قال
مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، غوست
هيلترمان، في مقال نشرته مجلة "
فورن أفيرز"، إن موجة صفقات التطبيع
المنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط تشير إلى الانفصال عن عقد من الاضطرابات التي
أطلقتها الانتفاضات العربية 2010-2011، في إشارة إلى التقارب التركي مع دول
الخليج، والتطبيع العربي مع دولة الاحتلال.
ورأى
أن الدول التي اتبعت نهجا عسكريا تجاه بعض صراعات المنطقة، بشكل مباشر أو
بالوكالة، قررت في الوقت الحالي على الأقل، أن الدبلوماسية هي طريقة أفضل لتعزيز
مصالحها.
وأشار
إلى أن اليمن يمكن أن تكون مثالا على ذلك، حيث انخرطت
السعودية على مدار العامين
الماضيين، في محادثات مع المتمردين الحوثيين المدعومين من
إيران في محاولة لإنهاء
الحرب. وهذه هي الفوائد المتصورة للتطبيع التي تقترحها إدارة بايدن، التي تعتقد أن
التقارب بين إسرائيل والسعودية قد يساعد في إنقاذ عملية السلام الإسرائيلية
الفلسطينية المحتضرة.
وأضاف
المقال: "لكن يجب على المراقبين أن يحرصوا على عدم المبالغة في هذا التغير
الظاهر. فإن العديد من الدوافع الكامنة وراء صراعات المنطقة لا تزال دون معالجة
إلى حد كبير، ومنها الجدل حول دور الإسلام والإسلاميين في الحكومة، والعداء الطويل
بين إيران وكل من إسرائيل وبعض الدول العربية، إضافة إلى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، الذي يواجه عنفا جديدا متسارعا وسط صعود حكومة يمينية متطرفة في
إسرائيل، فضلا عن الافتقار إلى الحكم الفعال في المنطقة، والذي يعززه الحكم
الاستبدادي، وفي الواقع، قد يكون تطبيع العلاقات بين الحكومات المختلفة قد زاد من
ترسيخ بعض هذه المشاكل".
اظهار أخبار متعلقة
في
غضون ذلك، كان لحكومة أردوغان في
تركيا دوافعها الخاصة للعودة إلى الدبلوماسية. ولأكثر من عقد من الزمان، تدهورت علاقات أنقرة مع السعودية والإمارات ومصر بشدة.
على الرغم من أن تركيا انتصرت في ليبيا ونجحت في مساعدة أذربيجان على استعادة
أجزاء من ناغورنو كاراباخ والمناطق المجاورة في عام 2020، إلا أن دعمها للإخوان
المسلمين
المصريين وغيرهم من الإسلاميين في المنطقة أثار حفيظة تلك الحكومات
العربية. ومع ذلك، فقد رأوا أن جهودهم لتقييد الإسلاميين قد نجحت إلى حد كبير،
أولا في انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي عام 2013 ضد الرئيس محمد مرسي في مصر،
ثم تدريجيا في أماكن أخرى أيضا. وكما أظهرت رحلة أردوغان الأخيرة إلى الخليج، فإن
تطبيع العلاقات، على الأقل في التجارة، يمكن أن يعني دفعة كبيرة للاقتصاد التركي
الذي يعاني.
وظهرت
بعض النتائج الأكثر دراماتيكية لحملة التطبيع الجديدة في الشرق الأوسط في النصف
الأول من عام 2023 في اتفاق السعودية وإيران على استعادة العلاقات الدبلوماسية في
آذار/ مارس. فقد حافظ كبار المسؤولين الأمنيين الإيرانيين والسعوديين على حوار
ثنائي متقطع لبضع سنوات حتى تدخلت الصين، التي أدركت أن هناك فرصة التدخل مع
انشغال واشنطن، في وقت مبكر من هذا العام.
مع
ذلك، فقد كانت هناك خطوة تطبيع مدهشة أخرى تتمثل في جهود بعض القادة العرب لإعادة
العلاقات مع النظام السوري. وقادت
الإمارات الطريق بإرسال وزير خارجيتها إلى دمشق
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وزيادة المساعدات والتجارة. ثم في أيار/ مايو،
أعادت جامعة الدول العربية إدخال سوريا إلى صفوفها بعد دفعة أخيرة من السعودية. واستأنفت تركيا المناقشات مع دمشق هذا الربيع، بدفع من روسيا وحرصت على الإعلان
قبل الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو أنها تسعى بنشاط لإيجاد طريقة لعودة
اللاجئين السوريين إلى سوريا.
ومن
منظور خفض الصراع، فإن تحول الشرق الأوسط إلى الدبلوماسية والتطبيع يقدم فوائد لا
جدال فيها، حيث إن العديد من الصراعات المتشابكة في المنطقة - بين إسرائيل وحماس،
وإسرائيل وإيران، وإسرائيل وحزب الله - ليست إلا على بعد شعرة من التصعيد الكبير.
