ملفات وتقارير

"تكوين" تواصل "إلهاء" المصريين.. ومناظرة مثيرة بين يوسف زيدان ومستشار السيسي

رحب زيدان بمناظرة الأزهري بشرط النقاش في هدوء ومنفردين وبعيدا عن وسائل الإعلام- قناة "أون" المصرية
رحب زيدان بمناظرة الأزهري بشرط النقاش في هدوء ومنفردين وبعيدا عن وسائل الإعلام- قناة "أون" المصرية
منذ الإعلان عنها في 4 أيار/ مايو الجاري، تواصل مؤسسة "تكوين" إثارة الجدل بالشارع الثقافي والديني والسياسي المصري، وذلك بعد أن دشنها مجموعة من العلمانيين المصريين والسوريين واللبنانيين والتونسيين، بالعاصمة المصرية القاهرة، ومن داخل المتحف المصري الكبير، وتحت رعاية الدولة ووزارة الثقافة.

مؤسسة "تكوين" الفكر العربي، تضم في عضوية مجلس أمنائها: المصريين يوسف زيدان، وإبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، والسوري فراس السواح، والتونسية ألفة يوسف، واللبنانية نادرة أبي نادر، وجميعها شخصيات تؤمن بالفكر العلماني، ولها آراء وأفكار مثيرة للجدل وصادمة للشارع العربي والإسلامي ويدعو بعض أعضائها للإلحاد والزندقة.

وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، جرت مطالبات من علماء ودعاة أزهريين بينهم الداعية عبدالله رشدي، ومن الباحث الإعلامي المصري خالد الأصور، لأعضاء "تكوين" بعقد مناظرة لرد ما أثاروه من شبهات حول الدين الإسلامي والسنة النبوية والشخصيات التاريخية الإسلامية، ما قابله يوسف زيدان بالرفض التام وتهديده بإعلان انسحابه من "تكوين".



"ظهور الأزهري.. وقبول بعد رفض"
لكن زيدان، وفي تغير دراماتيكي لموقفه قبل عرض المستشار الديني لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الشيخ أسامة الأزهري، بعقد مناظرة بينهما حول ما يطرحه زيدان ومجموعة "تكوين"، من ادعاءات ومزاعم بحق الدين الإسلامي ولاقى غضبا واسعا في الشارع المصري.

وأعلن الأزهري، عن ما أسماه المناظرة الكبرى، قائلا: "وحدي سوف أناظر أعضاء مركز تكوين مجتمعين"، داعيا أسماء يوسف زيدان، وإبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، وفاطمة ناعوت، ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس.

وعبر صفحته على "فيسبوك"، نشر الأزهري بيانا مطولا، حدد فيه القضايا الآتية بمواجهة يوسف زيدان، في دعواه أن المسجد الأقصى في سيناء ومدى خطورة هذا الفكر دينيا ووطنيا، وقوله إن صلاح الدين أحقر شخصية في التاريخ، وبقية أطروحاته في (عزازيل)، و(ظل الأفعى)، وكتاب (اللاهوت العربي).

اظهار أخبار متعلقة


وقرر مناقشة إبراهيم عيسى، بقضية السنة وأنها أحد الثوابت، اتهام الصحابة الكرام بالداعشية والدموية، ونقاش إسلام البحيري في عدم اعترافه إلا بالقرآن الكريم فقط، دون السنة المشرفة، ونقاش زاهي حواس، حول إنكار وجود الأنبياء في مصر.

وعلى الرغم من إشادته بدور الأزهر الشريف ومكانته الرفيعة، إلا أن الأزهري، أعفى المؤسسة الأزهرية الجليلة من خوض هذا الجدل، مؤكدا أنه سيتصدى وحده بصفته أحد أبناء الأزهر لكل هذا الجدل من تكوين.



وبينما أعلن الأزهري عن دعوته الأنبا أرميا للمشاركة في المناظرة، فقد أعلن الأسقف العام، عبر صفحته على "فيسبوك"، قبوله المشاركة في المناظرة ودعم الشيخ الأزهري، قائلا: "نرفض أي تيارات غريبة أو أفكار هدامة تهدد السلام المجتمعي، أو تضر بالشعب مسلميه ومسيحييه، ونتعهد بمواجهتها بكل قوة".



