في تصرف مفاجئ من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قامت بقبول مقترح
برعاية مصر وقطر، بالقبول بهدنة، وفق اتفاقات وخطوات، ولكن الكيان الصهيوني استمر
في تنفيذ تهديده باجتياح رفح، رغم كثرة التحذيرات التي تمت من الكثيرين، بأن هذا
الاقتحام سيمثل كارثة إنسانية كبرى، وهو ما حدث بالفعل وتم الاعتداء على رفح.
ثم زاد الأمر استغرابا، أن دبابات إسرائيلية حامت واقتربت من الحدود
المصرية من رفح، وهو ما يعد انتهاكا واضحا وبينا للسيادة المصرية، لأن الاتفاقات
التي بين الكيان ومصر في اتفاقية السلام، يقضي بعدم الاقتراب من مسافات معينة،
وهناك مناطق منزوعة السلاح، ليس مسموحا لأي من الطرفين الاقتراب منها بأسلحة، ولكن
الكيان ضرب بكل ذلك عرض الحائط.
لم تهدأ صفحات التواصل الاجتماعي، سواء المعارض للسيسي، أو المؤيد
له، من الحديث عما قام به الكيان في رفح، وهو ما جعل الجميع يتساءل: أين كلمات
السيسي: مسافة السكة، وأن الجيش مجهز لأن يفرد في مصر في ساعات، وأن من سيقترب من
مصر هشيله من على وش الأرض شيل.
عدم اتخاذ أي إجراء يحفظ الكرامة المصرية من السيسي ونظامه، مفهوم
لمن يعلم علاقة هذا النظام بالكيان الصهيوني، وقد ذكرت في مقال سابق ما كتبه مدير
مكتب النيويورك تايمز كيركباتريك في كتابه: (في أيدي العسكر)، من دخول طيران وسلاح
إسرائيلي لضرب الجماعات الجهادية بطلب وعلم من السيسي ودائرة صغيرة جدا حوله، فهل
يعقل أن القوات الإسرائيلية إذا حامت حول حدود مصر، سيتحرك السيسي، أو يزمجر ولو
بالكلام؟!
بل كان رد الفعل مهينا لمصر ومكانتها، فخرجت الأخبار بأن مصر تقدم
شكوى إلى
الاحتلال لنشره فيديو رفع العلم على
معبر رفح، أي أن المرفوض ليس
الاقتحام، لكن نشر فيديو، يسبب حرجا لهذا النظام مع شعبه والعالم!!
من يرصد ردود أفعال أذرع النظام السيساوي الإعلامية والسياسية
والدينية، ويقارن بين كلامهم عن الصهاينة، وكلامهم عن المعارضة السياسية، ويقارن
بين رد فعل النظام مع الصهاينة، ومع المعارضة، ستتضح له بشكل فج أحد ألوان
الصهاينة العرب الواضحة، سواء كانوا حكاما أم محكومين مؤيدين.
لا زالت أحداث غزة ورفح، كاشفة وفاضحة، لهذه الأنظمة، أنها مستأجرة لعداء أمتها وبني جلدتها، وأنها مجرمة مع شعوبها، مهيضة الجناح وذليلة مع أعداء أمتها، لأنه لا يمكن أن يصنفوا أعداء لهذه الأنظمة، فهم سر بقائهم، وهم أدوات الحفاظ عليهم في كراسيهم، والبحث عن رد فعل منهم ضد جرائمهم، هو انتظار لمسافة سكة طالت، وستطول، ولن تصل بنا إلا إلى السراب.
فعند اعتصام سلمي تم في ميدان رابعة والنهضة، وغيرها من الميادين،
وتظاهرات سلمية، ينزل الجيش المصري بأعتى الأسلحة، والقتل العلني، بتأييد غربي،
وصمت كامل، ودعم غير مسبوق، ليس ماديا فقط، بل على جميع المستويات، وكان الفض في
أكبر مجزرة مرت بتاريخ مصر على الهواء مباشرة.
وعندما أخطأ مواطن غزاوي على الحدود المصرية البحرية، وتجاوز بالخطأ،
لم يمهل، بل أمطره حرس الحدود المصرية بالنيران، حتى قتل الرجل، رغم أن ملامحه
واضحه بأنه عربي، وأنه دخل بالخطأ، لكن في حادث رفح وغيره، يكون رد الفعل: اللوم
فقط في نشر الفيديو!
عندما كان المعتصمون السلميون في مصر في الميادين، طلب السيسي تفويضا
لقتلهم، وخرج المؤيديون له بالتفويض، وخرج إعلامه يحرضه، ويناديه: ماذا تنتظر؟
تفويضا وأعطيناك، انزل ودك رابعة بمن فيها، كان هذا لسان الإعلام السيساوي بلا
استثناء.
وعندما جاءت أحداث طوفان الأقصى، أراد النظام اغتنام اللحظة واللقطة،
فخرج الشيخ علي جمعة في مجلس الشعب، مرتديا الكوفية
الفلسطينية، وخرج آخرون من
أذرع النظام، كلهم بلا استثناء معلنين: نفوض السيسي لمواجهة أي خطر يحدق بمصر،
والدفاع عن مصر.
فنفذ السيسي التفويض في قتل المواطنين السلميين، لكنه لم يسمع ولم ير
التفويض الآخر ضد أي تحرش بحدود مصر، وهو القائل من قبل: مسافة السكة، فلما كانت
له مصلحة بتحريض من أعداء الربيع العربي، أرسل قواته لليبيا، لضرب أشخاص برآء، لا
علاقة لهم بذبح المصريين في ليبيا، ورغم أن السكة مسافتها أقصر وأقرب في رفح من
غيرها، فلم ولن تتحرك، لأن السكة هنا تصل بالجندي المصري إلى الكيان الصهيوني، وهو
ما لن يسمح به السيسي.
العجيب أن أذرع السيسي الإعلامية، ادعت الحكمة والصبر، وعدم السخونة
وراء من يريدون جر مصر لحرب، ولا أحد يريد لمصر الحرب، سواء المؤيد أو المعارض
للسيسي، لأن الحرب ضريبها كبيرة، لكن الرد اللائق بقيمة مصر، لم يحدث، ولن يحدث،
وإذا كان هذا النظام حكيما مع الصهاينة، فأين هذه الحكمة من المعارضين السلميين،
فمن ينطق بحرف، مكانه وراء الشمس، والتنكيل به حتى يموت في سجنه.
لا زالت أحداث
غزة ورفح، كاشفة وفاضحة، لهذه الأنظمة، أنها مستأجرة
لعداء أمتها وبني جلدتها، وأنها مجرمة مع شعوبها، مهيضة الجناح وذليلة مع أعداء
أمتها، لأنه لا يمكن أن يصنفوا أعداء لهذه الأنظمة، فهم سر بقائهم، وهم أدوات
الحفاظ عليهم في كراسيهم، والبحث عن رد فعل منهم ضد جرائمهم، هو انتظار لمسافة سكة
طالت، وستطول، ولن تصل بنا إلا إلى السراب.
[email protected]