إن الشعب
الفلسطيني الضحية من أسير وجريح وحتى الشهيد، يصطدم يوميا بل بكل دقيقة في صفات تلتصق به كـ"القاتل والإرهابي والمتوحش"، فيسيل دم
الفلسطيني من الصباح وحتى المساء، ويُنعَت بالإرهابي فيما بينهما.
بدأت الحرب صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ولم ينته التصعيد على
غزة حتى
الآن، ما زالت الصواريخ التي تنبعث من تل أبيب تستهدف المباني بلا تحذير مسبق، دون
أن تأبه بالأبرياء الذين يسكنون هذه المباني، ولا تكاد تصدر إسرائيل بيانا صحفيا، إلا وقد وسمته بعبارتها المقيتة التي ما ملّت من تكرارها وهي: "استهدف الجيش
الإسرائيلي مواقع عسكرية لحركة حماس الإرهابية"، فأصبح كل صاروخ مدمر يستهدف
المدنيين يتبعه هذا التصريح مباشرة؛ ليبرر جرائم الاحتلال وأعماله الوحشية بحق
الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ في قطاع غزة.
بدأ الإعلام الغربي تغطيته لهذه الحرب بالعنوان الأكبر "هجوم
إرهابي مفاجئ على المدنيين الأبرياء في إسرائيل"، وتبعته التقارير التي تحدثت
على حد تعبيرها عن "صدمة الإسرائيليين من وحشية الفلسطينيين تجاه
الأطفال"، هذه الوحشية التي ما زال يتحدث عنها الغرب ويصفها بدموع باكية، وبأيادٍ
تضرب بالحزن صدورهم، دون أن يعرضوا المشهد بحيادية وكما هو على حقيقته، بل يرمون
الاتهامات دون أن يضعوا الإثباتات الواضحة على ذلك، وبات الإعلام الغربي يكرر
الموّال نفسه صباح مساء، ويضلل مشاهديه، ويبعدهم عن الحقيقة الجلية، وهي أن الأراضي
الفلسطينية هي أراضٍ محتلة، وللشعب الفلسطيني الحق في الدفاع عن أرضه وحقوقه
المسلوبة.
الصحف الإخبارية الغربية
كان التحيز إلى الجانب الإسرائيلي واضحا في معظم النشرات الإخبارية
الغربية، وحتى المواقع والصحف الرصينة منها، فهذا هو المنحى غير المتوازن الذي
اعتادت الصحف الغربية على اتخاذه فور صدور أي خبر يخص الحروب على غزة، لكنها في
هذه المرة كانت مندفعة أكثر من السابق، فبدأت بعض الصحف بتشبيه ما تفعله المقاومة
بما كان يصدر عن تنظيم الدولة من جرائم وأعمال بربرية، وأصبحت المقاومة الفلسطينية
في ليلة وضحاها النسخة الأولى لداعش، بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، وغيرها من
الأعمال التي لم يكن هناك أي دليل على وجودها، وهنا نجد هذه الإنسانية الغربية
المزعومة غافلة تماما عن المشاهد المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والتي
نراها يوميا من أطفال فُصِلت أدمغتهم ورؤوسهم عن أجسادهم، ونساء تلقت خبر استشهاد
عائلتها وهي على رأس عملها تنقذ ضحايا القصف المستمر، وغيرها من المشاهد المرعبة
والمتروكة على الرف، فما يزال الإعلام الغربي يضلل جماهيره بالتزامه هذا القالب
المزيف، الذي يصف المحتل بالإرهابي ويذرف الدموع على الاحتلال ويصفه بالضحية.
تُوصَف الـ CNN على أنها الشبكة التلفزيونية الأكثر ثقة في بريطانيا، نشرت خبرا
بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر، بعنوان "إسرائيل تقصف غزة بغارات جوية، كما تكشف فظائع
حماس"، وتضمن الخبر أن "فظائع هجوم حماس على المجتمعات الحدودية آخذة في
الظهور، حيث تم العثور على أطفال "مذبوحين" في أحد الكيبوتسات، كما قُتل
ما لا يقل عن 1200 شخص في إسرائيل."
واستخدمت الشبكة الأكثر ثقة في بريطانيا –كما يُقال- ألفاظا كـ
(فظائع، مذبوحين، قُتل)، هذه الألفاظ التي تحمل دلالاتها وقعا أقوى على الجماهير،
كما استخدمت فئة الأطفال وهي الفئة الأكثر حساسية في أي حرب، فنُقِل الخبر الصحفي
في أسلوب يتعمّد إثارة عواطف الجمهور نحو إسرائيل.
أما في حديثها عما تتلقاه غزة من قصف وقتل للأبرياء، فقد تناولت
الخسائر المادية وكأنها الجوهر والهدف الرئيسي للقصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن
الاحتلال لم يستهدف حياة الأطفال أو النساء.
أما صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، فنشرت خبرا بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر، يتضمن
أنه "يُخشى أن يكون سبعة عشر مواطنا بريطانيا من بينهم أطفال، قد لقوا حتفهم
أو فقدوا في أعقاب الهجوم الوحشي الذي شنته حماس على إسرائيل"
ذكرت الصحيفة مخاوفها على حياة البريطانيين، لاستمالة جمهورها، تاركة
الحقيقة الأكبر، وهي أنهم تركوا وطنهم، واحتلوا وطن غيرهم، وأنهم جزء من الاحتلال.
