لسفن العدو الصهيوني، بما في ذلك النقل العسكري، أو فتح قناة السويس لعبور سفن حربية صهيونية، ليتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية، وفتح طرق إمداد غذائية وتجارية وعسكرية

ووفقا للصحيفة أيضا، فإن جيش الاحتلال بحاجة ماسة إلى 7 آلاف مجند فورا، ويدعي الجيش أنه سيكون قادرا على تجنيد 3 آلاف من اليهود الحريديم، لكن في عام التجنيد السابق، تم تجنيد 1200 فقط من أصل نحو 13 ألفا مرشح للخدمة. أما أوامر الاستدعاء للخدمة البالغ عددها 3 آلاف بهذا الصيف، تقسمت كالتالي: نصفها لليهود الحريديم حتى سن 21 عاما، و40 في المئة حتى سن 23 عاما، والباقي حتى سن الإعفاء، لكن كم عدد الذين التزموا وحضروا؟ 240 شخصا فقط، بمعدل 8 في المئة.

هذه الأزمات التي يعاني منها الاحتلال تزداد في التفاقم مع إعفاء الحريديم، وعمق الأزمات الاقتصادية، وطول فترة غياب المستدعين إلى الخدمة عن ذويهم، وبالطبع أعمالهم، ومن تجليات هذا التفاقم انتحار الطيار المساعد الرائد عساف داغان، بعد استدعائه للخدمة في الاحتياط.

في ظل هذه الأزمة، وهي واحدة من جملة أزمات داخل الكيان، تمد الدول العربية يدها إلى الاحتلال بعدة أشكال؛ إما بطريق بري ينطلق من الإمارات لتجاوز الحصار البحري اليمني، أو عبر إمدادات من البحر الأبيض المتوسط واستخدام موانئ مصرية محطة لسفن العدو الصهيوني، بما في ذلك النقل العسكري، أو فتح قناة السويس لعبور سفن حربية صهيونية، ليتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية، وفتح طرق إمداد غذائية وتجارية وعسكرية.

يستمر الحكام العرب في هذا الزمان بإبهارنا بمدى عمالتهم وتواطئهم مع عدو الأمة الأخطر والأحقر في التاريخ المعاصر، وكان حال أسلافهم، قبل ثورات الربيع العربي، مرهونا بحدود في التعاطي مع العدو الصهيوني، ورغم الانتقادات التي لم تهدأ طول فترة حكمهم، فإنهم كانوا يسمحون بحركة الشوارع الداعمة لفلسطين، ويُدخلون مساعدات حقيقية إلى القطاع، ويضغطون دبلوماسيا لإيقاف العدوان.

بعد انتكاسة الربيع العربي، وتحديدا في مصر؛ الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة، انقلب حال الدولة المصرية إلى عمالة فجة، ووقاحة كاملة في دعم الصهاينة والتماهي معهم، بل إن البداية كانت في 9 آب/ أغسطس 2013، عندما سمح للطيران الصهيوني بمهاجمة من أسماهم "جهاديين" من الأجواء المصرية شمال سيناء.
بعد انتكاسة الربيع العربي، وتحديدا في مصر؛ الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة، انقلب حال الدولة المصرية إلى عمالة فجة، ووقاحة كاملة في دعم الصهاينة والتماهي معهم
وقالت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي إن الجيش المصري هو الذي حوَّل المعلومات إلى الاحتلال، ما مكّنه من تنفيذ الهجوم على "جماعة جهادية" في سيناء. وأضافت القناة أن "سماح" وزير الدفاع المصري وقتها، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بالهجوم الإسرائيلي على سيناء جاء لإقناع المنظمات اليهودية الأمريكية بالوقوف إلى جانبه ضد خصومه السياسيين المناصرين للرئيس محمد مرسي.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2014، بدأت المرحلة الأولى من إخلاء الشريط الحدودي مع قطاع غزة، الممتد على طول 14 كلم وبعمق 5 كيلومترات، وما نتج عنه من تهجيرٍ لأهالي سيناء. وفي أيلول/ سبتمبر 2015، ذكرت "هيومان رايتس ووتش" أن مصر هجّرت 3200 أسرة على مدار عامين.

واتضح سبب تلك العمليات في شباط/ فبراير 2016 عندما أدلى وزير البنية التحتية والطاقة والمياه الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، بتصريح محرج للإدارة المصرية بشأن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق بحدود مصر مع غزة، وأفاد بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي عمل بشكل يخدم مصالح إسرائيل، عندما أمر بإغراق الأنفاق المحفورة تحت الحدود مع مصر بالمياه، وهي الأنفاق التي قال رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان إنها بلغت 1500 نفق.

ورغم أن هذه كانت بدايات سلوك السيسي السياسي، لكن لا أحد كان يتصور أنه سيصل إلى تلك المرحلة من الخيانة لقضايا الأمة أو قضايا مصر، وأنه سيسمح بتعريض مصر لهذه الانتهاكات التي تعصف بسيادتها، فضلا عن واجبات الجوار والعروبة والدين الذين يوجبون عليه وعلى سائر العرب أن يدعموا فلسطين بكل الوسائل دون أي استثناء.

اليوم يقف الفلسطينيون وشعوب جبهات القتال والإسناد ببسالة وقوة منقطعة النظير، ورؤوسنا محنية خجلة من عجزنا وضعفنا، وضعف التنظيمات السياسية التي لا تستطيع الدخول في مواجهة سياسية مع النظام المصري لدعم شعب شقيق، وهي الفاتورة التي كانت تدفعها التنظيمات السياسية الإسلامية، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، بغض النظر عن الملاحظات التي يمكن أن توجه إلى أدائهم السياسي في مرحلة ما بعد الثورات، لكنهم كانوا يقفون في هذا المسار أمام نظام مبارك أيّا كانت التضحيات.

ولعل الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع، والكارثة الكبيرة التي نحياها بسبب عجزنا عن النُّصرة، يؤديان إلى تغييرات في المنطقة، وأولها في نظم الحكم المحتلة والمصادِرة لإرادتنا السياسية والاجتماعية.
التعليقات (0)