أثار رئيس الوزراء
المصري مصطفى مدبولي، بحديثه عن "
اقتصاد الحرب"، مخاوف وتساؤلات المصريين، حول ما يعنيه الإعلان الحكومي المحتمل عن دخول ثاني أكبر اقتصاد في قارة أفريقيا هذه الحالة التي لم يعيشها أغلب المصريين، والإجراءات التي من المحتمل اتباعها، ونتائج تلك الإجراءات والتبعات التي قد تطال أكثر من 106 ملايين مواطن.
وقال مدبولي في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء، من قلب العاصمة الإدارية الجديدة: "لو حدثت تطورات حرب إقليمية سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب"، ملمحا إلى أن الجيش المصري قادر على حماية المقدرات والحدود، والأمن القومي.
وأوضح أنه "في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة ستتخذ مصر مزيدا من إجراءات الترشيد"، مشددا على ضرورة "الحفاظ على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية".
اظهار أخبار متعلقة
وكشف عن تكليف وزيري البترول والكهرباء، ومحافظ البنك المركزي للتنسيق لضمان عدم تأثر الدولة جراء التصعيد في المنطقة.
ولفت إلى أن برميل البترول زاد 10 بالمئة الأسبوع الماضي، ما سيزيد الضغط على الدولة واقتصادها، ومع ذلك أكد مدبولي، أن مصر جاهزة لكل السيناريوهات.
وفجر حديث مدبولي جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومخاوف لم يهدئ منها تصريح المتحدث باسم الحكومة المصرية محمد الحمصاني، لفضائية "صدى البلد" المحلية، الذي أوضح أن مدبولي قصد "اتخاذ إجراءات استثنائية على المستوى الاقتصادي، لمواجهة أي نقص في سلاسل الإمداد".
وأوضح أن الإجراءات وقت جائحة كورونا تضمنت "الاستيراد من مصادر أخرى، وبناء مخزون استراتيجي على المستوى المحلي"، مؤكدا أن الحكومة تعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات. وبين أن "الدولة لديها مخزون استراتيجي من السلع الأساسية يكفي لعدة أشهر".
"توقيت مثير"
تتزامن تصريحات مدبولي مع تفاقم الأزمات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وخاصة حرب الإبادة التي ترتكبها الآلة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، واحتلال معبر رفح ومحور فيلادلفيا، بجانب الحرب الدائرة في السودان قبل عام ونصف، والتي سبقتهما أزمة والصراع المصري الإثيوبي على مياه النيل.
ويأتي حديث مدبولي، في ظل تفاقم أزمات الاقتصاد المصري، مع حلول آجال الكثير من أقساط وفوائد دين خارجي بلغ في آذار/ مارس الماضي، نحو 160.6 مليار دولار، في ظل تراجع موارد مصر الرئيسية من السياحة، وقناة السويس.
ووفقا لتصريحات رئيس النظام عبد الفتاح
السيسي 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، خسرت قناة السويس وحدها 60 بالمئة من دخلها بقيمة 6 مليارات دولار في 8 أشهر، بسبب تبعات الحرب الإسرائيلية في غزة، وما تبعها من تعطل لخطوط التجارة الدولية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
كما يأتي الحديث عن اقتصاد الحرب في توقيت يعاني فيه المصريون من تبعات تضخم عاودت معدلاته الارتفاع على أساس شهري وسنوي، حيث سجل الأخير على مستوى المدن 26.4 بالمئة في أيلول/ سبتمبر الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، الأربعاء الماضي.
وخلال الأيام الماضية اتخذ البنك المركزي المصري قرارات بهدف توفير العملات الصعبة وعدم استنزاف النقد الأجنبي، بينها استمرار وقف استيراد 13 سلعة اعتبرها ترفيهية من الخارج، (الدولار يساوي 48.57 جنيه).
