قضايا وآراء

الانتخابات التركية بين الشكر وكفران النعمة

أشرف دوابة
يجهل الكثير من الشباب كيف كانت الأوضاع قبل مجيء أردوغان للسلطة- جيتي
يجهل الكثير من الشباب كيف كانت الأوضاع قبل مجيء أردوغان للسلطة- جيتي
تعيش تركيا يوم الرابع عشر من الشهر الجاري حدث إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو حدث جوهر ومفصلي ليس لتركيا فحسب، بل للعالم أجمع والدول الإسلامية على الأخص. فبينما يتربص الغرب الدوائر ويسعى بكل جهده لإزاحة الرئيس رجب طيب أردوغان من رئاسة تركيا، فإن شعوب العالم الإسلامي تتمنى لأردوغان تكملة مشواره الذي بدأه، وفتح بارقة أمل، منذ القضاء على الخلافة العثمانية في العام 1924م، واقتراب قرن على توقيع اتفاقية لوزان.

وفي الداخل التركي تحدث صورة مشابهة لما حدث إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني، ولكن مع الفارق، فقد كانت الدولة العثمانية في مراحل انهيارها وكان السلطان عبد الحميد يحول بينها وبين ذلك، بينما في عهد أردوغان الدولة كل يوم تزداد قوة. فقد درج بعض الإسلاميين في عهد السلطان عبد الحميد على المطالبة بإزاحته عن الحكم، باسم تحسين أحوال الدولة، ولما أزيح ما بقي السلطان عبد الحميد وما بقوا هم، بل عاش بعضهم في المنفي والبعض هاربين في رؤوس الجبال، وظلوا بعدها يعضون أصابع الندم على ما حدث لإمبراطورية امتد حكمها لستة قرون في ثلاث قارات، نُزع منها الإسلام نزعا، وأصبحت العلمانية دينا، والتدين جرما، والأذان بالعربية ممنوعا، ومساجد الله مرتعا للخيول، والعلماء على مقاصل الإعدام يقتلون، والنساء من حجابهن يتم شدهنّ، وحتى اللغة التركية تم استبدال جل مصطلحاتها العربية والتأسيس لكتابتها باللاتينية، وكل ذلك تم بفعل حزب الشعب الجمهوري.

واليوم نرى للأسف الشديد من هو محسوب على رئيس الوزراء نجم الدين أربكان-رحمه الله- ويتولى رئاسة حزبه، والذي حقق تلميذه أردوغان جل ما كان يريده، فضلا عن رئيس وزراء ووزير سابق في حكومة أردوغان، يضعان أيديهما في يد حزب الشعب الجمهوري ضد أردوغان. وهؤلاء للأسف لم يتعلموا من التاريخ، وموقفهم لا يحمل عدلا ولا صفاء نفس أو نقاء سريرة، تجاه رجل له إيجابياته وسلبياته كبشر وحاكم، ولكن سلبياته مغمورة في إيجابياته، وتكفيه شهادة كل من عرفه بإخلاصه وكفاءته وحبه لدينه ونصرته للمظلومين.

فهل من العقل والمنطق استبدال الذي هو أدنى الأدنى بالذي هو خير؟!.. وهل من العقل والمنطق أن أضع يدي في يد من عادى الإسلام وأهله ضد من حمل الإسلام وأهله وسعى لتطبيقه على أرض الواقع؛ بدءا من التنمية بصورة تدريجية تراعي السنن الاجتماعية، ويسير في طريقه لتحقيق ما يصبو إليه من إعادة مجد المسلمين في ظل المئوية الثانية لتأسيس الجمهورية التركية؟

إن كل منصف لا ينكر أن تركيا عاشت نحو ثمانين عاما في ظلال التخلف، فلم يفلح حزب الشعب الجمهوري إلا في حرب الشعائر الإسلامية، وعاش الشعب في ترهات الفقر، والشعارات القومية التي رفعها هؤلاء للاستهلاك المحلي، وهي شعارات لم تسمن ولم تغن من جوع، بينما أردوغان خطط ونفذ، ووصل ببلاده لمكانه محلية وعالمية أعادت أمجادها وكل ذلك خلال عشرين عاما فقط.

لقد انتُخِب رجب طيب أردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول المدينة الكبرى في الانتخابات المحلية التي أجريت في 27 آذار/ مارس 1994، وكانت وقتها تعاني من مشكلات مزمنة منها: مشكلة المياه التي كان الحصول عليها من المشقات اليومية، ومشكلة الصحة التي كان الحصول عليها بعد شهور عديدة ضربا من الخيال، ومشكلة النقل التي حالت بين المواطن والتنقل للعمل وقضاء حوائجه، فضلا عن التلوث الذي تقدمت فيه إسطنبول على مدن العالم، وكذلك مشكلة الديون التي أرهقت ميزانية البلدية.

وقد استطاع أردوغان حل تلك المشاكل من خلال مدّ أنابيب المياه لمسافات طويلة بلغت مئات الكيلومترات، وتدوير النفايات، والانتقال إلى استهلاك الغاز الطبيعي، وإنشاء أكثر من 50 جسراً ونفقاً وطريقاً سريعاً لتجاوز معضلة المرور والتنقل في المدينة، وبادر إلى مشاريع أخرى كثيرة فتحت آفاقاً مستقبلية للمدينة، واستثمر موارد البلدية بصورة حققت التخصيص الأمثل للموارد وخنق الفساد، وتمكن من تسديد جلّ ديون البلدية التي كانت تقرب من ملياري دولار أمريكي، ثمّ قام باستثمارات ضخمة بلغت قيمتها 4 مليارات دولار.