وفي المقابل رحب زيدان، بمناظرة الأزهري وأراميا، بشرط النقاش في هدوء ومنفردين وبعيدا عن وسائل الإعلام وما أطلق عليه "صخب البسطاء"، ما اعتبره البعض تعاليا على الجمهور وخوفا منه في الوقت ذاته.

بل إن زيدان، في رده بالغ في الإطراء بالأزهري، قائلا إنه سيقبل المناظرة تقديرا لشخصه وثقافته واتزانه، ولأن كليهما "سكندريُّ ومهموم بأحوال الوطن".



وهو ما يدعو للتساؤل حول أسباب قبول زيدان مناظرة الأزهري بعد رفض، وحول ما إذا كان بتوجيه السلطات المصرية، وأيضا توقيت المناظرة في ظل تصاعد أحداث حرب غزة على حدود مصر، واحتلال إسرائيل محور صلاح الدين وتهديد أرض سيناء، ما اعتبره البعض جزء من خطة إلهاء للمصريين.

"قبل دون أن يقبل"
وفي رؤيته، قال الأكاديمي الأزهري الدكتور محمد أحمد عزب: "لقي بيان الأزهري – فيما أظن- بعد صمته على أحداث ما كان يليق به الصمت عنها، حول مناظرة فريق (تكوين) منفردا بجمعهم، بعض الارتياح لدى طبقة كبيرة بالوطن".

عزب، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "الأزهري، لما قد نجح في مناظرته قبل ذلك فالشارع مطمئن لخطوته تلك، أمر آخر هو أن بيانه طمأن جماهير كبيرة أن الدولة التي اتُهمت بدعم فريق (تكوين)، تتحرك من خلال مسؤول بالدولة كبير للمناظرة، فكأن الدولة تريد إعادة البوصلة التي انحرفت منها من خلال دعم (تكوين)".

ولفت إلى أن "يوسف زيدان الشخصية الأكاديمية المثيرة للجدل؛ كان قد رفض قبل ذلك المناظرة، والآن يقبلها بشرط أن تكون في جلسات خاصة بعيدا عن الإعلام، وهذا يضمن له عدم السقوط، لأن المناظرة حول الثوابت لن يثبت فيها زيدان ولا غيره".

وأضاف: "فكأنه قبل دون أن يقبل، فزيدان الذي يشترط عدم حضور الإعلام هو الذي يبث نظرياته الواهنة حول القدس، وصلاح الدين، وغيرها من خلال الإعلام، والسؤال إذا كان لا يقبل بحضور الإعلام فلم يظهر بكلامه هو في الإعلام؟".

ويرى الأكاديمي المصري أن "الملفت للنظر أن أصابع الاتهام تتجه صوب جهة ما تدعم المركز، وتلك الجهة على علاقة وطيدة جدا بالأزهري، فكيف التوفيق بين دعهما للأول، ودعمها اللوجستي للثاني".

"إلهاء للشارع"
ويعتقد أن "هذا لا بد أنه لإلهاء الشارع عن حالة الاحتقان مما يحدث على الحدود المصرية، والتخاذل، فضلا عن تمديد حالة الإلهاء للجماهير تجاه الوضعين الخارجي والداخلي، بقضية ستموت حتما حتى لو تمت رعايتها لعامين قادمين لأنها قائمة على هدم ثوابت لا يقبل بها العامة".

وخلص عزب، للقول إن "الأمر لا يعدو إلا عملية إلهائية من طرف واحد، لطرفين يبدوان مختلفين، والحقيقة أن الجميع مستأجر لصناعة حالة، تكوين بالظهور والشهرة، وأسامة بالظهور بصورة المنافح عن حياض الدين".

وختم حديثه: "يبدو أيضا أن الموقف يظهر أنه لا يُراد للأزهر أن يأخذ زمام المبادرة، فهناك من لا يريد له مزيدا من القبول لدى العامة، فظهر لفريق تكوين الأزهري الذي يتشبث بلباسه دون أن يعلن تبعيته له".

"أسلوب الصدمة والبحث عن شهرة"
من جانبه، قال الكاتب والمفكر الإسلامي والأكاديمي المصري الدكتور كمال حبيب، إن "يوسف زيدان مواليد 1958، وتخرج في قسم الفلسفة بجامعة الإسكندرية عام 1980، ولا نعرف لماذا تأخر سنة أو سنتين في دراسته".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "إذا زيدان لم يكن متفوق دراسيا، ولا نعرف عنه أثرا كمتخصص بالفلسفة، ونعرف حسن حنفي رغم الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحاته، وعلي مبروك، وجورج طرابيشي وحواراته ونقاشه مع محمد عابد الجابري ومؤلفات الأخير عن نقد العقل العربي".

