الحرب الصهيونية الضارية التي تشنها القوات
الصهيونية المدعومة بإسناد أمريكي من حيث التخطيط والرصد، واستخدام الأقمار
الصناعية وحشد قواتها العسكرية في السفن الحربية في البحر الأبيض المتوسط، والإسناد
الميداني بالرصد والتخطيط، والمدعومة سياسيا وإعلاميا من قبل الدول الغربية
الكبرى، التي يحلو لها أن تطلق على نفسها بدول العالم الحر، والوصاية على
الديمقراطية وحقوق الإنسان!! هذه الحرب كشفت القناع وأسقطت دعاوى ما يسمى بالعالم
الحر والدفاع عن حقوق الإنسان والحق في تقرير المصير، وأكدت نفاقه وازدواجية معاييره من عدة وجوه:
الوجه الأول ـ الانطلاق في التعامل مع
الصراع الصهيوني ـ
الفلسطيني، وكأنه وليد عملية "طوفان الأقصى" التي يتم
توصيفها من قبل إعلامه المخترق صهيونيا بأنها "إرهاب" في سعي لطمس أصول
هذه القضية ونشأتها الأولى ومراحلها المختلفة.. وهي النشأة التي يتحمل فيها الغرب "المتحضر"
المسؤولية الأولى من خلال وعد بلفور القائم على إقحام هذا الكائن السرطاني في قلب
العالم الإسلامي، سعيا منه للتكفير عن عقدة الذنب تجاه ما تعرض له اليهود من
اضطهاد في البلاد الغربية التي بلغت أوجها في معسكرات الاعتقال النازية!!!
ثانيا ـ إن هذه المقاربة المفضوحة والمتحيزة
تسعى إلى إلغاء ما يزيد عن نصف قرن من الاضطهاد والتنكيل، والجرائم الإرهابية التي
ارتكبها الكيان الصهيوني المدعوم من قبل القوى الغربية؛ بدءا بما قامت به عصابات
الهاجانا التي مارست التقتيل في حق الفلسطينيين، ومرورا بالحروب المتتالية وحرب
1967 وما ترتب عنها من نتائج.
منذ ذلك التاريخ تحول الشعب الفلسطيني إلى
شعب بدون أرض يعيش في الشتات أو محاصرا في الضفة الغربية، وتحت البطش المتواصل به
وعشرات جرائم الإبادة الجماعية المتكررة، التي مورست في حقه خلال ستة عقود أو يزيد
فضلا عن الدور الداعم للمنظمات الصهيونية، التي شجعت عمليات تهجير اليهود من مختلف
أقطار العالم ومنها عدد من الدول العربية إلى أرض فلسطين بما واكب ذلك، وصاحبه من
طرد الفلسطينيين من أرضهم وتحويلهم إلى لاجئين في المخيمات أو في الشتات.. كما
تحولت فلسطين لـ "شعب دون أرض" وجمع شتات اليهود في العالم من مختلف
الجنسيات والإثنيات بناء على أسطورة أرض الميعاد وغيرها من الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني..
ثالثا ـ إن الدول الغربية التي تزعم أنها
دول لحقوق الإنسان ودول تؤكد على حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ترفع شعار نشر قيم
وممارسات حقوق الإنسان في الدول العربية والإسلامية وتبتزها بذلك من خلال منظماتها
والناشطين فيها، تجد نفسها اليوم خرساء غارقة في ازدواحية المعايير والكيل
بمكيالين حين يتعلق الأمر بالانتهاكات الحقيقية والجسيمة لتلك الحقوق، وعلى رأسها
حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي يعتبر جزءا أساسيا في العقيدة السياسية والحقوقية
للدول والمجتمعات الغربية "المتحضرة".
لكنها تصبح خرساء عمياء حين يتعلق الأمر
بالشعوب غير الغربية والشعوب البيضاء، إذ سرعان ما تظهر ازدواجية في المعايير،
وتبدأ بعملية تزوير للتاريخ ومحاولة مسح تاريخ طويل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان في المنطقة وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حقه في تقرير مصيره
وفي بناء دولته المستقلة.. وحقه في الحماية من
العدوان ومن كل أشكال وصور الإبادة
الجماعية والجرائم ضد الإنسانية .
