كتاب عربي 21

انتبه.. مصر لا ترجع إلى الخلف!

سليم عزوز
"استقبلني الخبر الرئيس بموقع مجلس النواب، فإذا هو عن الجلسة التي انعقدت بمقر المجلس في العاصمة الإدارية الجديدة"- الشركة المنفذة
"استقبلني الخبر الرئيس بموقع مجلس النواب، فإذا هو عن الجلسة التي انعقدت بمقر المجلس في العاصمة الإدارية الجديدة"- الشركة المنفذة
إي وربي هي لا ترجع إلى الخلف!

فقد دخلت موقع مجلس النواب المصري بهدف "التعرف"! فلأنني كنت أجهل اسم رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس، ولم يسعفني جوجل وأثبت بلادة غير مسبوقة، فقد رأيت من المناسب أن أذهب إلى مصدر الخبر من أجل قراءة مشروع قانون الجنائية، لأطالعه بنفسي بدون مؤثرات جانبية، ولأني أحرص على اقتناء القانون الحالي في مكتبتي، فقد رأيت من المناسب أن أعقد المقارنة بين نصوصهما، فلدي ثقافة قانونية إلى حد ما تسمح لي بهذه المقارنة!

وقد عرفت الجماعة الصحفية في مصر عددا من الصحفيين الذين يمتلكون هذا الثقافة، رغم أنهم لم يتخرجوا في كلية الحقوق، وقد سئل صلاح عيسى إن كان خلف هذه الثقافة دراسة جامعية في القانون، فقال ضاحكا إنه اهتمام المتهم.

يقولون إن عتاة السجناء لديهم خلفية قانونية في مجال نشاطهم قد لا تتوفر للمتخصصين، وعندما خضعت للتحقيق أمام وكيل للنيابة في عهد مبارك بتهمة إصدار صحيفة بدون ترخيص، رأيت كيف أن من يدير المحقق هو كاتب الجلسة، فيكتب له ملاحظته أسفل المكتب، ولضيق الحجرة التي امتلأت بالمحامين، ولأني أجلس أمامه مباشرة، فقد كنت أراه يصمت وينظر إلى حيث الملاحظات المكتوبة، بعد أن تحول التحقيق إلى مناظرة؛ يسألني: أنت متهم بكذا؟ فأقول له: وما هو النص القانوني الذي يجرم كذا؟!

هل تعني هذه الجلسة الانتقال تماما إلى هذا المقر الفخم في مدينة الرمال المتحركة، أم أن الأمر سيكون على غرار "أكبر مسجد"، و"أكبر كنيسة"؟ فإذ تم فتح المسجد والكنيسة رسميا، إلا أن الصلاة فيهما ظلت في بعض المناسبات السعيدة، وقد ظلوا فترة قبل كورونا يشحنون الناس إلى هناك في كل جمعة، وهو نشاط توقف الآن لكلفته الباهظة ولما يحتاجه الشحن والتفريغ من جهد كان ضمن اختصاص نواب البرلمان، وإدارات الجامعات

الانتقال للعاصمة الجديدة:

وقد استقبلني الخبر الرئيس بموقع مجلس النواب، فإذا هو عن الجلسة التي انعقدت بمقر المجلس في العاصمة الإدارية الجديدة، وأقسم أمامها السيسي اليمين الدستوري في نيسان/ أبريل الماضي، فذكرني هذا بسؤال جال في خاطري وقت انعقاد هذه الجلسة، ونسيت طرحه: فهل تعني هذه الجلسة الانتقال تماما إلى هذا المقر الفخم في مدينة الرمال المتحركة، أم أن الأمر سيكون على غرار "أكبر مسجد"، و"أكبر كنيسة"؟ فإذ تم فتح المسجد والكنيسة رسميا، إلا أن الصلاة فيهما ظلت في بعض المناسبات السعيدة، وقد ظلوا فترة قبل كورونا يشحنون الناس إلى هناك في كل جمعة، وهو نشاط توقف الآن لكلفته الباهظة ولما يحتاجه الشحن والتفريغ من جهد كان ضمن اختصاص نواب البرلمان، وإدارات الجامعات!

