منذ
منتصف نيسان/ أبريل، يشهد
السودان اشتبكات عسكرية مستمرة بين القوات السودانية تحت
قيادة عبد الفتاح
البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة
حميدتي. وعلى الرغم من
أنه لا تقدم عسكريا لطرف على حساب آخر، إلا أن الأطراف المتصارعة تسعى إلى تعزيز
ترسانتها العسكرية، وترفض الحلول والمبادرات السياسية المقترحة.
وتتجاهل
هذه الأطراف الأزمة الإنسانية والبشرية لبلد كان يعاني من الفقر والبطالة قبل
بداية الاشتباكات. لقد نتج عن هذه المواجهات قتل الآلاف من المدنيين وتشريد أكثر
من عشر السكان، بالإضافة إلى انتهاكات يرتكبها المسلحون تجاه سكان القرى والبلدات
السودانية، كما خرجت 80 في المائة من المرافق الصحية عن الخدمة، وانعدمت الخدمات
العامة من كهرباء أو ماء أو مواصلات.
في
الأيام الأخيرة، يشهد السودان تحولا استراتيجيا في مشهد
الصراع الداخلي، حيث
تعمل الأطراف المتصارعة على رسم خارطة تحالفات إقليمية لتغيير المشهد العسكري على
الأرض. ويبدو أنّ معالم هذه التحالفات بدأت تتوضح شيئا فشيئا، من خلال الزيارات
الخارجية التي يقوم بها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وعليه فلا بد من
تحليل هذه الزيارات لفهم إمكانية الحلول المستقبلية للسودان، أو على الأقل لمحاولة
فهم ما يجري هناك.
في الأيام الأخيرة، يشهد السودان تحولا استراتيجيا في مشهد الصراع الداخلي، حيث تعمل الأطراف المتصارعة على رسم خارطة تحالفات إقليمية لتغيير المشهد العسكري على الأرض. ويبدو أنّ معالم هذه التحالفات بدأت تتوضح شيئا فشيئا، من خلال الزيارات الخارجية التي يقوم بها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
في
البدء، حطت طائرة البرهان في مطار القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،
ويبدو أن البرهان استغل أحداث الصراع الأولى مع قوات الدعم السريع؛ إذ إن الساعات
الأولى للاشتباكات حملت رسالة واضحة لمصر بأنّ نفوذها في السودان بدأ يتقلص، كما
أنه قد ينتهي إذا ما سيطرت قوات الدعم السريع على المشهد العسكري في السودان، وقد
جاءت هذه القراءة نتيجة مقاطع الفيديو الكثيرة، التي أظهرت جنودا مصريين تم
احتجازهم في قاعدة مروي الجوية في شمال السودان.
يفهم
البرهان جيدا أهمية التحالف مع مصر؛ لأن ذلك سيوفر له حماية الجبهة الشمالية، وقد
يوفر له دعما جويا سريا مصريا لاستهداف قوات الدعم السريع ومخازن أسلحتها.
ويستغل
البرهان إحساس مصر بضعف نفوذها في السودان بعد الإطاحة بعمر البشير، هذا النفوذ
الضعيف الذي وصل إلى مرحلة قامت فيها مصر بالاستعانة بأطراف دولية أخرى للإفراج عن
محتجزين مصريين لدى قوات الدعم السريع، ويبدو كذلك أن البرهان بحث في القاهرة سبل
الحصول أسلحة لمواصلة الحرب ضد قوات الدعم السريع، خصوصا أنّ هناك أطرافا إقليمية كالإمارات تدعم حميدتي بالأسلحة.
وهذا
بالضبط ما كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال، التي تحدثت عن طائرة شحن إماراتية هبطت
في مطار أوغندي بداية حزيران/ يونيو الماضي، وتأكد أنها كانت تحمل أسلحة وذخيرة، في
الوقت الذي كانت تُظهر فيه وثائق رسمية أن الطائرة تحمل مساعدات إنسانية إماراتية
إلى اللاجئين السودانيين. وكذلك الأمر، التحليل الذي طرحه الأكاديمي
السوداني "تاج السر عثمان" عندما تحدث عن الدور الذي يؤديه السفير
الإماراتي في السودان وتحركاته، وكيفية دفع قيمة الأسلحة عبر الذهب.
لا حلول تلوح في الأفق بالنسبة إلى المعضلة في السودان؛ إذ إن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا يؤمنان بالتفاوض المباشر دون الشروط المسبقة، بل يسعى الطرفان إلى طرح مبادرات تدعم رؤيتهم ومصالحهم في السودان، كما أنهما يدفعان بالحلول العسكرية إلى الأمام كذلك، من خلال البحث عن الدعم العسكري من الحلفاء الإقليميين.
ويبدو
أن برمجة زيارات البرهان إلى الدوحة أولا وإلى السعودية ثانيا، ما هو إلا لتقوية
الموقف التفاوضي بالحصول على دعم إقليمي من القوى الإقليمية المؤثرة مثل قطر
والسعودية. وهناك أحاديث تفيد بأن البرهان يبحث عن دعم إقليمي لتشكيل حكومة تصريف
أعمال، يمكن أن يناقش تفاصيلها مع المسؤولين في السعودية. بالطبع هذه المبادرة تأتي
كرد على أنباء تتحدث عن طرح حميدتي مشروع تحويل السودان إلى دولة فيدرالية، هذا
المشروع الذي يهدف إلى تغيير نظام الحكم في السودان، والتقليل من سلطة النظام
المركزي لصالح مناطق نفوذ محلية ضمن المحافظات السودانية.
في
الحقيقية، تشير تركيبة الوفد المرافق للبرهان إلى مصر ومن ثم إلى الدوحة، إلى
الاستراتيجية المزدوجة ورؤية البرهان للحل المستقبلي للبلاد؛ إذ إنه يصطحب معه
وزير الخارجية "علي الصادق" فيما يبدو لمناقشة الحل السياسي والمبادرات
السياسية، ورافقه كذلك مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل
لمناقشة التطورات العسكرية.
لا بد
من القول أخيرا؛ إنه لا حلول تلوح في الأفق بالنسبة إلى المعضلة في السودان؛ إذ إن
الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا يؤمنان بالتفاوض المباشر دون الشروط المسبقة،
بل يسعى الطرفان إلى طرح مبادرات تدعم رؤيتهم ومصالحهم في السودان، كما أنهما
يدفعان بالحلول العسكرية إلى الأمام كذلك، من خلال البحث عن الدعم العسكري من
الحلفاء
الإقليميين. ومع علمهم المسبق بأنه لا تقدم عسكريا لطرف على حساب آخر، إلا أنهما
مستمران في تعزيز هذا الصراع، متجاهلين الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي يعاني منها
الشعب السوداني.