"ماذا يعني اقتصاد الحرب؟"
وفق ما هو متاح من معلومات، فإن هذا المصطلح ظهر للمرة الأولى مع الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، وجددها الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت مع الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، فيما طبقت واشنطن تلك الحالة مع حرب فيتنام (1955- 1975).
وفي الأثناء تحول الاقتصاد الأمريكي كاملا أو جزئيا لدعم المجهود الحربي، وهو ما تبعه تغييرات تشريعية وقانونية، وقرارات اقتصادية، وإجراءات تقشفية، وترشيد الإنفاق الحكومي، والسيطرة على توزيع السلع والخدمات، وفرض الضرائب، وهي الحالة التي عاشت مثيلتها مصر مع نكسة 1967، وخلال حرب الاستنزاف وحتى 1973.
وفي 11 شباط/ فبراير 1973، أعلن رئيس الوزراء عزيز صدقي، "ميزانية المعركة"، والإجراءات الاقتصادية المحتملة حال نشوب الحرب، وبينها خفض الاعتمادات المخصصة للمياه والإنارة والسكك الحديدية ووسائل النقل الأخرى بنسبة 10 بالمئة، وترشيد الإنفاق والمصروفات وأعباء الصيانة بوزارات الري والإسكان والبترول وهيئة البريد، ومراجعة المشروعات الاستثمارية وتأجيل التي لا تخدم الحرب.
فيما ظلت كلمة المجهود الحربي متداولة إعلاميا وفي أعمال سينما ودراما الصراع العربي الإسرائيلي، والتي ركزت على الدور الشعبي في دعم المجهود الحربي.
"تبعات اقتصاد الحرب"
وبحسب مراقبين فإن الدخول في اقتصاد الحرب يعني توجيه كل موارد البلاد للمجهود الحربي، على حساب القطاع المدني وملفات الصحة والتعليم والدعم وغيرها مما يمس حياة أكثر من ثلثي سكان مصر الذين وصفهم تقرير للبنك الدولي عام 2019، بأنهم إما فقراء أو يقبعون تحت خط الفقر المدقع.
ورأى البعض أن حديث مدبولي يحمل إشارات سلبية للاستثمار الخارجي وللمستثمر الأجنبي، الذي طالما يغازله السيسي، ومدبولي وحكومتهما، بتصريحات وقرارات لزيادة معدلاته وبينها الأربعاء الماضي، بالإعلان عن حزم تسهيلات ضريبية، وعقد اتفاقيات لحماية الاستثمارات السعودية في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي، وإطلاق تعهدات مماثلة لبعض الدول.
كما ألمح البعض إلى أن حديث مدبولي عن حرب محتملة تستعد لها حكومته يتناقض مع ما يعلنه السيسي، حول السلام، ونبذ الحرب، والتي كانت آخرها في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بقوله خلال تفتيش بالجيش الثاني الميداني، إن "السلام خيار استراتيجي للدولة المصرية".
ووصف عضو مجلس النواب المصري، عبد المنعم إمام، تصريحات مدبولي بـ"غير المدروسة، وتثير المخاوف لدى المصريين"، مؤكدا لصحيفة "الشرق الأوسط" أنها "لم تحمل معلومة جديدة للمواطنين، بل ربما يمتد تأثيرها بشكل عكسي مرتبط باحتمالية وجود أزمات في السلع".
وهو ما ذهب إليه الإعلامي أسامة جاويش، في مقال له في "عربي21"، حيث قال: "مدبولي بشر المصريين بإجراءات اقتصادية قاسية تحت عنوان اقتصاد الحرب، وعلل ذلك بأن الظروف ستكون خارجة عن إرادة النظام الحالي فيما يتعلق بإمدادات الغاز والوقود واحتياطي النقد الأجنبي في البلاد".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "إن أرادت الحكومة المصرية أن تعلن اقتصاد الحرب فلديها ما يكفي من صناديق سيادية يشرف عليها السيسي بنفسه فلتفتح تلك الصناديق ولتأخذ منها ما يكفيها من أموال للإنفاق العسكري إن احتاج الجيش أن يشتري سلاحا غير الذي صدأ في مخازنه طيلة عشر سنوات".