فقد نسوا "أكبر مسجد" فلا جمعة ولا جماعة، تماما مثل "أكبر كنيسة"، التي اقتصر النشاط فيها على صلاة عيد الميلاد من كل عام، حيث حضور السيسي للتهنئة، ولإثبات نسبة هذا الإنجاز له، فضلا عن أن الهاجس الأمني يحد من ذهابه إلى المقر البابوي في موقعه الحالي المكتظ بالسكان والمزدحم بالمارة، كما أوقف تقاليد الدولة المصرية، فالرئيس هو الذي يفتتح أعمال البرلمان، في جلسة مشتركة لأعضاء مجلسي الشعب والشورى في بداية التشكيل، وأيضا في دور الانعقاد من كل عام، فلم يعد الجنرال يذهب إلى مقر البرلمان في منطقة وسط القاهرة، ولم يعد المجلس يستهل أعماله بخطاب للرئيس. وكان السادات مسرفا في خطاباته أمام مجلس الشعب، فلم يكن يفعل هذا فقط مرة واحدة في العام، فكلما وجد رغبة في إلقاء خطاب ذهب إلى هناك!

ومن هنا لا نعرف ما إذا كانت جلسة البرلمان التي انعقدت في المقر الجديد، تعني انتقالا تاما للمجلس إلى هذه الصحراء الجرداء، أم أن الأمر يرتبط بجلسة حضور الجنرال مضطرا لموجبات حلف اليمين لدورة رئاسية جديدة من حزيران/ يونيو 2024 إلى حزيران/ يونيو 2030؟ وله في ذلك مآرب أخرى؛ فلكي يقف الرأي العام على أن إنجازه آتى أُكله، ها هو البرلمان انتقل إلى مقره الجديد في العاصمة الإدارية، وما دمنا في عطلة برلمانية فلا نعرف إن كان موظفو المجلس يمارسون عملهم من المجلس القديم أم الجديد!

فخامة الرئيس وجلالة الملك:

"ما لفت انتباهي" في الخبر المكتوب، منسوبا إلى ما يسمى بوكالة أنباء مجلس النواب، هو أنهم يسبقون اسم السيسي بلقب "فخامة الرئيس"، على النحو الذي جاء بارزا في العنوان، وتكرر في المتن، وهو خلافا لما جرى عليه الحال في مصر، بعد إلغاء الألقاب، وهو القرار الذي اقترن بثورة يوليو 1952، والاكتفاء بـ"السيد" في نشرات الأخبار، وعند النشر فلا سيد ولا سيادته؛ قال الرئيس، أضاف الرئيس، التقى الرئيس.. وقد يسبق اسمه مجردا من صفته، فلماذا أوصاف التفخيم التي لم تعرفها مصر منذ "جلالة الملك"، وهي أوصاف لم تسبق اسم عبد الناصر، أو السادات، أو مبارك!؟

الأمر الذي يوحي كما لو كان مجلس النواب يعتمد صياغة المحامي محمود عطية عند التعامل مع الجنرال، فهو أول من ابتدع "فخامة الرئيس"، و"فخامته" في مداخلاته التلفزيونية، وكان ينشر البهجة في الأستوديو عندما يذكر ذلك، للتعامل مع ما أطلقه من وصف من باب التندر، وذات مرة وكان مناظرا لصديقنا الراحل محمد منير، الذي ردد اسم "فخامته" بطريقته الساخرة، وحطت الكاميرا على وجه عطية فإذا هو يضحك، فالحالة وصلته. ولئن ينتقل اللقب "فخامة" من متحدث كان هدفه أن يجل رئيسه، وربما ليكيد الخصوم في البداية ففشل في ذلك لأنه انتزع منهم الضحكات، إلى مؤسسة رسمية، فنحن إزاء عودة لأوصاف التفخيم التي عرفتها مصر في العهد الملكي قبل حركة ضباط الجيش، حتى يتحول الخطاب من "فخامته" إلى "جلالته"؟!

