قضايا وآراء

استطلاعات الرأي حول العمل الحزبي في الأردن.. بين اليأس والتفاؤل

محمد العودات
جيتي
جيتي
أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية استطلاع رأي حول موقف المجتمع الأردني من الأحزاب السياسية في الأردن، والأرقام كان بعضها صادما من ناحية الرقم المجرد، لكن الأرقام في الحقيقة يمكن قراءتها قراءة مختلفة ومن زوايا أخرى وبشكل مغاير.

تشير نتائج استطلاع الرأي إلى أن 1 في المئة فقط من المستطلعة آراؤهم يفكرون بالانتساب إلى الأحزاب الجديدة، و4 في المئة فقط من الأردنيين سمعوا بأسماء الأحزاب التي تم تصويب أوضاعها، و14 في المئة من الشعب الأردني يرون أن ممارسة الأحزاب للعمل السياسي كانت ناجحة، 2 في المئة فقط يتابعون فعاليات الأحزاب السياسية.

أما الشباب والعمل الحزبي، فـ3 في المئة فقط من الشباب يتابعون فعاليات العمل الحزبي، و2 في المئة فقط يفكرون بالانضمام للعمل الحزبي، 7 في المئة يتوقعون نجاح العمل الحزبي في الأردن.

قراءة الأرقام بشكل مجرد ومقارنتها بالديمقراطيات الراسخة العريقة تعطي صورة قاتمة عن العمل الحزبي ومستقبله بالأردن، لكن هذه القراءة للأرقام ناتجة عن عدم وضوح في الرؤية لطبيعة العمل الحزبي ومهامه وفلسفته. علينا أن نوضح طبقات المؤثرين في البيئة السياسية أو النخب السياسية، وهذه النخب تقسم إلى:

- المفكرون: وهم الفئة السياسية التي تقوم على توليد الأفكار والنظريات السياسية العامة وتنقدها وتقيّمها، وتعيد إنتاج الأفكار وتحديثها بشكل دائم وفقا لمقتضيات العصر. هذه الفئة من النخب لا تحتك بالمجتمعات ولا تتعامل مع الواقع ولا تمتلك الكاريزما الشخصية، هم فقط أسرى المكاتب والرحم الولود للمشاريع الفكرية الكبرى، وهؤلاء عادة لا يكونون جزءا من الأحزاب وإن حصل فهم دائما يجلسون في الظل.

- النخب الوسيطة: وهي الفئة التي تأتي بعد المفكرين، يكون دورها تبسيط أفكار المفكرين وترويجها وتسهيل هضمها على الساسة وحملهم عليها. وهؤلاء هم المؤلفون والباحثون والكتّاب وصناع المحتويات السياسية، وعادة ما يظهرون بمظهر صناع الأفكار، لكنهم في الحقيقة صدى لفكر أعمق وأكثر كثافة؛ عجز منتجوه أن يقدموه للفئة المستهدفة به.

- الساسة التنفيذيون والكتلة الحرجة: وهؤلاء هم الساسة التفصيليون وغالبا، ما يكونون أعضاء وقادة في الأحزاب سواء كانت هذه الأحزاب برامجية أو أيديولوجية. هؤلاء يقومون بترجمة أفكار المفكرين وكتابات النخب الوسيطة إلى خطط عمل تنفيذية، يخاطبون المجتمع بهذه الأفكار ويحولونها إلى حلول، ويطلبون من المجتمع الثقة الانتخابية على أساس فهمهم لتلك الأفكار والحلول للمشاكل القائمة.

- الطبقات الناخبة: وهذه الطبقة تشكل السواد الأعظم من المجتمع. وتنقسم أيضا هذه الطبقة إلى طبقة اللوبيات، مثل لوبيات رأس المال أو الإعلام. وإن كانت طبقات قليلة العدد لكنها الأكثر تأثيرا، فهي توصف بالأقليات الأكثر تأثيرا في المجتمعات.

- الطبقة الوسطى: الأكثر تنظيما حزبيا، وهي طبقة المهنيين وهم أيضا الطبقة متوسطة التأثير في العملية الانتخابية، وطبقة البروليتاريا الذين لا يملكون المال ويعتمدون على عضلاتهم في كسب معاشهم، وهي الطبقة الأقل تأثيرا واهتماما في العمل السياسي وإدارة الشأن العام.

إذا فهمنا طبيعة العمليات السياسية ومن يدير مشهدها ومن يؤثر فيها، فإننا نجد أن الأرقام التي وردت على الرغم من تواضعها إلا أنها أرقام طبيعية جدا في ظل حداثة التجربة التي لم تنته المرحلة الأولى منها وهي تصويب الأوضاع. الرقم اليتيم كما سمّته وسائل إعلام خارجية، والذي يشير إلى أن 1 في المئة فقط من الشعب الأردني يفكرون بالانضمام إلى الأحزاب، قد يبدو رقما غير سيئ؛ لعدة أسباب:

- الشعوب تسمع بعيونها ولا تسمع بآذانها، فالشعوب تتعلم بالتجربة لا بالسماع. فتعطيل العمل الحزبي وتهميشه منذ 70 سنة كان كفيلا بجعل الناس يتوجسون من العمل الحزبي ويخشونه، وهذا الذي لن يستمر بناء على المرحلة القادمة ومتطلباتها التي أعطت للأحزاب دورا مدعوما ومهما في الحياة السياسية، بدل التهميش والتهشيم السابق.

- في الوقت الذي تثبت فيه التجربة على الأرض أن العمل الحزبي تحول من مغرم إلى مغنم وتحقيق الذات، فالإنسان بطبعه غائي يبحث عما يحقق ذاته، فسنجد الإقبال الكبير والتوجه إلى العمل الحزبي من المجتمعات.

- كما أن انضمام 1 في المئة يعني التحاق أكثر من 75 ألف أردني تقريبا في الأحزاب، وهو عدد كبير جدا إذ لم يبلغ عدد أعضاء الأحزاب الخمسين التي كانت مرخصة قبل عملية الإصلاح السياسي 50 ألف شخص، مما يعني أننا سنشهد تضاعف الأعداد خلال المرحلة القادمة، وهو ما يعني دوران عجلة الالتحاق بالأحزاب بشكل متسارع خلال المرحلة القادمة.

- الأهم من ذلك أن 2 في المئة من الشباب يفكرون بالانضمام للعمل الحزبي، مما يعني أننا سنشهد أحزابا يكون للشباب دور مؤثر ومهم فيها في المرحلة القادمة، وليس مجرد ديكور لتزيين الأحزاب وتجميل مظهرها.

ثقافة الإصلاح وتغيير قناعات الناس بكبسة زر يجافي أبسط قواعد التحولات الاجتماعية والسياسية، فالمجتمعات أجسام كبيرة التحول فيها يسير ببطء شديد، وليس من السهل توليد وتحويل وتبديل قناعات الناس، لكن ما تم على الأرض حتى الآن من تحولات جيدة ومبشّرة سيكون لها ما بعدها، بشرط أن تتم إدارة مرحلة التحول كما أراده صانع القرار وخطط لها، ليكون التحول حقيقيا يحكم فيه الشعب نفسه، وليس مجرد ديكور وشراء لمزيد من الوقت في الوقوف في المربعات القائمة حاليا كما تريده قوى الشد العكسي.
التعليقات (0)