قضايا وآراء

العشرية السوداء.. طبول الحرب تدق (8)

حمزة زوبع
لم تكن خطة فض اعتصام رابعة وليدة اللحظة- جيتي
لم تكن خطة فض اعتصام رابعة وليدة اللحظة- جيتي
"مصر مرشحة في ظل خيارها ليس بين السيئ والأسوأ بل بين الأسوأ والأكثر سوءا، لتتحول في النهاية من مكان سكن على مستوى وطن إلى مقبرة بحجم الدولة" (المفكر الكبير جمال حمدان)

كان الفاصل الزمني بين 30 حزيران/ يونيو 2013 وهو يوم الإعلان عن بدء اعتصام القوى المؤيدة للرئيس مرسي، وبين يوم 14 آب/ أغسطس وهو يوم المجزرة المشهود، هو 44 يوما استغلها النظام الانقلابي لكي يتم خلالها الإعداد لهذه المذبحة أو المقتلة العظيمة التي راح ضحيتها أكثر من ألف نفس بشرية حسب التقارير الدولية (طالع تقرير "حسب الخطة" الذي نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش)، وهذا الرقم يزيد بكثير عند معسكر الديمقراطية الحقيقي والمعتصمين الذين لا يزال بعضهم مفقودا حتى تاريخ كتابة هذه المقالات.

ولو تحدثنا عن الزمن فإن فترة شهر وعشرة أيام غير كافية بالمرة لما شاهدنا من خطة حرب حقيقية شُنت في مكان وعلى مساحة ضيقة في حي سكني مزدحم بالسكان وبالحركة المرورية، وهذا دليل آخر على ما ذكرته في بداية هذه السلسلة أن الأمور دبرت بليل منذ 2012 وأن الاستعدادات لمثل هذه العمليات الإجرامية لم تكن وليدة الأسابيع التالية للانقلاب.

فترة شهر وعشرة أيام غير كافية بالمرة لما شاهدنا من خطة حرب حقيقية شُنت في مكان وعلى مساحة ضيقة في حي سكني مزدحم بالسكان وبالحركة المرورية، وهذا دليل آخر على ما ذكرته في بداية هذه السلسلة أن الأمور دبرت بليل منذ 2012 وأن الاستعدادات لمثل هذه العمليات الإجرامية لم تكن وليدة الأسابيع التالية للانقلاب

ثلاثة مشاهد رئيسية في مشهد ما قبل المجزرة، المشهد الأول هو طبول الحرب التي كانت تدق ليل نهار منذ وقوع الانقلاب بهدف بناء رأي عام مضاد للاعتصام وللمعتصمين، ولو تطلب الأمر ما تطلب على النحو الذي عشناه جميعا من حملة أكاذيب غير إنسانية وحملات سياسية من مناوئين للإخوان والتيار الاسلامي عموما.

والمشهد الثاني هو مسار التفاوض لتضييع الوقت لحين إعداد العدة وبناء شبكة التحالف المضادة للديمقراطية والمعادية للإسلاميين، والمناهضة تماما لفكرة حكم الشعب لنفسه بنفسه.

والمشهد الثالث هو مشهد المعتصمين السلميين وهم يمارسون طقوسا غاية في الانضباط والالتزام الاخلاقي والسلوك الجماعي الموحد، والذي لم يشذ عنه إلا قليل، وهو أمر جعل مكان الاعتصام قبلة للزيارة والاطلاع والرغبة في المشاركة من طيف واسع من غير الإسلاميين؛ الذي أبهره السلوك التنظيمي والالتزام الديني والعمل الجماعي في موقع الاعتصام.

في المشهد الأول

كانت الخطة موضوعة بدقة وكان يقودها عباس كامل، مدير مكتب السيسي آنذاك ورئيس جهاز المخابرات الحالي، والذي نجح بعد ذلك في تأميم كافة الوسائل والوسائط الاعلامية المصرية في أقبية المخابرات العامة حتى لا يُسمح لصوت شاذ بالعزف خارج منظومة الانقلاب على مدار السنوات العشر الماضية (2013-2023). وحسب تقرير لموقع "عربي21" الذي نقل عن مصدر إعلامي في قناة إعلامية مصرية كان يملكها محمد الأمين قبل موته وهو رهن الحبس بعد اعتقاله بسبب ما قيل إنه اتجار بالبشر، فقد قال المصدر: "التعليمات التي كانت تصلنا في غرف الأخبار والإعداد كانت تنصبّ حول تقديم بعض المقاطع المصورة عن تخزين المعتصمين للسلاح والذخيرة، وإعداد تقارير عن تحول أماكن الاعتصام إلى بؤر إرهابية، والانطلاق منها لمهاجمة مؤسسات الدولة، واستقبال مكالمات مفبركة من السكان في محيط الاعتصام للحديث عن الرعب والذعر الذين يعيشونه كل يوم وليلة".