وتابع: "لكن عرفنا زيدان، من باب الأدب وليس من باب الفلسفة وروايته عزازيل، والتي أشار الكاتبان المصري علاء حمودة والتونسي كمال العياري لسرقتها من رواية (هيباتيا) الإنجليزية، بجانب نقاد وكتاب مصريين وعرب، آخرين".

اظهار أخبار متعلقة


وأكد حبيب، "أننا لم نعرف زيدان من الجانب الفلسفي أو الكلامي والفكري وعرفناه من باب الأدب رغم أسلوبه الركيك بالكتابة كون بناءه العلمي ضعيف، فلا أظن أنه ذهب يوما للكُتاب أو فتح القرآن الكريم وتعلمه أو يعرف كيف يقرأه بل لا يحسن التكلم بالعربية".

ويعتقد المفكر الإسلامي أن "زيدان أراد بناء شهرته باستخدام أسلوب الصدمة، ورواية عزازيل أثارت عليه سيلا من الكتاب المسيحيين، والكنيسة نفسها رأت أنه يدخل في سياقات ذات طابع طائفي وأصولي ويهدد النسيج الاجتماعي للأمة".

ولفت إلى أن "مسألة توجيه الاتهامات ودخول مساحات يمكن وصفها بأنها ازدراء أديان نوع من الصدمة يجلب الشهرة"، مبينا أنه "الآن انتقل من باب الأدب بعد الشهرة التي حققها منه للحديث عن الفكر".

وأشار إلى أنه "دخل إلى الدين الإسلامي في مساحات متعلقة بشخصيات لها تقدير كبير مثل القائد صلاح الدين الأيوبي محرر المسجد الأقصى من الصليبيين، الشخصية المتسامحة والرمز العربي والإسلامي الهام بالوجدان العربي الإسلامي، ثم راح يستعير ما ردده مستشرقون عن أن المسجد الأقصى مرة ليس بفلسطين، وأنه في سيناء، ومرة أنه المسجد الأدنى بطريق الجعرانة قرب الطائف".

حبيب، قال إني "أعتبر ذلك هرتلات القصد منها جلب الشهرة، وشخصيا لا أعرف كتابا فكريا لزيدان، ولا موضوع رسالته للدكتوراه والماجستير، فقط عمل بقسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية وتبين أنه مزور، إذا نحن أمام شخص باحث عن الشهر ولا يملك الإمكانيات".

"لا رؤية ولا فكر.. فقط التشكيك"
وخلص للقول إن "المشكلة الآن أن زيدان وفريق (تكوين) لا يتحدثون مثلا عن العلمانية والدولة المدنية، ولا يتبنون رؤية متعلقة بطرح فكري، وإنما يتحدثون في جوهر وجود المجتمع أو التكوين الوجودي له، فيما يتصل بالدين، والمسجد الأقصى، والتشكيك بحادث الإسراء والمعراج، ويقرأون في سورة الفرقان: (ولن نؤمن لرقيك)، في هرتلة منهم".

ويرى حبيب، أن "قبول زيدان، المناظرة مع الأزهري، جزء من بناء شهرته، خاصة وأنه رفض مواجهة عبدالله رشدي والمدعو إسلام بحيري، وقال إن تكوين ليس لها علاقة بالمناظرات، ثم عاد لأن الشهرة بالنسبة لهم رأس مالهم".

ولفت إلى أن "نقاش فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله، مع الدكتور محمد عمارة والشيخ محمد الغزالي، والمستشار مأمون الهضيبي عام 1992 بمعرض القاهرة الدولي للكتاب كان يطرح أفكارا حول الدولة الإسلامية والخلاف حولها وهذا يمكن أن تتفق أو تختلف حوله أو تناقشه".

وأوضح أن "ما يُطرح الآن يضرب بالسيرة النبوية ورواة الحديث، وفي القرآن الكريم، وثوابت الدين، ويطرح أسئلة تشكيكية، مثل: هل نؤمن بالسيرة النبوية؟،  وهل الخمر حرام؟، وجميعها لتشكيك الناس بدينهم".