"لا تتحمل أي حرب"
وفي قراءته لتصريحات مدبولي، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي: "حقيقة الأمر أن المصريين باتوا مستباحين في حياتهم ولقمة عيشهم وتكلفة معيشتهم من قبل حكومة النظام، والتي لا تبدع إلا في زيادة التضخم وعجز الموازنة والقروض، أضف إلى ذلك بيع الأصول لجهات ودول أجنبية مما يمثل تهديدا مباشرا للأمن الوطني".
الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أضاف لـ"عربي21": "وفي ظل منظومة فاسدة غير منتجة أسوأ ما يمكن أن يحدث هو الحرب، فلا يفلح في وقت الحرب إلا القادة، أما الإداريون حتى المتمكنون منهم لا يستطيعون قيادة منظومة الدولة في حالة الحرب ولذلك أقول: Managers are mangers of Peace, Leaders are Leaders of War".
واستدرك: "لكن يبدو أن رئيس الحكومة لم يحضر هذه المحاضرة عن اقتصاد الحرب War Economy؛ فحكومة الصدفة تستغل أي فرصة لتبرير الفشل على كل الأصعدة، وإقناع المصريين بأن الأزمة دولية، وأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان".
وتابع: "لكن هذه المرة فالحديث عن اقتصاد الحرب ليس هذا مكانه لأنه حديث مرعب، حيث يُعرف اقتصاد الحرب بإعادة توزيع الناتج المحلي في وقت الحرب، ويحتاج هذا النوع من الاقتصاد إلى كثير من عمليات الضبط والتطبيق لكي يمكن تلبية متطلبات الحرب والإنتاج الحربي".
وبحسب رؤية الشاذلي فإنه "في هذا النوع من الاقتصاد يتم توجيه الجزء الأكبر من الميزانية لتكلفة الحرب، ويكون اقتصاد الحرب مسؤولا عن توفير المتطلبات الغذائية والصناعية والطبية والتكنولوجية بصورة أفضل وتكلفة أقل".
ويعتقد أنه "في ضوء الحالة الاقتصادية المتردية في مصر وغياب التصنيع المحلي للمنتجات الرئيسية أو قلته بعد إغلاق الكثير من المصانع وشح المنتجات وانهيار العملة الذي أدى إلى نقص شديد في الأدوية وفي المواد الخام اللازمة للتصنيع، وكذلك عدم توفر المخزون الاستراتيجي بسبب ارتفاع سعر الدولار، ومنظومة الفساد المؤسسية ومنظومة الحديد والنار الأمنية، فإن مصر وبلا أدنى شك لا تتحمل أي حرب".
وأكد أنه "يجب على المصريين أن يستيقظوا من سباتهم ويحرروا بلادهم؛ فأي حرب في ظل هذه المعطيات ستكون نتائجها كارثية على المنظومة الاقتصادية والسياسية المصرية".
"أساء اللفظ"
وفي رؤيته، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي حسن بربري، إن "تصريح مدبولي مثل صدمة لنا جميعا ومفاجأة حول اقتصاد الحرب، رغم أنه في توقعي ليس هناك دخول في حالة اقتصاد الحرب ولا شيء من ذلك؛ وفي تقديري الشخصي أن مدبولي، أساء اللفظ فقط".
القيادي في حزب "التحالف الشعبي"، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "نحن نعتمد على فكرة الأموال الساخنة، وهذا الحديث يضر كثيرا جدا باقتصاد مصر، خاصة وأن لدينا ما يقرب من 37 مليار دولار كأموال ساخنة".