عن مشاهداتي الشخصية كمتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، فقد علمت من بعض منتجي ومعدي البرامج أن هناك توحيدا للقصص الإخبارية الخاصة باعتصامات رابعة والنهضة، مع تركيز أكبر على رابعة تحديدا بصفته أكبر اعتصام امتد لأسابيع في تاريخ مصر المعاصر. كما أن الأسئلة التي كانت توجه لأنصار الشرعية كانت موحدة أيضا، مع إصرار عجيب على المقاطعة المتكررة وعدم منح المتحدثين وقتا كافيا، بينما يتم منح مؤيدي الانقلاب الوقت الأكبر والعدد الأكثر من الضيوف في الحلقة الواحدة. وامتد هذا الأمر لبعض القنوات الخارجية مثل بي بي سي، وأذكر أنني جازفت غير مرة وخاطرت من أجل التحدث من خلال مقر هذه القناة في القاهرة بعد الانقلاب، وانفعلتُ كثيرا على أحد المذيعين الذي بدا مؤيدا للانقلاب أكثر من إبراهيم عيسى وأحمد موسى.

بعض القنوات الغربية الناطقة بالعربية كانت تحاول تصدير مشهد مفاده أن القصة انتهت، وبالتالي على الجميع أن يسلّم بالأمر الواقع ولا داعي لتضييع الوقت فالآلة العسكرية المجرّبة تاريخيا لن يوقفها أحد. ورغم علمنا بذلك، لكن وللتاريخ أقول إنه لم يكن واردا في لحظة من اللحظات وحتى بعد فض رابعة أن نستسلم لهذا الأمر، خصوصا مع صمود المعتصمين ورغبتهم في البقاء حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه

والحقيقة أن بعض القنوات الغربية الناطقة بالعربية كانت تحاول تصدير مشهد مفاده أن القصة انتهت، وبالتالي على الجميع أن يسلّم بالأمر الواقع ولا داعي لتضييع الوقت فالآلة العسكرية المجرّبة تاريخيا لن يوقفها أحد. ورغم علمنا بذلك، لكن وللتاريخ أقول إنه لم يكن واردا في لحظة من اللحظات وحتى بعد فض رابعة أن نستسلم لهذا الأمر، خصوصا مع صمود المعتصمين ورغبتهم في البقاء حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه أو ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وذلك لأن ما كان يتم عرضه كان الاستسلام ولا شيء غير ذلك.

التقارير التي وصلتنا كانت تفيد بأن عباس كامل، الذراع اليمنى لقائد الانقلاب، قاد بنفسه عملية التنسيق والترتيب وإدارة الحملة الإعلامية بنفسه من خلال وضع وتحديد المضامين الإعلامية وترتيب بثها وتحديد المذيعين والضيوف وتوقيتات البرامج، خصوصا مع أبرز مقدمي البرامج الحوارية، كما ساهم السيسي حسب التقرير في الإشراف المباشر والحديث وجها لوجه مع بعض كبار المذيعين وعلى رأسهم ابراهيم عيسى بكل تأكيد، وهو ما جعل عيسى يتحول من متخوف من فض الاعتصام بالقوة إلى مؤيد له وبشدة، وكذلك محمود سعد الذي شارك هو الآخر في الدعوة لفض الاعتصام بالقوة وبيد من حديد، حسب تعبيره.

كانت الحملة الإعلامية تهدف إلى تخويف الشارع المتعاطف من إبداء أي تعاطف ولو بسيط مع المعتصمين، وبالتالي عدم انضمام معتصمين جدد، ناهيك عن تهيئة الشعب الجالس أمام الشاشات للقبول بالرواية العسكرية الرسمية لما جرى وما سيجري، وحتى إن لم يتم قبول هذه الرواية فمن المهم ألا يتعاطف الناس مع القتلى والمصابين.

ويمكنني بحكم سنوات الخبرة في المجال الإعلامي لعقود؛ القول بأن أهم مضامين حملة الانقلاب على اعتصام رابعة كانت وعلى مراحل تدريجية؛ الأولى وتتضمن:

1- تصوير المعتصمين على أنهم خارجين ومتمردين على ما أسموه ثورة 30 يونيو (2013).

2- تصوير المعتصمين على أنهم مجموعة من الريفيين السذج والبسطاء من المضحوك عليهم.

