قضايا وآراء

من سليمان خاطر إلى محمد صلاح.. ظاهرة مربكة للتطبيع

نزار السهلي
تشييع الجنود الإسرائيليين- جيتي
تشييع الجنود الإسرائيليين- جيتي
العملية التي نفذها الجندي المصري محمد صلاح إبراهيم في معبر العوجة على الحدود الفلسطينية المصرية يوم السبت الماضي، وقتل فيها ثلاثة من جنود الاحتلال، أحدثت إرباكاً في مشهد العلاقات المصرية الاسرائيلية وتصدرت واجهة الأحداث مع اهتمام واسع لدى مختلف الأوساط الإسرائيلية والمصرية للتخفيف من أثر ما حدث، وفتحت نقاشاً عن صعوبات التطبيع الكلي بين مصر ودولة الاحتلال. وأعادت العملية للأذهان اسم الجندي المصري سليمان خاطر الذي نفذ عملية مشابهة في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 1985 وقتل خمسة سياح إسرائيليين، وحُكم عليه بعدها بالسجن المؤبد ثم قيل إنه انتحر أو دُبرت واقعة قتله داخل زنزانته.

اليوم كلام كثير يمكن أن يساق في مجال عملية العوجة، وصدور روايات متناقضة حول طبيعتها وظروفها وظروف من نفذها، لكن يجدر أن تبقى حقائق مطلة على إخفاقات التطبيع الشعبي بين مصر وإسرائيل، وكل محاولات تغيير عقيدة الجنود المصريين بشكل مطلق كحراس للاحتلال تنفك بالصورة الشاملة للأوضاع التي يعايشها الشارع المصري والعربي؛ ورؤيته للصراع المستمر مع إسرائيل كمشروع عدواني في المنطقة العربية. ومع أي ظرف متاح للتعبير عن رفض فإن مقاومة هذا المشروع ممكنة رغم ثقل القيد واتساع القمع له، ورغم مسارعة الجانبين المصري والإسرائيلي في تقديم التطمينات لبعضهما البعض في عزل ومحاصرة العملية، ومحاولة إلباسها ثوب "جريمة مطاردة مهربي المخدرات" على الحدود، أو إلصاق منفذها لباس الإرهاب وبحوزته "نسخة من القرآن"، وتعرضه لمشاكل نفسية كما قيل سابقاً عن عمليات مشابهة على حدود فلسطين مع الأردن ومصر بعد التطبيع معهما.

تبقى حقائق مطلة على إخفاقات التطبيع الشعبي بين مصر وإسرائيل، وكل محاولات تغيير عقيدة الجنود المصريين بشكل مطلق كحراس للاحتلال تنفك بالصورة الشاملة للأوضاع التي يعايشها الشارع المصري والعربي؛ ورؤيته للصراع المستمر مع إسرائيل كمشروع عدواني في المنطقة العربية
ويبدو من هذا الكلام، أن الاحتلال بعد كل عقود "السلام والتطبيع" لديه قناعة أيضاً بأن القوة والبطش لن تتمكن من منحه حالة الطمأنينة، ولا أكاذيب السلام ووعوده بمقدورها أن تُكسب اسرائيل قبولاً في الشارع العربي، ولن يتغير في الوعي العربي بأن قيام إسرائيل ووجودها واستمرارها قائم بالأساس على مذابح وجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وأن التزوير الحاصل بعد كل عملية "تطبيع وسلام" هو تزوير رديء ومكشوف بشواهد كثيرة يتابعها الشارع العربي. وكل عدوان إسرائيلي يمثل في الوعي العربي عامل قهر لإرادة الشعوب.

وخلافاً لبعض السياسات الرسمية العربية الشائعة مع إسرائيل لتلبية شهوة السلطة والتطبيع معها، تعطي العمليات الفردية من هذا النوع اليقظة الدائمة بوضع العداء للمشروع الصهيوني رأس حربة منتصبة في وعي الأجيال العربية. ولأن الثابت في القضية الفلسطينية أنها قضية دائمة الاشتعال ومفتاح لليقظة العربية، لهذا من الضروري حسب سياسات التطبيع العربي وخذلان الشعب الفلسطيني وسياسات الاحتلال؛ أن يبقى التزوير حاضراً في تجميل فوائد "السلام والتطبيع" والمكاسب الخلبية من ورائه.

ينبغي عدم التقليل من ما حصل على الحدود الفلسطينية المصرية، لسبب بسيط؛ أن من يحاول أن يقضي على آمال الشعب الفلسطيني ومقاومته، ويربط ذلك بحالة عربية "مهزومة" أنظمتها لا شعوبها، فمن الطبيعي أن تأتي هذه العملية لتؤكد مثل غيرها فهما عربي دون تسلط وقهر وقمع، وأغلبية ترى في إسرائيل كيانا معاديا وغريبا في المنطقة العربية وعلى أرضها
وإزاء الأهداف التي طرحت في الماضي بعد اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، وما استتبعها من انهيارات عربية وفلسطينية في أوسلو ووادي عربة وفي "اتفاقيات أبراهام" مع الإمارات والبحرين والمغرب لتحقيق عناصر السلم الكامل لإسرائيل دون مقابل، والذي أثمر اعترافاً من بعض النظام العربي بإسرائيل وأقام تحالفاً معها على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية، فقد مَثّلَ هذا الاعتراف ضمانة فعلية لاستمرار المشروع الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية دون خوف وقلق، والاطمئنان بأن مشكلة قبول إسرائيل ككيان واقع وجدت حلها الأمثلة وأنه يكمن بوجود أنظمة عربية تعاملت مع نتائج سياساتها العدوانية في تجذير تزوير مقاومة الشارع العربي لها، وهو ما لم يحصل ولن يحصل إذا ما أتيح للمجتمعات العربية هوامش التعبير الحر وممارسة الديمقراطية والحق في مقاومة العدوان.

وهنا ينبغي عدم التقليل من ما حصل على الحدود الفلسطينية المصرية، لسبب بسيط؛ أن من يحاول أن يقضي على آمال الشعب الفلسطيني ومقاومته، ويربط ذلك بحالة عربية "مهزومة" أنظمتها لا شعوبها، فمن الطبيعي أن تأتي هذه العملية لتؤكد مثل غيرها فهما عربي دون تسلط وقهر وقمع، وأغلبية ترى في إسرائيل كيانا معاديا وغريبا في المنطقة العربية وعلى أرضها. والأمر يسري من أرض الكنانة إلى مشرق العرب وغربهم.

وظاهرة سليمان خاطر ومحمد صلاح إبراهيم، تتكرر في فلسطين وبلاد العرب بأشكال مختلفة، تقاوم التزوير والتطبيع والاحتلال وتشويه الحق.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)