"مدينة غزة بينما ترد إسرائيل على هجمات حماس الإرهابية"، كان هذا عنوان البث الحي لمشاهد القصف على قطاع غزة لشبكة فوكس نيوز الأمريكية، مع
كل مشاهد الانهيار الواضح للمباني، والدخان المتصاعد في الأجواء، والأصوات المرعبة
في الخلفية، إلا أنها وصفتها بأنها رد فعل لما فعلته منظمة حماس الإرهابية.
نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية مقاطع فيديو من داخل أحد مشافي قطاع
غزة، بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر، مصورة المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وإصابة الأطفال
بالقصف الإسرائيلي، ومخاوف من تعطل الأقسام نتيجة نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي.
ونشرت ذات الصحيفة مقالا للصحفي ستيف تينزي، كتب فيه: "لم أر
شيئا كهذا في حياتي كلها، بعد أربعة أيام من بدء هجمات حماس الإرهابية في
إسرائيل، اكتشف جنود الجيش الإسرائيلي والصحفيون الدوليون الرعب الذي ضرب كيبوتس
كفار عزة وبئيري، التي سيطرت الجماعة الإسلامية عليهما، ولم تترك وراءها سوى الجثث".
وهنا نرى ازدواج المعايير الواضح.
ومن جهتها نشرت شبكة DW الألمانية تقريرا بعنوان: "قطاع غزة-الهجوم البري بعد
الإغلاق"
كتبت في وصفه: لقد سقط مئات الإسرائيليين ضحايا لهجمات نفذتها منظمة
حماس الإرهابية الإسلامية المتطرفة. وردا على ذلك، أغلقت إسرائيل قطاع غزة وقصفته،
ويبدو أن الهجوم البري على قطاع غزة أصبح وشيكا".
يأخذ هذا الخبر المنحى التقليدي الغربي المعروف، وهو أن المقاومة في
غزة ما هي إلا "جماعة إسلامية، إرهابية، ومتطرفة"، كما أنها تبرر جرائم
الاحتلال في غزة، وانهيار أسقف المباني على ساكنيها، بأنها جاءت ردا لما فعلته
حماس بالإسرائيليين، الذين ما ملت الصحف من وصفهم بالضحايا.
ونشر "ريس" رئيس تحرير صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية تقريرا
بتاريخ 9 تشرين الأول/ أكتوبر، تحت عنوان "يوما ما، يجب على الجميع إعادة ضبط العداد على
الصفر".
ينفي فيه أن ما يحدث في فلسطين الآن هو عبارة عن حرب ومعركة بل وصفها
بالهجوم الإرهابي، فقال: "بينما تحدث نتنياهو عن "حرب"، تحدث
الصحفيون عن "هجوم إرهابي"، وكأنهم يريدون إخراج هذا الحدث من روتين
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن الرعب الذي يعيشه المدنيون الذين يجدون
أنفسهم في منازلهم في مواجهة قتلة حماس، لا يترك مجالا للشك."
مضيفا: "ومن الواضح أن دوافع هذه الاغتيالات ليست أسباب النزاع
المسلح بين الشعبين".
وأشار إلى أن الدافع الوحيد لما تقدم عليه المقاومة، ليس إلا تطهيرا
عرقيا لليهود، فكتب "حماس تهدف إلى جعل دولة إسرائيل تختفي، من خلال إعدام
مئات المواطنين الإسرائيليين واحدا تلو الآخر، فقط بسبب أصولهم، نفذت المنظمة
الإرهابية بوضوح سياسة التطهير العرقي".
والسؤال هنا، بالنسبة إلى عقلية الغرب، هل سرقة الأرض تعد سببا
كافيا لدفاع المقاومة الفلسطينية عنها؟ وما هي المعايير التي يصنف الغرب الأعمال
الإرهابية على أساسها؟ ولماذا لا يُعتبر سكان غزة مدنيون وأبرياء؟ أم إنهم يرون
الطفل الفلسطيني طفل المعجزة الذي يولد حاملا سلاحه في المهد؟
وسؤال آخر يتبادر إلى الذهن دائما، هل يبحث الغربيون عن الحقيقة
العقلانية، أم إنهم يؤمنون بالحقيقة الملفوظة من آبائهم؟
تجد الصحف الغربية نفسها بمنتهى الحيادية حين تصف ما يحدث في فلسطين
بأنه "صراع بين دولتين"! متناسين ومتجاهلين بأن صراع دولة مع احتلال، لا
يعد صراع دولتين، ولا يُمنح للاحتلال وطن مهما طالت إقامتهم في أرض سُلبت بدماء
شعبها.
وكيف ينسى الإعلام الغربي أن الشعب الفلسطيني شعب محتل، ولا يوجد أي
قانون أو ميثاق دولي يمنع المحتل من الدفاع عن أرضه، وأن الاحتلال حتى وإن كان
يحمل وردة، فهذا لا ينكر حقيقة احتلاله، مع أن هذا الاحتلال يقيم حروبه على أساس
استهداف المدنيين والأبرياء.
كما أن المقارنة دائما ما تكون غير عادلة؛ فلا مكان آمن داخل غزة. أما الإسرائيلي، فإن شعر بالخطر يهرع إلى تذكرة طيرانه ويغادر من إسرائيل إلى موطنه
الأصلي؛ لأن كل إسرائيلي هو مزدوج الجنسية ويحمل جنسية أخرى، أما أصحاب الأرض فلا
يهربون من أرضهم إلا إليها.