وعلى ذكر الملك، والملكية، وجلالته، فهناك دعوة عابثة في ليبيا تطالب بعودة الملكية، وهي دعوة يدفع لها الإحساس بعدم القدرة على مواجهة التحديات الحالية واليأس من التغيير فتطلق هذه الدعوات، وأُطلقت مثلها في مصر في زمن مبارك، وأحيانا تتسرب الدعوة حاليا عبر منصات التواصل، وظني أن من يدفع في اتجاهها هم مؤيدون للوضع القائم، ويدفع اليأس ببعض المخلصين للتغيير مع العجز عن تحقيقه على الإمساك بهذه الدعوة!

والملكية أوجدها ظرف تاريخي، فإذا زالت الأسباب صار من اللهو التفكير فيها، فمن يصبح ملكا؛ مبارك (نجله الآن) أم السيسي، أم الملك السابق وهو حي يرزق؟ فعلى أي أساس يتم اختيار الملك؟ وما القيمة الحقيقية لقضية الإصلاح لو أن السيسي صار ملكا لمصر، وخليفة حفتر صار ملكا لليبيا؟ إنه المفلس إذا فكر وقدر، فقتل كيف قدر!

المشروع الجريمة ليس موجودا على موقع البرلمان، والموجود في غيره أن تعديلات أُدخلت على قانون الإجراءات الجنائية في كانون الثاني/ يناير الماضي، والمشروع الحالي والتعديلات السابقة مقدمة من الحكومة

تعديلات قانون الإجراءات الجنائية:

ما علينا، فاللافت أن المشروع الجريمة ليس موجودا على موقع البرلمان، والموجود في غيره أن تعديلات أُدخلت على قانون الإجراءات الجنائية في كانون الثاني/ يناير الماضي، والمشروع الحالي والتعديلات السابقة مقدمة من الحكومة، حتى لا يكون رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية هو موضوعنا، فهو مسيّر لا مخيرا، وقد وجد لنفسه وظيفة بعد التقاعد وبعد تجاوزه السبعين من عمره، فلا تثريب عليه!

والحال كذلك فلم يكن أمامي من سبيل إلا اعتماد ما نشر عن المشروع في الصحف والمواقع الإلكترونية، لنكتشف أنه يقنن الخروج على القانون الآن، فيجعل من المخالفات لنصوص قانون الإجراءات الحالي، منصوصا عليها في القانون الجديد!

فالحاصل الآن هو صلاحيات واسعة لمأموري الضبط القضائي في التحقيق مع المتهمين واستجوابهم، بجانب الاحتجاز غير القانوني.. وسيصبح هذا هو القانون!

والحاصل ترك النيابة لجزء من اختصاصها المتعلق بإجراء التحقيق لجهة والضبط.. وسيكون بنص القانون!

والحاصل الآن هو المحاكمة عن بعد.. وسيكون هو نص القانون!

والحاصل الآن هو عدم قيام جهات التحقيق بتسليم أوراق وملف القضايا للمحامين.. وسينص القانون على ذلك!

والحاصل الآن هو الاحتجاز غير القانوني.. وسيصبح غير القانوني هو القانون بمقتضى التعديل الجديد!

المؤسف أن قانون الإجراءات الجنائية الحالي صدر في عهد الملك فاروق في سنة 1950، ووقع عليه "بأمر من صاحب الجلالة، عثمان محرم رئيس مجلس الوزراء بالنيابة"، وإن تم إدخال بعض التعديلات عليه، أكثرها في العهد الحالي، فإنه يعد الأكثر انحيازا لضمانات الحقوق والحريات، وبعد 74 سنة، نكتشف أن العهد البائد كان أفضل من العهد الحالي!

انتبه.. مصر لا ترجع إلى الخلف!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)