وأوضح أنه "عندما يخرج رئيس الوزراء بتصريح مثل هذا ويرسل رسالة بأن بلاده ستدخل في نفق اقتصاد الحرب؛ فهذا بجانب ما لديها من عجز في ميزان المعاملات الجارية يقدر بـ20 مليار دولار، فهذا تصريح غير مناسب تماما، وله تأثيره أيضا على البورصة المصرية حيث بدأت هناك حالة من الترقب بين المستثمرين".
ومطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، قال البنك المركزي المصري، إن العجز في ميزان المعاملات الجارية لمصر اتسع إلى 20.8 مليار دولار في العام المالي (2023-2024) من 4.7 مليار دولار في العام المالي السابق.
اظهار أخبار متعلقة
وواصل الباحث المصري رصد الحالة الاقتصادية المصرية التي تتزامن مع تصريح مدبولي عن اقتصاد الحرب وتأثير ذلك على المصريين، مبينا أن "مصر عليها الكثير من الضغوط من صندوق النقد الدولي".
وأشار إلى أن "الحكومة مطالبة برفع الدعم، أولا عن الطاقة، حيث طالب الصندوق بشكل أساسي أن يسترد التكلفة التي يتحملها هو، ويحملها للمواطن، بمعنى أصح أنه يمنع الدعم عن الكهرباء والغاز والمواد البترولية من بنزين وسولار وغيرها، وهذا لا بد أن يكون واضحا أنه يسير فيه بشكل سريع جدا وأنه يوصل به للتكلفة العالمية".
بربري، لفت كذلك إلى أنه "بالفترة الماضية كانت هناك مجموعة من الإجراءات التي حدثت بشكل متسارع جدا، منها أن الحكومة سحبت 17 مشروع قانون وتعديل على قوانين من مجلس النواب، في سابقة غريبة، وتقدمت بـ11 مشروع قانون آخر معظمها ملفات اقتصادية، ومنها تعديلات قانون الصندوق السيادي".
"تساؤلات ومخاوف وانتقادات"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق متابعون ومراقبون وصحفيون عشرات الأسئلة والانتقادات.
وتساءل الكاتب الصحفي سليم عزوز: "ماذا يعني اقتصاد الحرب؟"، ساخرا بقوله: "فقد انقطعت صلتنا بالحروب منذ زمن طويل"، مشيرا إلى أن معنى تصريح مدبولي أن القادم سيئ، مضيفا أن "أوكرانيا في حالة حرب وأنتم لا تحاربون ومع هذا تستوردون منها القمح".
وبذات الطريقة، تساءلت الكاتبة الصحفية مي عزام: "كيف سيتم تحويل اقتصاد عاجز يستند على القروض لاقتصاد حرب؟"، ولماذا يصرح مسؤول دون توضيح للمواطن ليعرف ما قد ينتظره؟، ومتى يمكن أن تنخرط مصر في الحرب؟، وما أهدافنا واستراتيجيتنا وحدود أمننا القومي؟".
وقال الكاتب المصري مجدي الحداد، إنه "تصريح غريب، وغالبا مُملى عليه - ككل تصريحاته تقريبا"، متسائلا: هل نحن في حرب ضد إسرائيل، أم مشتركون معها في حرب ضد ما تعتقد أنهم أعداؤها من محور المقاومة؟، وهل نحن، وطوال كل تلك العشرية السوداء، لم نكن في اقتصاد حرب، أو بالأحرى اقتصاد ضنك؟
وتوقع البعض أن يكون حديث مدبولي تمهيدا للتحول إلى سعر الصرف المرن لزوم المراجعة الرابعة المؤجلة من صندوق النقد الدولي، مشيرين إلى أن استخدام مصطلح اقتصاد حرب يثير القلق والاضطراب بالشارع، ملمحين إلى عدم قدرة الحكومة المصرية على تطبيقه، بسبب المستوردين والتجار الجشعين، فيما توالت الانتقادات لحديث مدبولي.