3- اتهام المعتصمين بعدم النظافة، والعيش في مكان غير مؤهل للعيش الآدمي.

4- تصوير مكان التجميع على أنه معيق لحركة الحياة وخصوصا المرور.

5- تصوير قادة الاعتصام بأنهم مجموعة من باعة الأوهام والمتاجرين بالمعتصمين لتحقيق أهداف أخرى.

ثم تدرجت الحملة والمضامين إلى التالي:

1- تصوير المكان على أنه تجمع ارهابي مسلح مع وجود أسلحة ثقيلة (شاهد احمد موسى).

2- وصف المعتصمين بأنهم يمارسون أفعلا غير أخلاقية بالمرة (جهاد النكاح) وقد شاركت قناة العربية السعودية في نشر مثل هذه القصص واستضافت من اسمتهن بشاهدات عيان على جهاد النكاح.

3- الزعم بأن هناك قتلى دفنوا تحت الأرض.

4- الزعم بتعذيب بعض المخالفين ورافضي الاعتصام.

5- تنفير سكان المنطقة المجاورة للاعتصام من المعتصمين ومن خطورتهم.

ثم تصاعدت الحملة إلى المضامين التالية:

1- الزعم بأن الاعتصام سبب في ضياع مياه النيل وبناء إثيوبيا للسد، كما جاء في مقابلة أجرتها صحيفة الأهالي مع هاني رسلان، المتخصص في الشأن الأفريقي بصحيفة الأهرام.

2- الزعم بأن الاعتصام يضر اقتصاد البلاد ويعطل عجلة الإنتاج.

3- بث رسائل معدة سلفا وبشكل انتقائي من سكان مدينة نصر تطالب بانزعاج الأهالي من استمرار الاعتصام.

4- التقليل من كل محاولات الحلول السلمية عبر التفاوض السياسي.

5- لوم الداخلية والأجهزة على استمرار الاعتصام دون حل.

6- تقديم نماذج لفض اعتصامات بالقوة مثلما حدث مع اعتصام عمال المناجم في جنوب أفريقيا ( شاهد ابراهيم عيسى).

7- توجيه الاتهام لقيادات الإخوان على كل ما جرى وما يجري، وتبرئة الجيش من تهمة الانقلاب (شاهد محمود سعد).

8- التحريض على قتل قيادات الإخوان بوصفهم سبب كل ما جرى وما يجري، مثلما فعل صلاح جودة.

9- تشبيه المعتصمين بالأسرى والمطالبة بتدخل الجيش لمساعدة من يريد الخروج من الاعتصام (شاهد د. سعد الدين إبراهيم).

10- اجتزاء مقاطع من الخطابات التي ألقيت من على منصة رابعة لتشويه حقيقة الاعتصام ومطالب المعتصمين.

11- المطالبة بالفض بالقوة واظهار العين الحمراء للدولة أيا كانت الخسائر (شاهد أحمد موسى).

في إطار الحملة الداخلية بين صفوف الجنود والضباط في الجيش والشرطة، فقد كانت هناك مضامين أساسية مهمة في التعامل مع الاعتصام واستخدام القوة بدون خوف ولا تردد

وفي إطار الحملة الداخلية بين صفوف الجنود والضباط في الجيش والشرطة، فقد كانت هناك مضامين أساسية مهمة في التعامل مع الاعتصام واستخدام القوة بدون خوف ولا تردد، نذكر منها على سبيل المثال:

1- تصوير المعتصمين على أنهم خوارج كما فعل الشيخ رسلان.

2- تصوير المعتصمين على أنهم ناس نتنة ويستحقون القتل (شاهد المفتي السابق علي جمعة)، وقد أعاد علي جمعة فتواه تلك وبوضوح أكثر في ذكرى الفض.

3- تشجيع الجنود على طاعة أوامر القيادات العسكرية بغض النظر عن صوابيتها.

شارك في حملة التحريض على معتصمي رابعة شيوخ ممن يدعون بالسلفيين في مصر وخارجها، بل طالب بعضهم بقتل معتصمي رابعة باعتبارهم طائفة ممتنعة (شاهد الشيخ طلعت زهران)، وتأييد تفويض السيسي لقتال المعارضين ووصفِ رفض الخروج لقتال المعارضين بأنه تولٍ يوم الزحف.

والشرح يطول إن أردنا تحليل هذه الحملة الإعلامية على نحو دقيق؛ لأن التفاصيل تكفي لكتابة مجلدات ولعل الله يمنحنا القوة والوقت لذلك.