وخلص للقول: "ومن ثم فالمناظرة اليوم مختلفة لأنها ليست بنقاط ذات طابع فكري يختلف حولها الناس مثل طبيعة الدولة وطبيعة النظام السياسي وطبيعة المدني وعلاقته بالدين، ولكنه يضرب نسيج المجتمع ذاته وقوة تلاحمه ووحدته وتماسكه".

"الوجه الآخر للتطرف"
وأكد أن "هذا ما يفعله الداعشيون"، ضاربا المثل بكتاب "إدارة التوحش" لأبي بكر ناجي، مبينا أنه "يلتفت من الكلام عن الحكام لضرب المجتمعات الإسلامية وتماسكها واستقرارها"، موضحا أن "ما يفعله تكوين هو الوجه الآخر من التطرف الأصولي ذو الطابع الإلحادي".

ويرى أن "التطرف والأصولية ليس لها وجه واحد، ونسميها الأصولية المتطرفة سواء كانت تأخذ وجها داعشيا أو وجها إلحاديا مشككا في عقائد الناس ويسعى لإحداث تشويش في المجتمع".

وألمح إلى أن توقيت إثارة جدل "تكوين" له دلالاة، قائلا: "أتفق تماما أن ما يحدث وأطلق عليه الدوشة أو الصداع للمجتمع جزء من سيناريوهات مطبوخة بأروقة أجهزة مخابرات ودول لصرف النظر عن المقاومة الفلسطينية وتركيز العرب والمسلمين بمواجهة الكيان وتحديه وإسقاطه".

ويرى أن ذلك يأتي "لصالح ما يسمى بالديانة الإبراهيمية أو ديانة إبرام، التي تسعى أمريكا منها لخلق هوية وجغرافيا وديمغرافيا جديدة للمنطقة يصبح فيها الكيان العقل الأساسي واليد العليا ويعمل العرب والفضاء العربي لخدمته".

ويعتقد أن الأمر برمته يأتي "في سياق خطة أمريكية لخلق دين جديد تتلاشى فيه الحدود، وتبهت فيه هوية كل دين، وينظر له من منظور أقرب للمنظور الصوفي المتطرف كفكرة ابن عربي عن (وحدة الوجود) وعن (الحلول والاتحاد)".

اظهار أخبار متعلقة


"أو ما يمكن وصفه فلسفيا بأنه عالم ما بعد الحداثة، حيث عالم سائد لا تعرف فيه الحدود ولا الهويات والقيم، وإنما فقط إنسان السوق والإنسان السائل الذي لا هوية له ولا معرفة له بالدين، والذي لا مفهوم لديه عن الولاء والبراء، ولا يفهم حقيقة الإسلام"، بحسب المفكر المصري.

وخلص للقول: "هذا النقاش كله بهدف إلى صرف الناس عن مشاكلهم الحقيقية سواء ما يتصل بصراع غزة وعلى حدود مصر الشرقية وبالمنطقة العربية كلها، أو في ما يتصل بمشاكل النظم العربية وعدم قدرتها على إنجاز مشروع النهضة أو مشروع تحقيق العيش الكريم وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".

وأكد أن "هذا النقاش لا معنى له في مجتمع جرفت فيه السياسة ونضبت فيه بحارها، ويطرح فيه دين الناس للتسليع أو للتجارة أو للعرض العام حتى يهون هذا الدين في نفوس من يعرض عليه".

وختم بالحديث عن دور الأزهر، موضحا أن "المؤسسة ترى أن تكوين لا يستحق أن يلتفت إليه"، مضيفا: "ولقد كتبت أنه لا فائدة حين يُطرح النقاش ودعوات للمناظرة حول أمور مع قوم لا منهج لهم ويرتبطون بأجهزة مخابرات غربية ويعزفون لمن يدفع".

وأشار في نهاية حديثه إلى أن "هذا كلام معروف وليس ادعاء، وذكره الإعلامي المصري حافظ الميرازي، حين أكد عبر صفحته بفيسبوك قبل شهور أن فضائية (الحرة) الأمريكية فتحت أبوابها ببرنامجين لإبراهيم عيسى وإسلام بحيري. كما أن ألبرتو فرنانديز الذي يشرف على القناة ويعمل بمعهد الشرق الأوسط جزء من خطة إماراتية لإعادة بناء هوية المنطقة العربية من منظور صهيوني".

التعليقات (0)

خبر عاجل