ولهذا فإن وجود خطوط اتصال ودبلوماسية نشطة أمر بالغ الأهمية، وفق الكاتب.
ويتساءل
الكاتب عن ما يعنيه كل هذا، وإذا كان هناك ما سيساعد في معالجة نفوذ الدولة العميقة الدافعة
للصراع في كل دول المنطقة، فهو أمر غير مؤكد.
وأشار إلى أنه بعد عامين من اتفاقية العلا، فلا تزال الإمارات بعيدة عن قطر وتركيا،
ناهيك عن إيران، في ما يتعلق بمسألة دور الإسلام في الحكومة. وعلى الرغم من أنه من
غير المرجح أن يتولى الإسلاميون السلطة في أي مكان في أي وقت قريب، فإن الدعم
الشعبي الذي لا يزالون يتمتعون به في جميع أنحاء المنطقة وفطنتهم التنظيمية هي
مسألة تتعلق بالاهتمام الإماراتي الدائم.
وسلط
اتفاق العلا الضوء على نوايا محمد بن سلمان تحويل السعودية من دولة تعتمد على
النفط ومحافظة اجتماعيا إلى قوة عالمية متوسطة على قدم المساواة مع إندونيسيا أو البرازيل.
ولهذه الغاية، فإن ابن سلمان يقوم بتهميش رجال الدين، إضافة إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، وكذلك السعي لدور جديد في حل النزاعات الإقليمية.
اظهار أخبار متعلقة
وبالمثل، فإنه من غير الواضح إلى أي مدى سيغير الاتفاق السعودي الإيراني من بروز قوة إيران في
المنطقة. على المدى القريب، يمكن للصفقة أن تخفض التوترات الإقليمية بشكل كبير، لا
سيما في اليمن. لكن على الرغم من أن إيران قد تدفع الحوثيين إلى عقد صفقة مع
السعوديين، فإن من غير المرجح أن تقلل من تواجدها الإقليمي أو تقلل من دعمها لوكلائها
وحلفائها مثل الحوثيين أو حزب الله أو الجماعات شبه العسكرية في العراق أو النظام
السوري، ولكن من المرجح أن تستمر السعودية وإيران في التنافس على القوة والنفوذ
الإقليميين.
وتأتي
اتفاقيات أبراهام أيضا مع قيود كبيرة. على الرغم من أنها تشكل تغييرا كبيرا في
الاصطفافات الإقليمية، إلا أنها تركت العديد من دوافع الصراع الأساسية، لا سيما
فيما يتعلق بالاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، دون معالجة، بل
رسختها.
وتستمد
إسرائيل والإمارات منفعة متبادلة من إبراز العلاقة المفتوحة التي كانتا ترعاها في
الظل لسنوات عديدة. ولكن لا ترقى العلاقة إلى مستوى رغبة إسرائيل في تحالف مناهض
لإيران. وقد دفن التقارب السعودي والإماراتي مع إيران آفاق مثل هذا التحالف على أي
حال.
لقد
كان تأثير الاتفاقيات مدمرا بشكل خاص على السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وبالنسبة
لأولئك الذين يعتقدون في واشنطن بأن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل يمكن أن
يحقق تقدما في الوضع الفلسطيني، فإنه يجدر النظر في نتائج الصفقات القائمة، وقد جادل
المسؤولون الإماراتيون بأن توثيق العلاقات الإماراتية مع إسرائيل سيؤثر بشكل
إيجابي على هذه القضية، لكنهم حتى الآن ليست لديهم نتائج تذكر.. بل إنه على العكس، قامت
إسرائيل بتوسيع المستوطنات واتباع إجراءات عسكرية أكثر صرامة في الأراضي المحتلة، بينما يواصل الفلسطينيون التطلع إلى دولة مستقلة خاصة بهم أو تطبيق حقوق متساوية
لجميع الناس في المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن - وهو أمر
غير مقبول لمعظم الإسرائيليين. ما يظهر بدلا من ذلك هو نظام فصل عنصري – الآن بدعم
فعال من الأطراف العربية لاتفاقات أبراهام.
وقال الكاتب إن موجة التطبيع في الشرق الأوسط من غير المرجح أن تساعد سكان المنطقة الذين هم أنفسهم يعانون. لأن الدافع الأعمق للصراع له علاقة بكيفية إدارة الدول لاقتصاداتها وحكم
مجتمعاتها، فذلك هو الذي دفع الناس إلى الشوارع خلال انتفاضات 2011 وأنتجوا صرخة
مشتركة من أجل العدالة الاجتماعية. بعض البلدان التي نجت من الاضطرابات في عام
2011 - الجزائر ولبنان والعراق والسودان - شهدت شكلا من أشكاله بعد ثماني سنوات،
وكان لإيران نسختها الخاصة العام الماضي.