لم تقتصر الحملة على المذيعين الذين كانت تأتيهم المضامين والتعليمات كل ساعة، ولا على شيوخ المنابر والحركات المناوئة للتيار الإسلامي على اتساعه والمؤيدة للسلطة على ضيق أفقها، بل امتدت إلى استخدام تصريحات وتعليقات الساسة المؤيدين للانقلاب في المجمل والمناوئين للإخوان على وجه الخصوص، ونشرها وإعادة بثها باعتبار أنها آراء وطنية مهمة ومؤيدة للفض، مثلما فعل عمرو موسى الذي زعم أنه اتفق مع الدكتور محمد البرادعي على الفض السلمي للاعتصام.

وقد نفي محمود بدر (بانجو) ما قاله البرادعي عن عزل مرسي وعن فض رابعة والاعتصام الذي قال بدر إن البرادعي وصفه بأنه كان مسلحا، وعلى الدرب سار عبد الحليم قنديل وحمدين صباحي وعشرات ممن يسمون زورا بالقوى المدنية.

ورغم فارق الإمكانات التي كانت مسخرة للسلطة في الداخل والخارج من قنوات وصحف ومواقع الكترونية وشركات علاقات عامة واتصال دولي للتمرير الرواية العسكرية لشكل وطبيعة الاعتصام، إلا أن إعلام الحقيقة وعلى رأسه قناة الجزيرة الإخبارية وبعض القنوات العربية في أوروبا مثل الحوار، نجح في تفنيد هذه الرواية وتقديم الرواية الحقيقية لما كان يجري داخل موقع الاعتصام على مدار الساعة (شاهد جزءا من فعاليات الاعتصام في شهر رمضان).

في المشهد الثاني

كانت الوفود تتوافد على مقر الحاكم الجديد، الجنرال السيسي، حتى قبل أن يعلن عن ترشيح نفسه، ولكنه كان معروفا بأنه قائد الانقلاب والكل يطرق الباب لأجل التوصل إلى حل لمسألة احتجاز الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي، وإعادة الأمور إلى ما قبل 3 تموز/ يوليو 2013. وبدا ذلك المطلب صعبا لدى البعض ممن أدركوا حقيقة الأمور، ولكن الغالبية العظمى كانت على يقين بأن اعتصاما بهذا الحجم والكيفية بمقدوره إعادة الأمور إلى سابق عهدها عبر الحوار الجاد والتفاوض حول المطالب التي لبّى الرئيس مرسي معظمها وبقيت التفاصيل المهمة؛ وعلى رأسها أن أي حل سياسي يتجاهل دور الجنرالات والسيسي على رأسهم يعني بالنسبة للسيسي أنه سيكون خارج الصورة، وهذا على غير ما أراده وخطط له.

وبقيت مسألة الوفود -بما فيها وفد أمني صهيوني زار مصر بعد الانقلاب- والزيارات والتدخلات مجرد استهلاك الوقت من أجل إعداد العدة، والتأكد من رغبة الممولين من الإمارات والسعودية والداعمين من الكيان الصهيوني والضامنين في أمريكا في الفض بأي طريقة كانت، حتى تؤول الأمور للجنرالات وتتم استعادة الديمقراطية، كما عبّر كبير الدبلوماسية الأمريكية جون كيري أثناء زيارته لباكستان.

لم يكن لدى الجنرال السيسي نية حقيقية لتحريك الأمور سياسيا إلا إذا قبل مؤيدو الرئيس مرسي عليه رحمة الله بالوضع الجديد والتسليم بأن مرحلة حكم مرسي انتهت ولن تعود، والتفاوض يكون حسب أجندة الجنرال، وهو ما عبّر عنه السيسي نفسه بعد أعوام بأن المعروض عليهم (أي الإخوان) في 3 تموز/ يوليو كان أفضل بكثير مما هو معروض اليوم، حسب زعمه. والأمر الآخر الذي كان مطروحا هو ما الذي يجب عمله تجاه اعتصامات وتظاهرات القوى المؤيدة للرئيس الشهيد محمد مرسي.