إن الغرب اليوم ودوله "المتحضرة" ضالعة في حرب الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة أساسا وفي الضفة الغربية بشكل أو بآخر. كما أن موقفه من الصراع القائم يعكس تناقضات منطقه في التفكير القائم على ازدواجية المعايير
إنها بحصرها للعوامل التي نتجت عنها حرب
الإبادة التي يمارسها جيش
الاحتلال الصهيوني في عملية القدس تمارس كذبا على
التاريخ وتضليلا وطمسا لحقائقه؛ ولكل تلك الحقائق التاريخية فنضال الشعب الفلسطيني
لم يبدأ من عملية طوفان الأقصى، أي يوم انطلق المقاومون الفلسطينيون وهم يعبرون
أسلاك وحدود الفصل العنصري، والسجن الكبير الذي وضع فيه جزء كبير من أبناء الشعب
الفلسطيني في غزة.. وفي المخيمات المحاصرة في الضفة الغربية هو تاريخ نضالي طويل،
وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ حافل من المقاومة، وليس عملية إرهابية قام بها أشخاص
متعطشون للدم، وإنما أشخاص مقاومون متطلعون لنيل الشهادة فداء للأرض والعرض..
رابعا ـ إن الغرب اليوم ودوله "المتحضرة"
ضالعون في حرب الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة أساسا وفي الضفة
الغربية بشكل أو بآخر. كما أن موقف الغرب من الصراع القائم يعكس تناقضات منطقه في
التفكير القائم على ازدواجية المعايير. وتنكشف تلك الازدواجية في موقفه من حربين
لا يفصل بينهما زمن طويل: الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة، فعندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين فإن كفاحهم
ونضالهم من أجل استعادة حقوقهم المسلوبة يصبح إرهابا وعدوانا تجب محاربته بكل
الأشكال، بينما يصبح دفاع الأوكرانيين عن أراضيهم حقا مشروعا، ودفاع الفلسطينيين
عن أقصاهم وقدسهم ومدنهم المحتلة جريمة لا تغتفر، ولا يمكن التعاطف والتضامن معهم،
والكيان الصهيوني كيان فوق المحاسبة ولا تنطبق عليه المعايير والقيم والمبادئ
والقوانين الدولية المتعارف عليها دوليا.
غير أن الأقنعة لم تسقط فقط عن الغرب
وانكشاف نفاقه وكذبه، وهو يلوي عنق التاريخ يطمس حقائقه بتحويل الشعب الفلسطيني،
الذي يمارس حقا مشروعا تضمنه الشرائع السماوية والمواثيق الدولية أي الحق في
المقاومة إلى إرهاب.. وإنما سقط أولا وقبل كل شيء عن النظام العربي برمته، وهو
النظام الذي يقف اليوم موقف المتفرج على الحرب التي تشن على الشعب الفلسطيني، وعلى
جرائم الإبادة الجماعية التي تمارس في حقه، وسقط القناع بالخصوص عن المتصهينين من
بني جلدتنا المخترقين صهيونيا لدرجة أن يصرح أحدهم قائلا: "كلنا إسرائيليون"
في مقابل الملايين من الجماهير العربية والإسلامية وغير الإسلامية والغربية، التي
خرجت في العواصم والمدن الغربية والإسلامية والدولية تصرخ بشعار واحد "كلنا
فلسطينيون".
وتبقى المقاومة الفلسطينية شاهدة باستبسالها
ومجسدة لقوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا"، فالمقاومة الفلسطينية ليست إرهابا وإنما الإرهابي هو
الكيان العنصري الصهيوني، وكل من يبرر جرائمه ويحاول إلصاق التهمة بالطرف المقاوم
المعتدى عليه شريك في العدوان، وستقول فيه محكمة التاريخ عاجلا أم آجلا كلمتها.
وتبقى الشعوب العربية والمسلمة التي خرجت في
مظاهرات حاشدة حصنا حصينا ضد الاختراق الصهيوني، حيث يقيم لها الكيان الغاصب ألف
حساب وكذلك أحرار العالم الذين خرجوا في العواصم الأوروبية وفي شوارع لندن
ونيويورك وواشنطن، مما يدل على أنه لا يزال في العالم أحرار، تماما كما رفض أحرار
العرب في مكة المكرمة الحصار الظالم الذي أقامته قريش المستكبرة بأموالها ونفوذها
وأصنامها، وادعائها خدمة الكعبة وحجاجها على المسلمين المستضعفين حيث حبس رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم في السنة
السابعة من البعثة، وبقوا محاصرين لا يبيع إليهم ولا يشتري منهم مضيقا عليهم نحو
ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد إلى أن تنادى بعض العقلاء منهم لإنهاء هذه المقاطعة
والحصار الظالمين، فقاموا بتمزيق وثيقة الحصار التي علقت على الكعبة فوجدوا أن
الأرضة قد أكلتها.
غزة ستنتصر.. فلسطين ستتحرر وقريبا سينتفض
عقلاء العالم لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، وقبل ذلك سينتصر الصمود الفلسطيني
والمقاومة الفلسطينية، وستأكل الأرضة على الأرض الفلسطينية كل المواثيق والأحلاف
والخطط والمؤامرات "وما يعلم جنود ربك إلا هو".