وحينما أسس أردوغان حزب العدالة والتنمية في 14 آب/ أغسطس 2001، وتمكّن الحزب من الفوز في الانتخابات التشريعية عام 2002 بنيل ثلثي مقاعد البرلمان، وهو ما جعله مؤهلاً لتشكيل الحكومة بمفرده، تمكّن أردوغان حينما تولى منصب رئاسة الوزراء في 15 آذار/ مارس 2003، من تنفيذ حزم إصلاحية حيوية ومهمّة، سعيا لتحقيق التنمية المستدامة لتركيا، في وقت كانت تركيا تحت رحمة صندوق النقد الدولي، والاقتصاد في حالة يرثى لها. واستطاع أن يسيطر على التضخم المالي الذي كان مشكلة مزمنة أعيت الحكومات السابقة عقوداً طويلة، وأعادَ للعملة التركية سمعتها بإزالة ستة أصفار منها. وأُجري تخفيض نسبة الفوائد في مديونية الدولة، وشهد دخل الفرد زيادة ملحوظة، وبنى السدود والمدارس والمساكن والطرق والمستشفيات ومحطات الطاقة، حتى وصُف ما قام به بـ"الثورة الصامتة".

واستمر أردوغان في مشروعه النهضوي التنموي فانتقل إلى الصناعات الدفاعية، فوضع لتركيا قدما ثابتا فيها نحو الاعتماد على النفس، وعدم الوقوع تحت رحمة الدول الغربية في توفير سلاحه، كما قام بطفرة في الطاقة من خلال الطاقة النووية واكتشاف حقول غاز في تركيا لأول مرة.

كما أنه رغم كارثة الزلزال الذي أصاب 11 محافظة تركية، إلا أنه حاول بكل جهد إزالة آثاره بما يخدم المواطن دخلا وسكنا وأمانا.

إننا لا ننكر أن معضلة تركيا في الفترة الحالية في ارتفاع نسبة التضخم التي تلهب ظهور الناس بالغلاء، وما ترتب على ذلك من الدخول في لولب الأسعار- الأجور، من خلال زيادة الأجور بارتفاع التضخم، ومع ذلك فإن مشكلة التضخم أصابت العديد من دول العالم نتاجا للحرب الروسية الأوكرانية ومن قبلها أزمة كورونا وتأثر سلسلة التوريد الدولية، وإن كان التضخم في تركيا يرجع كذلك للعملة التركية وما شهدته من حروب مقصودة لضربها مما أثر على توازنها.

إن تركيا محظوظة بوجود أروغان رئيسا لها، فالرجل يعمل ليل نهار لخدمة وطنه وشعبه، وامتد أثره على دول العالم الإسلامي التي تعلقت قلوبها بموعد الانتخابات وتدعو له بالتوفيق والنجاح والسداد. أما الناكرون لجهد أردوغان في رفعة تركيا، وخاصة الذين لم يعيشوا فترة حالكة السواد حرية وتخلفا وتدني للخدمات العامة إبان حكم حزب الشعب الجمهوري، فأولى بهم أن لا يكفروا بالنعمة، فإن الكفران بها يزيلها، وعلى الشباب أن يسألوا آباءهم وأجدادهم عما كانت عليه تركيا من قبل وكيف أصبحت في ظل حكم أردوغان، ليكون حالهم حال الشاكر للنعمة لا المتبطر عليها.

twitter.com/drdawaba
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الأربعاء، 03-05-2023 09:35 م
شكر النعمة بنبذ المجرمين كما قال سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام : "رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين". أما مساندة أحد أعوان الصهاينة من هذا الفريق أو ذاك، في تركيا أو في السودان أو في غيرهما، فهي دليل على تقديم المصالح المتوهمة مع الأعداء الاستعماريين ومجرمي الحرب وأعتى الإرهابيين على الدين والمبادئ، وكذلك يفعل كل من يفوز في انتخابات تركيا عندما يقسم بغير الله على أن "يحافظ مخلصا على سيادة القانون، والجمهورية الديمقراطية العلمانية، والمبادئ والإصلاحات التي أرساها أتاتورك". فليفرح بذلك المنافقون. قال الله عز وجل: "بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا". أما الرد على المفتونين بالمكاسب الدنيوية وخوفهم عليها وخيانة الأمانات من أجلها فقوله تعالى: "واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم". وإذا وضع أحد يده في يد أحد المجرمين فقد وضع اردوغان وزوجته وبعض وزرائه أيديهم في أيدي إرهابيين صهاينة، فأي المجرمين أحق بالمقاطعة والنبذ. ومن يدعو لانتخاب أحد أعوان الصهاينة فليتحمل وزره وكفله من قتل الفلسطينيين وطردهم وتعذيبهم وسرقتهم وتدنيس المسجد الأقصى والأرض المقدسة ونبش القبور ورمي المصاحف. وبينما تعلم الغربان الناس أن يمزقوا أعلام الصهاينة ويرموها يصر كثير من الناس على بقاء أعلام الصهاينة مرفوعة بالمشاركة في انتخاب رئيس ونواب عجزوا أن يكونوا مثل تلك الغربان، فمن أضل منهم سبيلا!