التقت إرادة السيسي مع إرادة النظم الملكية والأسر الحاكمة في الخليج على مقاومة أي تغيير سلمي عبر الصناديق، حتى لا تتشجع شعوبهم على التمرد على الاستبداد والحكم المطلق مهما كلفهم الأمر من تكاليف ولو أنفقوا المليارات، كما التقت إرادة الكيان الصهيوني مع الجنرال على أن القضاء على الإخوان عموما وعلى الرئيس المنتخب محمد مرسي تحديدا هو هدف مشترك، كما أن فتح الباب للديمقراطية يعني وصول قوى مناهضة للكيان في المنطقة

التقت إرادة السيسي مع إرادة النظم الملكية والأسر الحاكمة في الخليج على مقاومة أي تغيير سلمي عبر الصناديق، حتى لا تتشجع شعوبهم على التمرد على الاستبداد والحكم المطلق مهما كلفهم الأمر من تكاليف ولو أنفقوا المليارات، كما التقت إرادة الكيان الصهيوني مع الجنرال على أن القضاء على الإخوان عموما وعلى الرئيس المنتخب محمد مرسي تحديدا (طالع تصريحات نتنياهو عن دور الكيان في التخلص من الرئيس مرسي) هو هدف مشترك، كما أن فتح الباب للديمقراطية يعني وصول قوى مناهضة للكيان في المنطقة مما يعني وجود خطر على وجود الكيان مستقبلا.

وقد أشار العديد من الكتاب والمحللين والساسة الصهاينة إلى ذلك، وبالتالي لم يكن هناك أي شك في أن السيسي ينفذ مجموعة ارادات مشتركة؛ إرادة الجنرالات والخليجيين والكيان الصهيوني وأمريكا، وبالتالي وحسب الحاجة الملحة تفاوت حجم الدعم حتى أثناء ما يمكن تسميته مجازا عملية التفاوض.

كانت زيارة وفود أوروبية مثل السيدة كاترين أشتون مفوضة الشئون السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي قد بدأت مبكرا بعد تداول معلومات سرية عن تدخل وشيك للجيش المصري في الشئون السياسية للبلاد، وكان ذلك في شهر نيسان/ أبريل 2013. وزارت أشتون مصر والتقت الرئيس الشهيد محمد مرسي، وكان اللقاء حول الأمور المتعلقة بالحكم وإدارة البلاد والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، والتقت ببعض رموز المعارضة آنذاك، وكان الغرض هو تقديم عرض سياسي للرئيس مرسي بتسليم رئاسة الوزراء للدكتور البرادعي في ما وُصف بأنه عرض جيد أضاعه الرئيس. وفي هذه النقطة فقد كنت تحدثت مع أحد مساعدي الرئيس مرسي في ذلك الأمر، وقلت له فليقبل الرئيس بالعرض وليعين البرادعي وليرى الشعب أداءه. وللتاريخ، فقد قال الرجل إن المشكلة تكمن في الرأي العام الداخلي، خصوصا بين أنصار التيار الإسلامي.

وفي 30 تموز/ يوليو زارت أشتون مصر والتقت بالرئيس محمد مرسي في مكان احتجازه، ودار بينهما حوار انتهى إلى رفضه التسليم بما جرى، معتبرا أن ما جرى انقلاب يتعين على القوى الديمقراطية حول العالم رفضه والتنديد به. ولكنها رفضت التصريح بشيء، معللة ذلك بأنه غير موجود وتم تحريف ما قالته في المؤتمر الصحفي الذي انسحبت منه، خصوصا ما يتعلق بزيارتها للرئيس مرسي وما نسبته المترجمة إليها أنها التقت "الرئيس السابق"، كما تدخل البرادعي في الإجابة عن سؤال موجه إلى السيدة أشتون حول مشاركة الرئيس مرسي في أي عملية سياسية تجري بعد 3 تموز/ يوليو (طالع قصة انسحاب أشتون) ودفاع الأهرام عن الترجمة.

ورغم زعم البرادعي لاحقا في عام 2016، في بيانه الأول والثاني، أنه لم يكن موافقا على عزل الرئيس مرسي عند إطلاق بيان 2 تموز/ يوليو إلا أنه رفض أي دور للرئيس مرسي أثناء المؤتمر الصحفي له مع كاترين أشتون في 30 تموز/ يوليو، أي قبل الفض بأسبوعين.

زار مصر في تلك الفترة مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون، وويليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك (حاليا يترأس جهاز الاستخبارات الأمريكي CIA)، ووزيرا خارجية قطر والإمارات، ولجنة حكماء أفريقيا برئاسة ألفا عمر كوناري، وعضا الكونجرس الأمريكي جون ماكين وليندسي جراهام. وقد وصف ماكين ما جرى بأنه انقلاب ولا يصح تسميته بغير ذلك. وفي رأيي أن الأمر لم يكن يعدو مسألة تضييع وقت لحين تنفيذ المجزرة (طالع تغطية الجزيرة حول هذه الزيارات).

سأكتفي بهذا القدر لأتحدث في المقال المقبل عن المشهد الثالث (في رحاب رابعة المجد).
التعليقات (0)

خبر عاجل