هل ستتمكن
الولايات المتحدة الأمريكية من إنقاذ نفسها في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى تتمكّن من إنقاذ حليفها الكيان الصهيوني؟ وأي أثر سيتركه مصير هذه الانتخابات على القضية الفلسطينية؟
اختصر البعض كل المشهد المقبل في كون الكيان، بعصابته التي فاقت حد الإجرام بما قامت به في
غزة ولبنان، ستتعزز مواقفه وتزيد مكانته الإقليمية في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد
ترامب، في حين أنها ستضعف في حال فوز الديمقراطية كاميلا
هاريس، والواقع أن الأمر لا يتعلق بهذا أو بذاك، بل بكون كليهما الآن في حاجة إلى إنقاذ نفسه.
الولايات المتحدة يهددها خطر التمزق من الداخل والكيان يهدده خطر الانهيار من الداخل والخارج، فقط هي قدرتهما على التكيّف التي ستمنعهما من تأجيل الأمرين معا، وهذا ما ينبغي أن تدركه قوى المقاومة المستضعفة وبخاصة في فلسطين المحتلة ولبنان وتحديدا في غزة.
كل الاستقواء الصهيوني بالغرب في غزة وكل عمليات الإبادة الممنهجة هناك إنما هي محاولة لإيهام الذات الصهيونية والأمريكية بالبقاء ضمن مستويات القوة، وإيهام العالم بأن أمريكا مازالت أمريكا والكيان الصهيوني مازال الكيان الصهيوني. والحقيقة أن كليهما الآن يمر بوضعية ما قبل بداية التفكّك والانهيار…
تكفي مقارنة بسيطة بين الانتخابات الأمريكية في العقدين الأخيرين بتلك التي كانت تجري أيام العصر الذهبي الأمريكي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ليتبيّن لنا الفرق بين أمريكا بالأمس وأمريكا اليوم.
من كان يتصور بأن “مجلس العلاقات الخارجية” Council on Foreign Relations – CFR الذي ما فتئ يصدر منذ سنة 1921 سينشر هذه السنة “مذكرة عن التخطيط للطوارئ حول مستقبل الديمقراطية ومنع العنف في الانتخابات الأمريكية لعام 2024” في إطار “مشروع “ديامون شتين شبيلفوغل” عن مستقبل الديمقراطية الأمريكية؟ (Diamonstein-Spiel Vogel Project on the Future of Democracy؟
من كان يتصور أن تصبح هناك جماعات إرهابية أمريكية وليست أجنبية تمارس العنف ضد الديمقراطية داخل الولايات المتحدة ذاتها مثل جماعة Proud Boys (أولاد فخورون) المتطرفة التي كان لها دور كبير في اقتحام الكابيتول في 6 جانفي 2021، وجماعة قدماء المحاربينOath Keepers التي تؤمن بضرورة مكافحة الحكومة الفيدرالية واتهمت هي الأخرى بالتخطيط لأعمال عنف في الانتخابات الرئاسية السابقة، وجماعة “الثلاثة بالمئة” (Three Percenters) التي تعتبر أن 3 بالمئة من الأمريكيين هم فقط من دافعوا عن الولايات المتحدة ضد
الاحتلال البريطاني، ولذلك، هي تبرر حمل السلاح ضد الحكومة الفيدرالية وشاركت هي الأخرى في أحداث الكابيتول؟
من كان يتصور قبل اليوم أن الولايات المتحدة التي أعلنت الحرب على الإرهاب سنة 2001 ستعرف بداخلها بعد نحو ربع قرن جماعات إرهابية مثل هذه وأخرى تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تعرف هويتها مما يضطر الرسميين الأمريكيين إلى اتهام روسيا والصين وحتى إيران الدولة النامية التي لا مصلحة لها في مواجهة القوى العظمى؟
ألا تفسّر مثل هذه الإشارات الحاملة للمستقبل لماذا أصبح ما يقارب نصف الأمريكيين “(33% من الجمهوريين و13بالمئة، من الديمقراطيين) يعتقدون أن بعض الأمريكيين قد يضطرون إلى اللجوء إلى العنف من أجل إنقاذ البلاد” حسب مؤسسةPublic Religion Research Institute) – PRRI) ولاسيما منهم بعض الفئات الدينية، مثل البروتستانت الإنجيليين البيض، الذين يؤكدون على ضرورة “الدفاع عن البلاد” حتى لو تطلب ذلك وسائل عنيفة؟
ألا تسمح لنا هذه الإشارات بالقول إن التناقضات الداخلية للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني تتجاوز انتصار “ترامب” أو “هاريس”، حتى نربط مصير قضيتنا بهما؟ أليس مصيرنا بأيدينا وبأيدي مكافحينا الأبطال؟
الشروق الجزائرية